كان أداء النجم الأرجنتيني ونجم برشلونة الإسباني ليونيل ميسي في بطولة كوبا أمريكا 2021 المقامة في البرازيل من أفضل وأشمل العروض الفردية له مع المنتخب الأرجنتيني طيلة مسيرته. ربما كان إدراك ليونيل ميسي أن تلك هي الفرصة الأخيرة ليكلل مجهوداته مع منتخب التانغو ببطولة يرضي بها شعبه هو ما حوّل ليو إلى وحش يأكل الأخضر واليابس في أراضي الكوبا كابانا. رغم أن أداء ميسي في النهائي لم يكن مقنعاً، فإن ما قدمه في البطولة كاملة كان مدهشاً. في عمر الـ34 تصدر ميسي ترتيب هدافي البطولة، جاء في المركز الأول برصيد 4 أهداف، وتصدر أيضاً ترتيب الأكثر صناعة للأهداف بـ5 تمريرات حاسمة، ليكون بذلك أكثر من سجل وأكثر من صنع الأهداف في البطولة. هكذا ساهم ميسي في 9 أهداف من أصل 12 هدفاً للأرجنتين في البطولة.
رأى العالم صعود ميسي لمنصة التتويج عدة مرات ليحصد جائزة أفضل لاعب في كوبا أمريكا وهداف في البطولة. ثم صعد أخيراً ليحمل كأس كوبا أمريكا 2021 كقائد لمنتخب الأرجنتين.
رغم أن الجمع بين تلك الجوائز ليس بالهين، فإنه وضع معتاد عليه ميسي والجماهير، فكم من مرة تصدر ترتيب هدافي الليغا وكذلك الأكثر صناعة للأهداف، والأكثر صناعة للفرص، لكن اللافت حقاً هنا هو تصدر وظهور ميسي في قوائم الإحصائيات الدفاعية.
العين الثالثة في كرة القدم
الإحصائيات والأرقام التفصيلية ليست كلّ كرة القدم، وتحتاج إلى تحليل وقراءة متأنية حتى لا تشوّش الرؤية وتنتج تصوّرات جامدة. لكن الإحصائيات، كعين ثالثة في كرة القدم، تلعب دوراً كبيراً في لفت الأنظار إلى نقاط جوهرية لا تلتقطها عين المشاهد.
هناك الكثير من وجهات النظر الثابتة التي تؤثر على عين المشاهد أثناء متابعته للمباريات، تجعله يرى أشياء ولا يدرك أخرى، رغم مرورها أمام عينه، فإن تأثير القوالب المحفوظة ذهنياً مذهل.
على سبيل المثال، يرى البعض أن بيدري جونزاليس نجم برشلونة والمنتخب الإسباني ضعيف بدنياً، لكن الأرقام تخبرنا أنه أكثر من ركض في يورو 2021 حتى نصف النهائي قبل خروج منتخب بلاده من البطولة على يد البطل. ربما ألصقت ببيدري تلك الصفة من طريقة لعبه الهادئة، وبنيته البدنية. ربما ذلك المثال يجعلنا ندرك قيمة الأرقام، بأنها حقاً العين الثالثة في كرة القدم.
قبل انطلاق كوبا أمريكا، وبعد مباراة المنتخب الأرجنتيني ضد المنتخب الكولومبي في تصفيات أمريكا الجنوبية المؤهلة لكأس العالم 2022 في قطر، ظهرت إحصائية تبدو غريبة لجمهور الكرة. تقول إن ليونيل ميسي هو أكثر المهاجمين استرجاعاً للكرة في التصفيات، 33 مرة. كانت تلك إشارة لنا لنركز على أداء ليونيل ميسي الدفاعي في كوبا أمريكا. تصدر ميسي ترتيب اللاعبين الأكثر قطعاً للمسافات في البطولة، ربما تلك صدمة أخرى، ليونيل ميسي يشتهر بأنه "يتمشى" في الملعب، يحلل الوضعية، ويقرر أن يتحرك هنا أو هناك وفقاً لقراره الشخصي، لا مجبوراً على القيام بأدوار دفاعية.
لذا كان الرقم مفاجأة للجميع، عادة يكسب ليونيل ميسي الكرة في الثلث الأخير مرة واحدة في المباراة الواحدة، لكنه كسب 7 كرات. وكسب ما معدله 9.3 التحام أرضي في المباراة الواحدة بنسبة نجاح 57%، وعلى مدار البطولة قام ميسي بعمل Block ضد 10 تسديدات. الإحصائية الأخيرة توضح مدى أنصار ميسي في منظومة الأرجنتين الدفاعية، وأنه كان جزءاً منها وليس منفصلاً عنها كأغلب مبارياته مع برشلونة.
ربما الأرقام ليست هائلة، لكنها مقبولة، وبما أنها أرقام ليونيل ميسي الشهير بأنه ليس قوياً دفاعياً، فهي أرقام جيدة، لكن هذا يجعلنا نسأل سؤالاً مهماً: هل عندما يقرر ليونيل ميسي أن يدافع، فهل هو مدافع جيد؟
في شهر فبراير/شباط الماضي، كتب جاك سافيي على صفحات موقع GIVEMESPORT مقالاً بعنوان "ميسي، رونالدو، مبابي: من اللاعب صاحب الإحصائيات الدفاعية الأفضل؟". ذكر سافيي في مقاله مقارنة بين أحد عشر لاعباً من أفضل لاعبي الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا، المقارنة خاصة بالمهاجمين فقط، وهي عبارة عن قسمة عدد الضغوط التي تم إكمالها على العدد الناجح من عمليات استرداد الكرة وبناء على ذلك يتم حساب الفاعلية الخاصة بكل لاعب، بناء على عدد المرات التي أدى فيها الضغط إلى استعادة الكرة بنجاح. وتم حساب تلك النسب بناء على أداء اللاعبين في الدوريات المحلية ودوري أبطال أوروبا، لك أن تتخيل أن ميسي جاء في المرتبة الثانية في الفاعلية بين الـ 11 لاعباً، فقط البولندي روبرت ليفاندوفسكي مهاجم بايرن ميونيخ الألماني، هو اللاعب الوحيد الذي يسبق ميسي فقط على مستوى الفاعلية؛ حيث إن ميسي كان سابقاً في فاعلية الضغط على لاعبين مثل كريستيانو رونالدو وكيليان إمبابي وكريم بنزيما ومحمد صلاح، رغم أن الشائع عكس ذلك، إلا أن العين الثالثة في كرة القدم لفتت انتباه الجميع لذلك، إليكم نتائج الإحصائية:
1. روبرت ليفاندوفسكي، 73 حالة استرداد، 214 ضغط، فاعلية 34.1%.
2. ليونيل ميسي، 69 حالة استرداد، 209 ضغط، فاعلية 33%.
3. نيمار 53 عملية استرداد، 159 ضغط، فاعلية 32.7%.
4. محمد صلاح، 114 عملية استرداد، 365 ضغط، فاعلية 31.2%.
5. هالاند، 63 حالة استرداد، 205 ضغط، فاعلية 30.7%.
6. كيليان مبابي، 39 حالة استرداد، 135 ضغط، فاعلية 29.9%.
7. زلاتان إبراهيموفيتش، 25 حالة استرداد، 84 ضغط، فاعلية 29.8%.
8. كريستيانو رونالدو، 34 حالة استرداد، 131 ضغط، فاعلية 26%.
9. ماركوس راشفورد، 51 حالة استرداد، 209 ضغط، فاعلية 24.4%.
10. لويس سواريز، 29 حالة استرداد، 129 ضغوط، فاعلية 22.5%.
11. كريم بنزيما، 35 شفاء، 173 ضغط، فاعلية 20.2%.
شغف متجدد
كما ذكر سافيي أن ليونيل ميسي لم يتفوق على لاعبين مثل كريستيانو رونالدو وكيليان إمبابي وكريم بنزيما ولويس سواريز وهالاند في فاعلية الضغط فقط، بل تفوق عليهم في عدد مرات الضغط التي قام بها أيضاً. لم يتمكن أحد من التفوق عليه هنا في عدد مرات الضغط غير روبرت ليفاندوفسكي بفارق 5 مرات فقط. نستنتج من ذلك أن ليونيل ميسي عندما يقرر أن يدافع، فهو يدافع أكثر وأنجح من لاعبين آخرين ينظر إليهم بأنهم أكثر دفاعية منه.في ثمانينات القرن الماضي، قال سيزار مينوتي: "على الإسبان أن يحددوا، أن يكونوا ثيراناً، أم مصارعين للثيران". كناية عن أهمية تحديد هوية كروية لهم. إما أن يلعبوا كرة قدم بدنية كالثيران، أو كرة قدم أكثر ذكاء ودهاء كمصارعي الثيران.
من مينوتي نقتبس أن ليونيل ميسي مصارع للثيران، وثور أيضاً عندما يقرر ذلك. لعب ميسي بطولة الكوبا بعدوانية وشمولية كبيرة، ربما دفعه لذلك أنها قد تكون آخر فرصة كي يكون سبباً في إسعاد شعب الأرجنتين، ويفوز باللقب الأول لهم منذ عام 1993، فوز ميسي بالكوبا أزال ضغطاً كبيراً من على عاتقه، ربما كان أكبر ضغط واجهه الأسطورة الأرجنتينية في مسيرته الكروية. فوزه باللقب ربما ينعش شغفه من جديد، ويجعله مضغوطاً بشكل أقل بكثير مما سبق، وأكثر حرية وراحة بال، ربما ينعكس ذلك على أدائه في الموسم المقبل، ينتظر البعض من ميسي موسماً أسطورياً طبقاً لأنه أكثر سعادة الآن، في انتظار ما سوف يقدمه من إبداع الموسم القادم بمشيئة الله.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.