أستاذ ليونيل ميسي مدرس مادة التنمية البشرية

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/11 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/11 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
احتفال اللاعبين بميسي بعد فوز الأرجنتين على البرازيل في نهائي كوبا أميركا/ REUTERS

تعلمنا في كرة القدم أن المنتخبات مختلفة بشكل كبير عن الفرق، ربما تقوم بتشجيع فريق إسباني، ولكن تميل لمنتخب إيطاليا، لا عيب أبداً في ذلك، ولكن إن استيقظت متفاجئاً من أن العالم بأكمله نام سعيداً ليلة أمس من غابات أستراليا وحتى ملعب الماراكانا في ريو دي جانيرو فهذا ليس فرحاً بعيد جديد اجتمع عليه العالم فجأة.

الكائنات في باطن الأرض تحت مدينة روزاريو تفاجأت مثلك تماماً، هل استقلت الأرجنتين مرة أخرى أم أن تشي جيفارا عاد بثورة جديدة؟ لكن الإجابة: فازت الأرجنتين بكوبا أمريكا!

أتخيل الأرجنتينيين سيذهبون ليحتفلوا بجوار قبر مارادونا، سيكون ذلك احتفالاً مع قدر من شعور الثأر، نم يا مارادونا فلدينا ليو. يكاد العالم ينهار، التريند يكاد ينفجر باسم الأرجنتين وليو، هل حصلت كارثة؟ لا، إنها دموع ليو ميسي التي وقعت على أرض الملعب لأول مرة فرحاً برفعه كأس كوبا أمريكا كأول لقب له مع منتخب الأرجنتين.

ليو الذي ستكتب قصته في روايات الغرام يمثل الشاب المكافح الذي ظل أعواماً يسعى ويحارب كل صعوبات الحياة في العمل لكي يصنع ذاته ويتزوج من أحب، تبتعد، تتركه مرة وأخرى، ويبدأ الجميع في فقدان الأمل ليس فقط كارهوه، بل حتى محبوه بدأوا في التبرير لفقدانه حبيبته حتى يواسوه.

"يكفيك شرف المحاولة ليو، الكأس من تتشرف بك وليس أنت من تحتاج إليها"، ولكن إذا نظرت إلى كل من قال هذا ستجده يرقص مجنوناً بعدما وقف على أطراف أظافره حتى صافرة النهاية.

حتى لاعبو الأرجنتين أنفسهم، لاعب تجده يتواجد لأول مرة في المنتخب، ولم يرَ ميسي في أرض الملعب ولم يتشارك معه اللعب ذات يومٍ قط؛ ولكن هو أرجنتيني وقبل هذا هو مشجع لكرة القدم وكل من أحب المستديرة سيحارب من أجل رؤية ابتسامة هذا الليو.

سنفوز على البرازيل في الماراكانا؟ هل تحلم؟

يمكنني تخيل أن تفوز على تشيلي في الولايات المتحدة مثلاً، ولكن حتى هذا كان صعباً ولم يتحقق. لماذا؟ لأن هنالك سيناريو كان أفضل وأكثر تاريخية من هذا.

أن تكسر العقدة وأن تعلن لأول مرة أن اللا ألبيستي فائز بالكوبا على البرازيل في أرضها وليس كتلك البطولات التي فازوا بها من قبل.

ميسي يتوج مع الأرجنتين بلقب كوبا أمريكا لأول مرة (رويترز)

هل فعلتها يا دييغو؟ أنا ميسي فعلتها ومعها لقب أفضل لاعب وهداف البطولة أيضاً.

أتخيل أنهم سيضعون صورة لميسي في النصب التذكاري للعلم الأرجنتيني في روزاريو؛ كل مواليد روزاريو في آخر ليلة سيتفاخرون بأنهم وُلدوا في الليلة التي حدثت فيها المعجزة. ستوضع لافتة كبيرة في قلب العاصمة فيها صورة ضخمة لميسي، ويكتب بجوارها عندما أنصفت الكرة صاحبها.

حكي لنا آباؤنا عن أسطورة مارادونا، قالوا: "قبل دييغو كانت الكرة تتلاعب بنا، لم نعرف أن هناك شيئاً اسمه مراوغة اللاعب بالكرة قبله"، قالوا إن العالم كله عشقه، حتى هؤلاء الذين هُزموا أمامه استمتعوا بسحره.

ولكن نحن سنحكي لأبنائنا عن معجزة أكبر؛ عن شخص جعل البرازيل تستمتع بسحره، جعل أولاد السامبا يرفعون قميصه قبل المباراة حتى أن الأحزان هناك في ريو لن تكون مثل العادة، سيشعرون ببعض من الرضا بأن تلك الخسارة كانت مميزة.

حتى مع فارق المستويات الرهيب الذي كان لصالح البرازيل، لن يحاسب المدرب غالباً، فهؤلاء لم يكونوا يلعبون كرة القدم، هذه كانت حرب للأرجنتين ضد البرازيل مجدداً؛ حرب استعد الجنود لبذل كل جهد للأرجنتين وللقائد المبجل ليونيل أندريس ميسي كوتشيتيني.

في كل النسخ الأخيرة انتشرت تلك الصور لدموعه وهو يرى حلمه يبتعد، ذلك التصريح الذي هز الكاسا روسادا في العاصمة بيونيس آيريس حتى تدخل الرئيس بنفسه ليعيده لقميص الأبيض والأزرق.

ربما ظن الجميع أنها ستظل عقدة النهائيات، فسبعة نهائيات عدد كبير ليس بالهين، ولكن هذا البرغوث حارب نفسه وحارب فريقه وحارب حتى عقدته حتى قطعها رغماً عن كل الظروف؛ ليعطي درساً لكل من تعب من الحياة، ربما تعطي الحياة لمن لا يستحق وترغمك الظروف على المحاربة، في حين أن هنالك مَن حصل على ما تبحث عنه دون جهد، ولكن لن تتساوى المتعة حينما تحصل عليها بكل هذا العزم.

وأخيراً، سنفتخر بأننا شاهدنا مسيرة ميسي منذ بدايتها، سنفتخر بكل إنجاز كما سنفتخر بكل سقطة وبكل إخفاق. منذ 2007 عندما خسر الكوبا وقالوا له إن العمر أمامك طويل لتحققها، وسنفتخر بأننا رأيناه في 2021 يحملها في نهاية مسيرته.

سنتذكر كل نهائي انتهى بنهاية مأساوية وبسيناريوهات درامية أسوأ من التي قبلها، وسنتذكر أيضاً هذه الملحمة التي فازوا بها بالدم وليس بالكرة فقط وقاتلوا قبل أن يلعبوا.

سنحكي أن الحياة لم تكن سهلة أمام ليونيل وأنه من أكثر اللاعبين المصابين بسوء الحظ، وسنحكي أنه أجمل مثال لصناعة حظك بنفسك لا انتظاره، وسنعتز دائماً بأننا شاهدنا مسيرته منذ البداية وحتى النهاية، فهذا البولغا ليس للأرجنتينيين فقط ولا للكتالونيين فقط؛ بل هو للعالم لنستمتع ونرى قدرة الخالق تعالى في إبداعه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

معاذ رمزي
كاتب محتوى رياضي
طالب مصري أدرس في كلية إدارة الأعمال - جامعة سلجوق- تركيا. معد برامج رياضية، وأكتب مقالات عن كرة القدم، ومهتم بالكتابة في الشأن الرياضي منذ 2017
تحميل المزيد