بطلب من مصر والسودان وبدعم عربي واضح من الجامعة العربية أو من تونس كممثل للمجموعة العربية في مجلس الأمن، عقد مجلس الأمن جلسة في الثامن من يوليو/تموز الجاري لمناقشة تطورات قضية سد النهضة، وسط تصريحات استباقية من مندوبي العديد من أعضائه وعلى رأسهم المندوب الفرنسي بأن المجلس لا يملك حلاً للقضية، وقد يكتفي بدعوة الأطراف للاستمرار في التفاوض، وكأن سنوات عشراً غير كافية لإثبات فشل هذه المفاوضات في حل تلك المعضلة.
الحديث الفني تحت مظلة إفريقية
رغم أهمية الجلسة المنعقدة بمجلس الأمن بخصوص السد ومحاولات مصر والسودان إدخالها على أجندة المجلس تحت البند السابع باعتباره تهديداً للأمن والسلم الدوليين حرصت إثيوبيا على تحويلها لقضية فنية بحتة في الفضاء الدولي تماماً كما فعلت في المفاوضات الممتدة لعشر سنوات سواء تحت المظلة الإفريقية أو في الأطر الثنائية والثلاثية، ونجحت في جر مصر والسودان لهذا الفخ الفني لسنوات دون أن تحرزا تقدماً فيه. اختارت إثيوبيا إرسال وزير الري والطاقة كممثل عنها في الجلسة، وبدأ تصريحاته بالقول إن مناقشة ملف سد النهضة في مجلس الأمن يمثل إهداراً للوقت، وإن مجلس الأمن هيئة سياسية تعنى بالأمن ومن غير المفيد طرح مسألة فنية عليه، كما أشار إلى أن سد النهضة ليس الأول من نوعه وخزانه أصغر بمرتين ونصف من خزان سد أسوان في مصر، وإن بلاده لا تملك مخزون مياه كبيراً ولا بديل عن سد النهضة، وإن السد سيخزن المياه بشكل يتماشى مع ما تم الاتفاق عليه مع مصر والسودان، في إشارة لكواليس اتفاق "المبادئ 2015" واتفاق واشنطن الذي لم توقع عليه إثيوبيا، وفي غطرسة إثيوبية جديدة طلب ممثلها من المجلس إعادة ملف السد إلى الاتحاد الإفريقي وأن تكون هذه آخر مرة تناقش فيها القضية.
استندت إثيوبيا في كلمتها في كافة المحافل الدولية إلى اتفاق إعلان المبادئ الذي اعتبرته الوثيقة القانونية الوحيدة المقبولة بالنسبة لها، بل استطاعت أن تفرض استخدامها على أعضاء المجلس والمجتمع الدولي بشكل أو بآخر عند الحديث عن المشكلة، وبرغم حديث وتنبيه العديد من الخبراء في مصر والسودان حول خطورة هذا الاتفاق إلا أن السلطات في البلدين وفي مصر بالذات أعطت زخماً للاتفاق باعتباره نصراً دبلوماسياً للنظام وظل مؤيدوه يكررون ما يفيد ذلك في الإعلام لسنوات عدة.
نجحت إثيوبيا لسنوات في استغلال المظلة الإفريقية للمفاوضات وذلك بفرض مبدأ: حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية. كما نجحت بإحراج مصر لعدم تبنيها هذا الطرح في ظل رئاستها للاتحاد الإفريقي، نجحت إثيوبيا أيضاً في أن تعيد القضية للاتحاد الإفريقي كلما حاولت مصر والسودان إخراجها من تلك المظلة، لأن هذه المظلة غير مجدية ولا توجد بها آليات واضحة للوساطة في مثل تلك الخلافات المائية المعقدة ولأن إثيوبيا تسيطر على مفاصل الاتحاد الإفريقي ومؤسساته واستطاعت أن تفرض رؤيتها للقضية كمشكلة فنية بحتة.
برغم التعنت الإثيوبي لسنوات وتعطيلها لكافة جولات التفاوض، إلا أنه خلال جلسة مجلس الأمن بدا واضحاً تبني العديد من دول المجلس وبالذات الولايات المتحدة والصين وروسيا لوجهة النظر الإثيوبية القائلة بحلول إفريقية للمشاكل الأفريقية وإن الاتحاد الإفريقي هو المحفل الأنسب لحل هذه القضية؛ وهو ما يعطي انطباعاً أولياً أن محاولة مصر والسودان توسيع دائرة التفاوض وإدخال مجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى في عملية التفاوض لتسريع وتيرتها أمر بعيد المنال.
الكلمات الرنانة لا تحمي الحقوق
جاءت كلمة وزير الخارجية المصري سامح شكري بلهجة تصعيدية واضحة وإن كانت طويلة بعض الشيء، لتؤكد أن سد إثيوبيا يمثل تهديداً وجودياً حقيقياً لمصر، وتعدد مراحل الإخفاق في التوصل لاتفاق بسبب التعنت الإثيوبي وتشير لحسن نية مصر ومساعيها للتعاون المشترك، وصولاً لفشل المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقي ووصولها لطريق مسدود، وتهرب إثيوبيا من أي اتفاق ملزم يراعي مخاوف مصر والسودان، ومن ثم مطالبة مجلس الأمن بمطالبة الأطراف للعمل على الوصول إلى اتفاق منصف، وفي إطار زمني محدد، وتشجيعها على العمل الصادق ودون مواربة لتحقيق هذا الهدف المنشود. ولوح أنه إذا تضررت حقوق مصر المائية أو تعرض بقاؤها للخطر فلا يوجد أمام مصر بديل إلا أن تحمي وتصون حقها الأصيل في الحياة وفق ما تضمنه لها القوانين والأعراف السائدة بين الأمم ومقتضيات البقاء، وطالب مجلس الأمن بتبني مشروع القرار الخاص بمسألة سد النهضة الإثيوبي الذي تقدمت به تونس "وتعجب البعض أنه أصر على الحديث باللغة الإنجليزية مع أن كل المتحدثين الآخرين استخدموا لغاتهم الوطنية، ومع توافر الترجمة باللغة العربية، كما أن السيدة مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية السودانية كانت موفقة في كلمتها التي استغرقت وقتاً أقل، وتحدثت بلغة عربية سليمة، لاحقاً نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية ترجمة لكلمة الوزير بالعربية تضمنت توصيفاً للنهر بأنه نهر عابر للحدود؛ وهو ما يحذر منه خبراء قانونيون وتستخدمه إثيوبيا لإضفاء صفة سيادتها على النهر بدلاً من توصيفه نهراً دولياً.
وكانت كلمة وزيرة خارجية السودان أكثر دقة وقوة بحيث وضحت بدقة خطورة السد على السودان، وذكرت كيف أضرت الإجراءات الأحادية لإثيوبيا ببعض سكان السودان جراء الملء الأول، ومن ثم أكدت على أهمية الاتفاق القانوني الملزم على الملء والتشغيل قبل الشروع في الملء الثاني وذلك لتجنب الأضرار التي يمكن أن يسببها ذلك الملء على السكان والسدود السودانية وقطاع الزراعة والمشروعات المرتبطة به، مطالبة مجلس الأمن بالاطلاع بدور وقائي بدعوة الأطراف إلى استئناف التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي مع اضطلاع المراقبين والوسطاء الدوليين بأدوار تيسير ووساطة تساعد الأطراف على التوصل لاتفاق، وذلك وفق إطار زمني محدد، دعوة إثيوبيا لعدم اتخاذ خطوات أُحادية دون اتفاق تعمل على تهديد ملايين السكان خلف سد النهضة.
رغم الكلمات الرنانة لوزيري خارجية مصر والسودان، فإن خطاب الدول الأعضاء في المجلس كان من الواضح جداً فيه أن توجه الغالبية العظمى من أعضاء المجلس بخصوص القضية، يستند إلى "إعلان المبادئ" وأشاروا إليه باعتباره الأرضية القانونية التي يجب على الأطراف التفاوض بناء عليه، وهذا الاتفاق هو الذي أعطى إثيوبيا الحق في بناء السد، بل إحالة جدول الملء إلى الاتفاق وعدم الحديث عن أية اتفاقات سابقة عليه.
مواقف متباينة عنوانها الخذلان
استبق المندوب الفرنسي لدى مجلس الأمن ورئيس الدورة الحالية له، نيكولاس دي ريفيير، الاجتماع الذي طالبت به مصر والسودان، بالقول "إن سد النهضة قضية بين إثيوبيا والسودان ومصر، ويجب استئناف المحادثات بينهم، وما يمكننا القيام به هو دعوة البلدان الثلاثة للعودة إلى طاولة المفاوضات، لا أعتقد أن المجلس لديه الخبرة لتحديد كمية المياه التي يجب حصول كل دولة عليها، هذا الأمر يخرج عن نطاق مجلس الأمن وقدرته"، وهو الأمر الذي أثار الجدل حول قدرة المجلس على تقديم جديد في هذا الملف في ظل عجزه عن حل أي من القضايا العالقة المعروضة عليه سواء فيما يتعلق بالمسألة السورية أو الليبية أو اليمنية طوال عقد من الزمن.
بمراجعة مواقف الدول الخمس دائمي العضوية نجد أنه حتى الحلفاء لم يناصرو الموقف المصري السوداني ولم يقفوا على الحياد، على عكس ما صدره النظام في مصر خلال سنوات من استراتيجية العلاقات مع كل من فرنسا وروسيا والصين والنصر المبين الذي حققه بصفقات السلاح المليارية من هذه الدول باعتبارها تنويعاً لمصادر السلاح وتحديثاً شاملاً للجيش وأسلحته والذهاب به بعيداً عن الهيمنة الأمريكية على مصادر تسلحه، فإن كل ما تفتقت عنه قريحة الحليف الروسي هو إدانة أية تصرفات أحادية وأن تخص إدانات التهديد باستخدام القوة بالذكر في تحذير واضح وصريح لكل من مصر والسودان من هذا السيناريو، حيث قال المندوب الروسي لدى مجلس الأمن، فاسيلي نيبنزيا، إن بلاده تعترف بأهمية مشروع سد النهضة لإثيوبيا، موضحاً أنه يقدر مخاوف مصر والسودان من تبعات تشغيل سد النهضة دون اتفاق وأنه يجب التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة من وحي اتفاق الخرطوم، موضحاً أنهم قلقون من الخطابات التهديدية بين أطراف أزمة سد النهضة، داعياً للتفاوض، وفي تبني للطرح الإثيوبي تماماً ترى روسيا أن رفع عدد الوسطاء في أزمة السد غير فعال.
وفيما يبدو أن الموقف الفرنسي حاول تدارك موجة الغضب التي صاحبت تصريحات مندوبه قبل انعقاد الجلسة بأيام، فإن كلمة مندوبها اكتفت بدعوة بلدان المنطقة لإثبات إرادتها السياسية لحل النزاعات من خلال الحوار بدعم من الاتحاد الإفريقي، باعتبار الحل الوحيد يكمن في الحوار بين الأطراف وتفادي أي تدابير قد تعرقل المفاوضات، وتشجيع الأمم المتحدة على مواصلة توفير خبرتها لهذه العملية، وحث الأطراف الثلاثة على اضطلاع المراقبين في المفاوضات بدور نشط أكثر. ودعوة مصر وإثيوبيا والسودان لتحمل مسؤولياتها وتقديم تنازلات والتوصل إلى التعاون من أجل حل المسائل العالقة.
ولم تخرج كلمة مندوبة المملكة المتحدة عن هذا المعنى، مشيرة إلى أن عدداً من العناصر الأساسية الضرورية للتوصل إلى التوافق حول سد النهضة الإثيوبي الكبير وراد بإعلان المبادئ لعام 2015 وبشكل خاص مبادئ عدم التسبب بأي ضرر كبير، ومبدأ الاستخدام المنطقي والمتساوي. ومنذ اعتماد إعلان المبادئ واصلت الأطراف الثلاثة مباحثاتها للتوصل لاتفاق ثلاثي مفصل حول ملء وتشغيل السد، مع التركيز على الإحالة للاتحاد الإفريقي وتثمين جهوده، ودعوة الأطراف لتقديم تنازلات.
ويرى مندوب الصين أنه من خلال الجهود المشتركة يمكن استكمال السد وأن يكون مشروعاً تنموياً يعزز الثقة المتبادلة والتعاون، وتولي الصين أهمية قصوى لمسألة السد وتقدر عالياً أنه في 2015 وقعت الدول الثلاث على إعلان للمبادئ حول السد من خلال مفاوضات وعقدت مجموعة من جولات المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقي وبذل الاتحاد الإفريقي جهوداً كثيرة لتيسير المفاوضات الثلاثية، وتقدر الصين الدور الأساسي الذي يضطلع به رؤساء الاتحاد الإفريقي.
وإذا كان مفهوماً أن الصين وروسيا لديهما استثمارات كبيرة في إثيوبيا وأن علاقاتهما معها تقع في إطار التنافس مع الولايات المتحدة على قيادة النظام الدولي فإن أياً منهما لا تملك علاقات استراتيجية مع إثيوبيا أكبر من تلك التي تملكانها مع مصر، كما أن الدولتين بدتا أكثر توجهاً نحو استعمال القوة في توسيع وتثبيت نفوذهما في الشرق الأوسط وإفريقيا بشكل كبير؛ فروسيا متورطة في تثبيت نظام بشار الأسد بالاستخدام العسكري المباشر للقوة منذ عدة سنوات، كما أنها تدخلت عسكرياً في ليبيا عبر شركاتها الأمنية والاستخباراتية، كذلك فالصين أنشأت أول قاعدة لها في الخارج في القرن الإفريقي وكذلك في جيبوتي بدعوى تأمين التجارة الدولية، فكيف للدولتين أن تحذرا مصر والسودان من الحفاظ على بقائهما عبر التهديد باستخدام القوة؟ الإجابة الوحيدة المقبولة على هذا السؤال تكمن في أن الدولتين تتحكمان في العديد من الأنهار العابرة لحدودهما ولا تريدان أية سابقة دولية يمكن الاستناد إليه في المستقبل لتقاسم المياه أو إدارة الأنهار الدولية سوى الاتفاقات الثنائية ولا تريدان دوراً للمنظومة الأممية في الوقت الحالي في هذه المسألة سوى المحافظة على الوضع القائم.
إذاً نحن أمام معضلة كبرى للموقف المصري السوداني الذي لم تع فرق التفاوض الخاصة بهما حجم تشابك مصالح الدولتين في إفريقيا وتعقد موقفهما بشأن الأنهار وفي نفس الوقت كانتا تصدران موقفاً للداخل بأن الجميع يدعم حقوقهما بفضل الجهود الدبلوماسية غير العادية؛ وفي هذا تضليل للرأي العام في البلدين في ملف مصيري كهذا.
وإذا كان النظامان في مصر والسودان يعتبران الولايات المتحدة حليفاً جيداً في هذه القضية فإن موقفها كان غامضاً؛ إذ صرحت مندوبتها أن "مصر والسودان لديهما شواهد إزاء الأمن المائي والسلامة بتشغيل النهر وهو أمر يمكن أن يتصالح مع احتياجات إثيوبيا التنموية ويبدأ هذا باستئناف مفاوضات حقيقية. ولابد أن تنعقد هذه المفاوضات تحت قيادة الاتحاد الإفريقي ولا بد أن تبدأ على نحو عاجل وعلى هذه العملية أن تستخدم إعلان المبادئ والذي وقعت عليه الأطراف الثلاثة في 2015 وبيان 2020 لمكتب الاتحاد الإفريقي كأساس يستند إليه ونحن نؤمن أن الاتحاد الإفريقي هو المحفل الأمثل لمعالجة هذه المسألة".
مواقف دول المجلس غير الدائمة
قبل انعقاد الجلسة بيوم واحد قدمت تونس للأعضاء الـ14 الآخرين في مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يطالب أديس أبابا بالتوقف عن ملء خزان سد النهضة، وينص مشروع القرار على أن مجلس الأمن يطالب "مصر وإثيوبيا والسودان باستئناف مفاوضاتها بناء على طلب كل من رئيس الاتحاد الإفريقي والأمين العام للأمم المتحدة، للتوصل في غضون ستة أشهر، إلى نص اتفاقية ملزمة لملء السدّ وإدارته".
ووفقاً لمشروع القرار فإن هذه الاتفاقية الملزمة يجب أن "تضمن قدرة إثيوبيا على إنتاج الطاقة الكهرمائية من سد النهضة وفي الوقت نفسه تحول دون إلحاق أضرار كبيرة بالأمن المائي لدولتي المصب (مصر والسودان)"، كما يدعو مجلس الأمن في مشروع القرار "الدول الثلاث إلى الامتناع عن أي إعلان أو إجراء من المحتمل أن يعرض عملية التفاوض للخطر"، ويحض إثيوبيا على "الامتناع عن الاستمرار من جانب واحد في ملء خزان سد النهضة، يعبر مشروع القرار عن خلاصة الموقف العربي الداعم لموقفي مصر والسودان والذي تمت بلورته في اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدوحة الشهر الماضي.
بخلاف الدول دائمة العضوية كان لمندوبي الهند وفيتنام مواقف أقرب إلى دعم الموقف المصري السوداني؛ إذ أكدا على أهمية الاستخدام المنصف للموارد المائية الأساسية لتأمين السلام والأمن والتنمية الاقتصادية، ومن ثم تشعر بلادهما بالقلق إزاء الاستخدام للموارد المائية العابرة للحدود بشكل لا يكفل الحق المشروع للدول المشاطئة، ولا سيما دول المصب، كما أن الآثار السلبية لهذا الاتجاه تضاعف منها آثار تغير المناخ، وهو يمثل تحديات هائلة على الأمن والسلم والتنمية بمناطق عدة، استخدام المجاري المائية الدولية لا بد أن يتم اتساقاً مع القانون الدولي، والتزامات الدول المعنية، على أساس مواءمة مصالح الدول المشاطئة لضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية المشتركة، وشدد على أهمية تعزيز زيادة تطوير القانون الدولي فيما يتعلق بالاستخدام المستدام للمجاري المائية العابرة للحدود، بما في ذلك تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بقانون استخدامات المجاري المائية الدولية.
فيما كانت أيرلندا أقرب للمملكة المتحدة؛ فهي ترى المفاوضات بقيادة الاتحاد الإفريقي تبقى المنتج الأفضل لإيجاد تسوية شاملة بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير وتشجع الاتحاد الإفريقي على مواصلة البناء والاستفادة من القدرات الفنية والدعم السياسي المتاح للاضطلاع بهذا الدور التيسيري المعقد وأيرلندا تدعم بالكامل جهود الاتحاد الإفريقي ومراقبي العملية للجمع بين الأطراف، توصلاً إلى تسوية تفاوضية باعتبارها الحل الوحيد لهذه المعضلة، باعتبار أن الدول الثلاث في إعلان المبادئ 2015 حول السد التزمت التعاون وتحقيق الاستخدام المعقول والعادل والآمن والتوصل إلى تسوية سلمية للنزاعات والخلافات.
كان موقف المكسيك أيضاً أقرب للموقف الإثيوبي؛ إذ أشار إلى الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية بوضوح وإلى النهر باعتباره نهراً عابراً للحدود يمكن لبلاده أن تقدم خبراتها في أحواض الأنهار التي تديرها مع جوارها باتفاقات مماثلة، باعتبار أنه لدى المكسيك تاريخ طويل في الإدارة المشتركة للمجاري المائية العابرة للحدود، وهو التوصيف الأمثل الذي تستخدمه إثيوبيا لوصف النهر.
وتمسكت كل من كينيا والنيجر بموقف أقرب إلى الموقف الإثيوبي القائل بضرورة معالجة المسألة تحت المظلة الإفريقية وبالاستعانة بتجارب إفريقية في إدارة أحواض أنهار مثل نهر النيجر، فيما كانت كينيا تتبنى موقفاً إثيوبياً صريحاً يعيد التذكرة بمبادرة حوض النيل ومهاجمة تناول المجلس لهذه المسألة باعتبار أعضائه لا يعرفون ما يجري هناك.
سيناريوهات ما بعد مجلس الأمن
تبدو الخيارات المصرية السودانية بعد هذه الجلسة أكثر محدودية مما قبلها، فهاهو المجلس يعلنها بوضوح أنه يفضل حل المشكلات الإفريقية في الإطار الإفريقي وتستند كلمات معظم دوله إلى اتفاق المبادئ كما لو كان الاتفاق الوحيد المنظم لمياه النيل، وهذا يبدو انتصاراً لوجهة النظر الإثيوبية، لكن هذا التوجه وإن كان يعبر عن خيبة أمل مصرية سودانية في أحد جوانبه فإنه قد يدفع بتسريع التوجه للخيارات الأخرى لحل الأزمة.
خيار الضربة العسكرية
كان اللجوء للمجلس يعد إحدى الخطوات الهامة في استنفاد الوسائل السلمية لحل الأزمة، ومن ثم يمثل جس نبض للمجتمع الدولي وردود أفعاله ومحاولة لشرعنة اللجوء للحق في استخدام القوة بشكل أو بآخر في الحفاظ على حقوقهما؛ إذ لا يمكن انتظار حدوث الضرر المؤكد للسد على الدولتين بينما تنهمك أنظمتهما في مفاوضات إلى ما لا نهاية، عبرت التصريحات الرسمية المصرية عن هذا الاتجاه قبيل انعقاد جلسة المجلس بأيام أثناء افتتاح قاعدة 3 يوليو/تموز البحرية في أقصى الشمال الغربي لمصر، واحتفاء الإعلام المصري بهذه التصريحات سواء للرئيس أو المتحدث العسكري أو وزير الدفاع، يعزز هذا الوضع الحالي للخصم الإثيوبي الذي لم يزل تحت وطأة هزيمة جيشه في إقليم تيغراي، لكنه يقول إن انسحاب الجيش من الإقليم ووقف الحرب من طرف واحد هو لحشد القوات لحماية السد.
خيار الاستمرار في التفاوض بسقف زمني
إن الطرح المصري السوداني العربي المتمثل في المقترح التونسي يشير إلى الاستعداد للعودة للمفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقي مع توسيع دور الأمم المتحدة كضامن للتوصل لاتفاق ملزم خلال فترة زمنية محددة هي الفترة التي حددها المقترح التونسي بستة أشهر تمتنع فيها إثيوبيا عن الاستمرار في الملء الثاني كفعل أحادي مرفوض، كما تمتنع فيها مصر والسودان عن أي فعل أحادي ضد إثيوبيا، يبقى هذا الاحتمال رهين عرض مشروع القرار على المجلس وجدولته للتصويت عليه وتوافق الأعضاء حول بنوده؛ وهو غير مرجح مما بدا من كلمات ومواقف الأعضاء في جلسة الخميس التي تناولت الموضوع والتي بدا فيها أغلبية الأعضاء مؤيدين للموقف الإثيوبي أو محايدين أو مستخدمين لنفس التوصيفات الإثيوبية للمشكلة ومستندين لاتفاق المبادئ كأساس وحيد لحل المنازعات بين الدول الثلاث بشأن السد، وفي حال فشل إصدار هذا القرار فإننا نكون أمام أحد البديلين المتاحين أمام المجلس وهما إصدار بيان صحفي أو التصريح الرئاسي بشأن الموضوع، وكلها أمور لا ينتج عنها أكثر من توصيات بضرورة الاستمرار في الطرق السلمية لحل النزاع تحت المظلة الإفريقية بمساعدة دولية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.