هل انكسرت الجرة بين السعودية والإمارات؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/08 الساعة 07:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/08 الساعة 08:01 بتوقيت غرينتش
iStock

انفجر الصراع السعودي-الإماراتي وغابت لغة الأخوة والتحالف من الخطاب الرسمي للجارتين الخليجيتين، ففي الشكل فإن الخلاف كان على خلفية كميات إنتاج النفط، فيما المضمون فهو أن الدولتين باتتا تصطدمان في ملفات استراتيجية في المنطقة.

هذا الصراع الذي سيتمدد في الأيام القادمة حتى ولو شهدت الساعات القادمة وساطات لتذويب الجليد بين الدولتين، إلا أن الحقيقة تقول إن الخلافات ستجد لها مكاناً المرحلة القادمة وبشكل كبير وسيتمظهر إعلامياً وسياسياً واقتصادياً.

وبالعودة للخلاف الأخير، فإن السبب العلني للخلاف هو أن أبوظبي تود زيادة إنتاجها النفطي نحو 3.8 مليون برميل يومياً بدلاً من 3.1 مليون؛ لأنها وظفت استثمارات ضخمة في حقولها وشركاتها وتبحث عن مردود لهذه الاستثمارات، وخاصة أن الإمارات خسرت مشروع "إكسبو 2020" نتيجة تفشي فيروس كورونا، وما سببه من ضرب لاقتصادات الدول، لكن المملكة ومعها دول في تحالف "أوبك بلاس" رفضت المطلب الإماراتي، ما جعل الخلافات الدفينة بين الجانبين تظهر للعلن.

وبالتوازي في الوقت الذي تحاول فيه السعودية تقليص اعتماد اقتصادها على النفط، فإنها تتنافس مع الإمارات على رؤوس الأموال والخبرات الأجنبية، غير أن اقتصاديين يقولون إن الأمر سيستغرق وقتاً للتحول إلى ند حقيقي لمركز الأعمال والتجارة والسياحة في المنطقة.

اقتصادياً لم تخفِ السعودية مع قائدها الجديد طموحاتها الكبيرة على صعيد جذب الاستثمارات الخارجية والاستثمار بمجالات جديدة، وبأرقام مالية تعيد العديد من الدول لأحجامها الصغيرة. وهذا الشيء جعل الإمارات قلقة من انحسار نجاح دورها الاقتصادي الذي بطبيعة الحال سيؤثر على دورها الإقليمي والنظرة إليها بعد 10 سنوات من لعب أدوار في شتى الدول المحيطة.

التنافس الاقتصادي وحرب الشركات

بدأت معالم الصراع بين الجارتين الخليجيتين بشكل علني عندما بدأت الرياض بالضغط على أبوظبي عندما قررت منع المسافرين القادمين من دولة الإمارات من دخول المملكة بحجة انتشار جائحة الكورونا في الإمارات، وهذا الإجراء تزامن مع قرار الحكومة السعودية عدم السماح بإعطاء مشاريع وعقود للشركات الأجنبية التي لا تقيم لها مكاتب إقليمية في المملكة، الأمر الذي سينعكس على دبي والتي بنت إمبراطورية الشركات العالمية في العقد الأخير، لأن الشركات تفضل في النهاية الدول ذات الحجم الكبير والكثافة السكانية، وفي حال انتقال الشركات العالمية يعني في المحصلة أن عشرات الآلاف من موظفي وعائلات تلك الشركات ستنتقل للمملكة، الأمر الذي سيؤثر على مصدر الدخل في الدولة الإماراتية.

فيما تجارياً أعلنت السعودية منذ أيام عن  تعديل قواعد الاستيراد من دول الخليج، في إجراء تعتبر الإمارات المتضرر الأكبر منه، ونظراً له أنه تصعيد خطير في الخلاف بين الدولتين، حيث يتضمن القرار السعودي استبعاد فئات عدة من السلع من اتفاق الإعفاء الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي، وأغلب فئات هذه السلع مركزة في الإمارات.

أين يختلف السعوديون والإماراتيون في المنطقة؟

في الجانب السياسي الإقليمي، يجب العودة لمجموعة اعتبارات لا يمكن فصلها عن مسار التباينات بين الجانبين:

أولاً: في اليمن، كانت الإمارات خلال الحرب اليمنية تؤيد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح قبل اغتياله، كما ساهمت أبوظبي بخسارة التحالف لمدينة تعز خوفاً من سيطرة حزب الإصلاح الإخواني، كما دعمت الإمارات المجموعة الانفصالية الجنوبية والذي يعيد خطاب تقسيم اليمن، كما أن أبوظبي كانت تسعى للسيطرة عسكرياً على سقطرى وبعض الجزر اليمنية المشرفة على مضيق باب المندب، كما أن أبوظبي عقدت اتفاقات سرية مع الحوثيين، الأمر الذي جعلها بعيدة عن استهداف الحوثيين لمناطق ومدن إماراتية.

ثانياً: في الملف القطري، بعد قرار مصالحة قطر وفك الحصار المفروض عليها، لم تكن أبوظبي موافقة على الخيار السعودي والاندفاعة لمصالحة الدوحة، فالإمارات لا تزال تعتقد أن الدوحة لا تقيم لها اعتباراً حقيقياً، وهذا ما يترجم إعلامياً، كما تعتبر أن المصالحة كانت دون تحصيل أي من المطالب التي أعلنت من قبل مجموعة الحصار، فيما السعودية باتت أكثر حاجة لدور الدوحة لإقامة علاقات متميزة مع الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة، بحكم تميز علاقات الدوحة مع أي حكم ديمقراطي أمريكي.

ثالثاً: العلاقة مع إسرائيل، تعتقد الرياض أن أبوظبي تبالغ في اندفاعتها للعلاقة مع إسرائيل، وتخشى الرياض من أن تتحول الإمارات إلى قاعدة أمنية وسياسية واقتصادية لإسرائيل في الخليج العربي على حساب الأمن القومي الخليجي، لذا فإن السعوديين كانوا قد أبلغوا الإماراتيين أن هذه الاندفاعة لم تؤد لتحقيق أي مؤشر للسلام، لا بل إن إسرائيل مستمرة في سياسة بناء المستوطنات والتهجير، لذا فإن الرياض تعيد تواصلها مع حركة حماس وسلطة رام الله.

رابعاً: ترتيب العلاقة مع الأتراك، منذ سنة تسعى السعودية وتركيا لإعادة ترتيب العلاقة بينهما بعد ترشق إعلامي حول ملفات عديدة في المنطقة أبرزها ملف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي خريف العام 2018 والتداعيات السلبية التي شهدتها العلاقة بين الجانبين، لذا فإن أبوظبي تحدثت بجدية مع الرياض منذ فترة عن أن هذا التقارب سيؤثر على الاستثمار الإماراتي بالحرب على جماعات الإسلام السياسي والذي تمثل أنقرة أحد أهم داعميه.

خامساً: اللعب في الميدان اللبناني، تعتقد الرياض أن أبوظبي تحاول وراثة دورها في الساحة اللبنانية عبر مجموعة عوامل ومتناقضات عبر تمويل شخصيات ومنصات ومجموعات تتهم بإثارة الفوضى، وأبلغت السعودية كل من يعنيهم الأمر أنها تضع فيتو على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وأنها غير حاضرة للاستثمار به في مكان أو آخر بعد سلسلة الإخفاقات التي مني بها، إلا أن أبوظبي سارعت لتبني الحريري وباتت الإمارات مكاناً جديداً لحضور الحريري العربي ويحظى بدعمها، الأمر الذي استفز السعوديين بشكل كبير، وخاصة أن ولي العهد السعودي أبلغ نظيره الإماراتي رفضه إعادة فتح الأبواب لسعد الحريري.

سادساً: المفاوضات مع طهران، الحوار السعودي الإيراني في بغداد ومن ثم في مسقط وعلى الرغم من أن أبوظبي كانت تشارك به مع الأردن ومصر فإنها أسرت للبعض القول إنها تخشى من تطور هذا المسار والذي سيؤثر في نهاية المطاف على تفاهماتها مع إيران في حال وجدت الأخيرة من المملكة شريكاً خليجياً عوضاً عنها.

وعليه، فإن الأسئلة المطروحة اليوم في المنطقة تقود لمجموعة من التساؤلات عن مصير علاقة الجانبين في المراحل القادمة، وخاصة أن أبوظبي بدأت ترى بنفسها منافساً إقليمياً مهماً يرتبط بعلاقات وثيقة مع شريكه الإسرائيلي واستثمار سياسي كبير في العديد من الدول، ويبقى السؤال الأهم عن قرار السعودية وعلاقتها مع أبوظبي وسحب البساط الذي حاولت بسطه في المساحة التي أفرغتها المملكة منذ سنوات.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد