حينما كان إيدواردو بايز، عمدة ريو دي جانيرو، يتحدث عن الأرجنتين عام 2013، لم يكن يعرف ما ينتظره حقاً؛ العمدة الذي أقر عهداً على نفسه بأنه سيقتل نفسه إن فعلتها الأرجنتين واستطاعت أن تحقق كأس العالم في أرض البرازيل.
ليليا فيانا، كانت تعتقد أن الأرجنتين من سابع المستحيلات أن تحقق اللقب في أرض البرازيل، وجابرييل تيدي، من ساوباولو، أقسم على أنه لن يشاهد كرة القدم ثانية إن فعلتها الأرجنتين.
بعد عام واحد، كان يوم ثلاثاء، يومٌ عاديّ، والناس يستعدون للمباراة، من سيذهب للملعب على قدميه، ومن سيذهب إليه بعينيه خلف التلفاز.
أكوستا فيرنانديز كان هناك، وكان حزيناً جداً في المينيراو، بكى حتى زاد البكاء قلبه وهناً، ولو كان مسموحاً له لقفز إلى أرض الملعب، وطلب من لاعبي ألمانيا أن يرحموا شعبه وقلبه، وأن يتركوا البرازيل وشأنها.
وأكوستا، هو العجوز الذي كان دائماً ما يحتضن كأس العالم منذ وُلد، والمرة الوحيدة التي خسرها كانت في وطنه، في البرازيل.
أكوستا برازيلي جداً، والبرازيلي لا يحب أن يرى البرازيل تُذل، لأنه لم يعهدها هكذا، وتحديداً هذا ما حدث في الثامن من يوليو/تموز عام 2014. كان أكوستا في المدرجات، وابتسامته حاضرة، والكأس المجسم لم ينس أن يحضره معه بطبيعة الحال، لكن للمرة الأولى لم يعد إلى البيت معه. رأى أكوستا عباءة البرازيل تسقط، رأى الألمان يسجلون أربعة أهداف في أقل من 9 دقائق، ماذا يفعل؟ ولماذا لم ترأف ألمانيا بحاله؟ لماذا سجلت سبعة أهداف كاملة إذا كان واحدٌ يكفيها لتصل إلى ما تريد الوصول إليه؟
ربما استشاطت ألمانيا بهذه الطريقة لذكريات يوكوهاما، وما حدث عام 2002، أو لأن الحياة لا ترحم الضعف، والألمان لا يحبون أن يروا مستضعفاً دون أن يلقنوه درساً صعب الفهم، لما أطلق ماركو رودريجيز، الحكم المكسيكي، صافرته، كان أكوستا قد وُضع في خانة اليك، لأنه في نفس التوقيت تقريباً كان هنالك ما يزيد عن مئة ألف أرجنتيني في طريقهم للماراكانا، أيُشجع أكوستا الذين أذلوه أم ألد الأعداء خصاماً؟ اختار أقل الضررين؛ فأقرض مشجعاً ألمانياً كأسه المجسم ورحل للمرة الأولى، والكأس طليقته، لم يعد يربطهما شيء بعد الآن.
أمطرت السماء بغزارة، كأنها تُبرد قلب أكوستا، لكن الغريب والذي لم يفهمه أكوستا أن الشمس لم تشرق منذ تلك الليلة، لم تشرق أبداً؛ لأنه رحل بعد عام واحد، وكان آخر ما ذاقه مع البرازيل مُراً، وما شعر به كسراً، وقصة حبه مع البرازيل انتهت بفراق لم يكن متوقعاً، ولا حتى يليق بقصة حب دامت لستين سنة.
في الشوارع، وقتما وصل الأرجنتينيون لم تعد أرض البرازيل ملكاً لأهلها، بل باتت ساحة حرب عالمية مصغرة بين الألمان الذين يحتفلون بإذلال البرازيل، والأرجنتينيين الذين يسخرون من البرازيل لإذلال ألمانيا لها، والبرازيليين الذين ضاقت عليهم أرضهم بما رحبت.
وفي الماراكانا، في النهائي، قَبّل جوتزة البرازيل قُبلة دافئة لن تنساها ما حيت، وطعن الأرجنتين طعنة باردة، ما زال نزيفها يشتعل، كلما وصلت الأرجنتين إلى نهاية طريق.
بعد ثلاثة أعوام، قالوا إن نيمار لا بد أن يرحل، فالبرازيلي لم يَعتد أن يكون في الظِّل، ما بالك إن كان الظل أرجنتينياً؟
قالوا إن نيمار كان عليه أن يختار بين أن يكون خادماً في الجنة، أو حاكماً للجحيم، واختار الثانية بالفعل، ورحل. متى بدأ كل هذا النزاع؟ لا أحد يعرف بالضبط، غالباً هو صراع تاريخي، أو الخلاف على أفضلية بيليه ومارادونا، أو ميسي ونيمار، أو أي شيء يقترن بالغريمين.
لذا، إذا لم يرفع نيمار اللقب فليرفعه أي شخص آخر إلا ميسي، هذا إن تقابلا في النهائي، وإن لم يتقابلا فإن خروج نيمار يعني بالضرورة خروج ميسي، لا بد أن يقف له رجل ويمنعه بأي وسيلة، من أن يقف على منصة التتويج في أرض البرازيل.
لأنه يمكن للأرجنتين أن تحقق أي لقب إلا في أرض البرازيل، لا كأس عالم، ولا حتى كوبا أميركا، وبالمبدأ الذي وضعته البرازيل وطُبق لأول مرة في 2014: فإن البرازيل إذا خسرت لقباً على أرضها وبين جماهيرها، والأرجنتين لم تفز به؛ فإن البرازيل لم تخسر أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.