العنصرية ليست فكراً ولا موقفاً سياسياً، بل هي مرض قبل أي شيء. مرض يختزن بداخله انعدام الأخلاق وجل المشاعر المضرّة بالإنسانية. العنصرية ليست مرضاً يقتصر ضرره على صاحبه فحسب، بل هو مرض معدٍ، قادر على الانتشار بسرعة فائقة، ومفسد للانسجام بين عناصر البشرية، لذا يجب الحذر منه بشدة.
عندما نتحدث عن هذا المرض، كأتراك مسلمين، يمكن القول بشكل عام إن لدينا مناعة جيدة للغاية تتطلب منا الشكر. ذلك بفضل قيم الإسلام التي تعتبر علاجاً فعالاً يداوي أرواح الناس ويوفر حماية حقيقية من العنصرية. لكن تبقى حماية محدودة بكل حال نظراً لمستوى تبنّي القيم الإسلامية.
للأسف وجد هذا المرض الخطير فرصة للتغلغل في جزء من مجتمعنا بشكل غير قابل للشفاء، وللأسف كذلك فإن ما يغذيه وينميه بشكل خطير هو أن بعض السياسيين ينظرون له كفرصة ومجال لتحقيق مكاسب سياسية.
وكمثال بسيط على ذلك، ما ساقه حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، من أكاذيب حول العلاقة بين تركيا وقطر.
بينما من المفترض على حزب الشعب الجمهوري كحزب ديمقراطي واجتماعي أن يقوم بدوره المطلوب من حيث الوقوف بشدة ضد العنصرية وكراهية المهاجرين والأجانب، إلا أن كمال كليجدار أوغلو رئيس الحزب، حوّل الحزب لصوت منافس في العنصرية.
ومع ذلك، فهناك مرض آخر داخل العنصرية ذاتها، يكمن في رؤية العنصريّ نفسه متفوقاً على البعض دون البعض، وبعبارة أخرى؛ على الرغم من أن العنصريين يرون أنفسهم متفوقين على بعض الأعراق، إلا أنهم يرون أنفسهم دون بعض الأعراق الأخرى كذلك.
وعلى سبيل المثال، العنصرية التي ظهرت إزاء قطر، لم تظهر إزاء العرق الهولندي أو الألماني أو الإنجليزي أو الإيطالي أو الفرنسي.
الاقتصاد التركي مثله مثل بقية اقتصادات العالم المفتوحة، ولذلك يجب النظر إلى رؤوس الأموال الأجنبية الوافدة على أنها مؤشر على قوة الاقتصاد. ومع ذلك فإن "قطر" بالنسبة للمعارضة مستثناة من ذلك. مما شكل نظرة تتعامل مع رأس المال القطري بكراهية تستثنيه من باقي الأموال الأجنبية.
ويبقى الوجه الآخر لتلك القضية هو أن كليجدار أوغلو وأولئك الذين وقعوا في فخ هذا النوع من الخطابات العنصرية، يعتبرون أنفسهم أدنى من بعض الأعراق الأخرى.
تدويل الجامعات التركية
سبب فتح هذا الموضوع الآن هو قضية تدويل الجامعات التركية، وأهمية عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الجامعات التركية كمؤشر على ذلك.
ولقد أظهرت الطريقة التي تناول بها موقع إخباري محسوب على اليسار المعارض لكلامي في هذا الخصوص؛ إلى أي مدى هم فيه منهزمون. استثمروا فقرة، قلت فيها "أشعر بالفخر بشكل كبير بوجود 10 آلاف طالب أجنبي من 90 دولة يدرسون في جامعة كارابوك، ومن 3 آلاف طالب من 35 دولة يدرسون في جامعة سيرت"، لإيقاظ وحش العنصرية عند متابعيهم، لتنهال تعليقات انتقيت لكم منها ما يلي:
"لو أنه ذكر أسماء بلدان أولئك الطلاب: 10 آلاف طالب من فنلندا، و999 من سويسرا، و998 من اليابان، و997 من الدنمارك، و996 من ألمانيا".
"هل يوجد بين هؤلاء الطلاب طلاب من بريطانيا أو سويسرا، أو على سبيل المثال كم عدد الطلاب النرويجيين الذين يدرسون إذا وجدوا، هل يوجد طلاب من السويد أو ألمانيا أو الولايات المتحدة أو إيطاليا أو إسبانيا أو اليابان؟ إذا كان موجوداً فأنا أعتبر ذلك نجاحاً بحق".
هذا الفهم العنصري الذي يعتبر نفسه عرقاً أفضل من السوريين والصوماليين والأفارقة واللبنانيين والقيرغيزيين والتركمان، لكنه في الوقت ذاته يعتبر نفسه عرقاً بطبيعة الحالي أدنى ممن ذكرهم من السويسريين والألمان والدنمارك والسويد، أو في أحسن الأحوال؛ يعتبر بعض الأعراق أفضل من غيرها. والغريب أنهم يتبنون هذا الفهم العنصري بكل سهولة دون مساءلة ذاتية.
بل ربما يكون هناك عنصريون في تلك البلدان المعجبين بها يتحدثون باللغة ذاتها عن الأتراك الذين يدرسون هناك. حينما كنت أدرس في المرحلة الجامعية، كانت جامعة الشرق الأوسط التقنية هي أكثر الجامعات الدولية في تركيا، وعلى الرغم من ذلك كان عدد الطلاب الأجانب فيها الذي لا يتجاوز المئة، من دول آسيا وإفريقيا كذلك.
أما اليوم فقد نجحت تركيا في فتح مجال التصدير على صعيد التعليم، ولا تزال في مرحلة البداية، ولا شك أن المستوى الذي وصلت إليه يعتبر مشرّفاً ويدعو للفخر. لكن مع ذلك نرى الجهلة والعنصريين ومعدومي الأخلاق لا يتقبلون ذلك بل ويقاومونه.
أليس هذا هو الاختبار الأبدي ما بين العلم والجهل؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.