عُدة الترجمة.. نصائح للمترجمين الجدد بمناسبة معرض الكتاب

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/05 الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/05 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
iStock

رغم معرفتي بالكثير من الكتب التي تتحدث عن الترجمة ونظرياتها فإن أول ما يخطر في بالي دوماً هي الجملة الأولى من "نظرية الجاحظ في الترجمة" كما وردت في المجلد الأول من "كتاب الحيوان":

"ولا بدَّ للتَّرجُمانَ من أن يكون بيانهُ في نفس الترجمة، في وزْن علمه في نفسِ المعرفة، وينبغي أن يكون أعلمَ الناس باللغة المنقولة والمنقولِ إليها، حتَّى يكون فيهمِا سواء وغاية" (ص 76).

فالواجب على من اتخذ الترجمة مهنة أو قرر هذا أن يحاول ما استطاع إكمال أدوات الترجمة كي يصل إلى المستوى المذكور هنا. وهي كما ترى أدوات تتعلق بإتقان اللغتين؛ اللغة المنقولة (أي اللغة المصدر) والمنقولِ إليها (أي اللغة الهدف) وهي العربية في سياقنا هنا.

والوضع الطبيعي هنا أن يتقن المترجم لغته الأم أولاً أي العربية ثم يتخصص في اللغة المصدر، أي التي سيترجم منها، حتى يتقنها.

لكن المشكلة أن هذا لا يحدث دوماً. على سبيل المثال في عصر الترجمة العباسي، كان أغلب المترجمين من السريان، ولم يكن بعضهم يتقن العربية بداية. واذكر هنا على سبيل المثال (يحيى بن البطريق)، وكانت ترجماته كما قال القفطي تتم بـ "العربية المكسرة" ومن ثم يجري تصحيحها من قبل المترجمين المتقنين للعربية الصحيحة مثل الفيلسوف الكِندي أو كبار المترجمين في حلقته.

وكانت ترجمات ابن البطريق مرغوبة أو يمكن تحمل العمل في تصحيحها؛ لأنه كان يتقن اليونانية، وكان أمراً نادراً آنذاك بعكس وضعنا الآن مع اللغات التي نترجم عنها؛ فلدينا الآن جيل أو عدة أجيال تتقن اللغات الأجنبية أو تحاول. المشكلة أن كثير من أفراد هذه الأجيال، خاصة المترجمين منهم، يعانون من ضعف التعبير بالعربية ويحتاجون كابن البطريق لمصححين ومحررين!

وسبب هذا في الغالب أنهم لم يدرسوا العربية دراسة منهجية؛ حيث درسوا بداية في مدارس أجنبية لا تعتني بالعربية قدر عنايتها باللغة الأجنبية. ومن هذه المدارس الأجنبية انتقلوا إلى الدراسة في أقسام اللغات الأجنبية بالجامعات والمعاهد. وفجأة أصبحوا مترجمين دون أن يتقنوا العربية أو حتى يدرسوها.

وهؤلاء تحديداً قد يكونون مترجمين فوريين لا بأس بهم، ولكن إذا أرادوا التخصص في الترجمات الأدبية والفكرية، فعليهم تدارك نقطة ضعفهم هذه، وهي كيفية التعبير بالعربية الصحيحة بطريقة سديدة وموفقة وإلا ظلوا عالة على المصححين والمحررين. ولن يتم هذا إلا بدراسة العربية دراسة منهجية منظمة ومستمرة. وسأحاول هنا مساعدتهم بالإشارة للوسائل الأولية التي يمكن أن تساعدهم فيما يتصل بدراسة اللغة العربية وتحسين بيانهم بها في ترجماتهم وكتاباتهم بالطبع. وسأقسم هذا لعدة نقاط كما يلي:

النحو والبلاغة

لتعلم بداية أن النحو والبلاغة هما العلمان الرئيسيان في الثقافة العربية والإلمام بهما واجب على كل من يعمل في مجال الكتابة والترجمة. وإتقانهما لا يتطلب الموهبة فقط ولكن أيضاً الصبر والجلد والاستمرارية.

والاستمرارية مهمة هنا لأن معهود اللغة، حتى مع من يتقنونها، أنها تتفلت دوماً. فإذا أردت تطوير قدراتك التعبيرية بالعربية، لغتك الأم، فينبغي المواظبة على العمل المنظم عليها، حتى بعد أن تتقنها وتتقن التعبير بها، وهما أمران جد مختلفين!

وكان هذا دأب كبار كتاب العربية حتى العصر الحديث. وأذكر على سبيل المثال أن المازني، وكان مترجماً كبيراً أيضاً، كان يقول إنه "يقضي كل يوم ساعة أو بعض ساعة مع سيبويه والكسائى وإخوانهما، وإنه يجد في ذلك لذة ومتعة عقلية أيضًا، لأنهم يمثلون في رأيه مذاهب تفكير لا مذاهب نحو فقط".

ولأن كتب سيبويه والكسائي وإخوان هذا الضرب أصبحت صعبة على الأجيال الحديثة يمكن الاستغناء عنها بكتب النحو الجديدة. ولأنني درعمي فإنني أرشح له أحد كتب دار العلوم الشهيرة وهي ثلاثة: "النحو الوافي" لعباس حسن. هذا بالطبع لمن يستطيع من أصحاب الخبرة الطويلة. أما من يبدأ السير على طريق الترجمة والتخصص فيها فيكفيه إما كتاب "النحو المصفى" لمحمد عيد وكان أستاذاً لي بدار العلوم، أو كتاب "النحو الواضح" لعلي الجارم ومصطفى أمين وله طبعات كثيرة بعضها ملون.

وهذا بالطبع ليس فرضاً ولكنه مجرد اقتراح من جانبي. المهم هنا كما قال المازني أن يكون للمترجم ورد يومي مع كتب النحو. وأنا أفعل هذا قبل الشروع في الترجمة كنوع من الإعداد النفسي لبدء العمل. وعندما يستعصي عليّ ذلك أكتفي بسماع سورة أو سورتين من القرآن. وهذا متصل بأمر البلاغة، وهي كما نعرف علم قرآني أصيل.

والكتب التي تدور حول البلاغة كثيرة ومن عصور مختلفة، وأهم القديم منها ثلاثة هي: "أسرار البلاغة" للجرجاني، و"مفتاح العلوم" للسكاكي، و"تلخيص المفتاح" للقزويني. أما الحديث منها، وهو كثير أيضاً، فمنها: "البلاغة الواضحة" لمؤلفي "النحو الواضح"، و"معجم البلاغة" لبدوي طبانة، و"المصطلحات البلاغية" لأحمد مطلوب، و"الإعجاز البلاغي" لمحمد أبي موسى وهو عالم أزهري من المبرزين في هذا المجال. ومن الطريف أنني اطلعت مؤخراً على كتب البلاغة التي تدرس في الثانوية الأزهرية فأعجبتني. ونصيحتي هنا أن تبدأ بكتاب "البلاغة الواضحة".

المعاجم عامة وخاصة

من المهم في كلام الجاحظ أيضًا أن يكون علم المترجم بموضوع الكتاب المصدر في وزْن علم مؤلفه ووزن معرفته. المقصود هنا رغم المبالغة أن التخصص في الترجمة ضروري، حتى يكون المترجم ملماً بجزئيات التخصص ومصطلحاته، وهذا ما سأعود إليه بعد قليل.

فإذا كانت لديك القدرة على البيان الصحيح بالعربية وكنت متخصصاً في موضوع الترجمة فلا يبقى إلا أن تعرف مصطلحات التخصص وما يجد منها. وهذا يتأتى أيضاً بالعمل والمثابرة ويمر بخطوات.

أولى هذه الخطوات أنك لابد أن تتذكر دوماً أنك لا تتحدث اللغة المصدر كلغة أم، ومهما كان مستوى معرفتك بها فإنك ستحتاج دوماً إلى عدد لا بأس به من قواميسها المعتبرة، التي ستتنوع وتتغير حسب إتقانك لها. وكلما كانت هذه القواميس أحدث كان أفضل.

وفي البداية ستحتاج أكثر للقواميس مزدوجة اللغة، سأذكر لك بعضها حتى تجدها في المعارض والمكتبات. وإن لم تستطع شراءها فتوجد الآن نسخ إلكترونية من طبعاتها القديمة!

في الإنجليزية توجد قواميس مهمة مثل مريام وبسترز، وأكسفورد، ولونجمان. ومن الجانب العربي نعرف معاجم مهمة مثل المورد للبعلبكي والمغني لحسن الكرمي، وما زلت معجباً ببرنامجه الإذاعي القديم "قول على قول".

وفي الفرنسية توجد معاجم لاروس وليتر وروبرت وهي الأهم. أما القواميس من الجانب العربي فمنها المنهل لسهيل إدريس. ومؤخراً اكتشفت قاموس أطلس الذي صدر في الأردن وقد أعجبني خاصة أنه يهتم بالرسم الصوتي للكلمات، وهو أمر تتجاهله كثير من القواميس، خاصة التي يصدرها أهل اللغة لذا تخلو منها معاجمنا العربية للأسف.

وفي الألمانية توجد معاجم لغوية عدة؛ بعضها أحادي اللغة مثل فارج الكبير، ودودن الكبير الخاص بالكلمات الدخيلة في الألمانية. ومن المعاجم المزدوجة لانجشايت وهانز فير وشراجله، وهذه الثلاثة الأخيرة لجودتها فاقت قواميس الجانب العربي.

وعندما تزداد خبرة وحنكة بالترجمة ستهتم أكثر بالقواميس العامة أحادية اللغة. مثلاً أحمد الشافعي، وهو الآن أحد أبرز المترجمين عن الإنجليزية، قال لي مرة إن "وجود قاموس أحادي اللغة أمريكي وآخر بريطاني (وبسترز وأكسفورد) أهم لديه الآن من أي قاموس مزدوج اللغة. وإنه بمرور الوقت باتت المعاجم العربية أحادية اللغة مثل "لسان العرب" و"المعجم الوسيط" يزدادان أهمية بالنسبة له.

ويشبه هذا فيما يخص الألمانية ما قالته لي هبة شريف، وهي الآن من أبرز المترجمين عن الألمانية، أنها تستخدم القواميس الأحادية مثل بونز ودودن ولانجشايت. ولكنها لا تهمل القواميس المزدوجة فتستعمل كأغلب المترجمين العرب قاموسي شراجله وهانز فير. وهذا بالطبع إلى جانب القواميس العربية أحادية اللغة خاصة المعجم الوسيط.

وهنا أنتهز الفرصة وأنصح الجميع، وليس المترجمين فقط، أن يشتروا الطبعة الجديدة من "المعجم الوسيط" التي أصدرها مجمع اللغة العربية بالقاهرة قبل عدة أسابيع. وظني أنها الطبعة الخامسة، ويقال إن العمل مستمر عليها منذ صدور الطبعة السابقة قبل 17 سنة. ولهذا فالطبعة الجديدة أضخم وأدق وتتضمن الكثير من الألفاظ والمصطلحات الجديدة التي أقرها المجمع منذ صدور الطبعة السابقة. زد على ذلك زيادة التعريفات المعجمية والصور التوضيحية، وإدخال المقابل اللاتيني للمصطلحات العلمية، وهذا يحدث للمرة الأولى، وهو كما نعرف أمر ضروري للمترجمين خاصة.

معاجم المصطلحات الموحدة

طالما وصلنا إلى جزئية المصطلحات أقول إن من المشكلات المهمة في الترجمة العمل على المصطلحات خاصة في الترجمات الفكرية والعلمية. ونصيحتي هنا فيما يخص اللغة العربية بضرورة اقتناء أكبر كمية من معاجم المصطلحات في العلوم المختلفة، إنسانية وطبيعية.

وأنا أهتم بشكل خاص بما يسمى "معاجم المصطلحات الموحدة". خاصة سلاسل المعاجم التي يصدرها مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومكتب تنسيق التعريب في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وهي معاجم متخصصة، وتشمل التخصصات المختلفة في العلوم الإنسانية والشرعية والطبيعية. وأنا أستعملها جميعاً وأثق فيها، خاصة أن من يعمل عليها أساتذة في تخصصاتهم وعملوا على تلك المصطلحات في إطار تلك المجامع، وتم إقرارها بالاشتراك. وبالتالي وجب على المترجم أن يلقي نظرة عليها حتى لا يضيع وقته في ابتكارها من جديد، ومن ثَم يوفر جهده للعمل على ما يقابله من المصطلحات الجديدة التي لم تعمل عليها تلك المجامع بعد.

وسبب ذلك كله أن المترجم العربي لا يترجم في فراغ، ولكن في سياق ثقافي شديد العراقة. وهذا أمر لابد أن يفهمه المترجم جيداً، فهو وسيط لغوي (إيجابي)، يعيش وضعًا متوترًا بين لغتين وثقافتين، لغة وثقافة النص المصدر ولغته وثقافته العربية، ومهمته كمترجم أن يقوم بتوطين ما يترجمه داخل سياقنا اللغوي والثقافي! وهذا التوطين لا يكون إلا بمعرفة التراث الاصطلاحي والمراكمة عليه.

ورأيي أن عمل المترجم هنا، أي على المصطلحات الجديدة المتزايدة، هو أحد أهم الأدوار اللغوية (الريادية) التي يقوم بها كمترجم. وهو يستحق الكثير من الثناء على قيامه بهذا الدور الريادي! لأنه يُغني العربية بمصطلحات جديدة، وربما بتوسيع نطاقها وتزويدها بطاقة لغوية جديدة. ولكي يقوم بهذا الدور بشكل صحيح يجب عليه العمل الجاد والمستدام على أساسيات اللغة نفسها، وأن يكون مطلعاً أيضاً على الدراسات التي تدور حول المصطلحات وكيفية صكها.

موسوعات عامة

رغم أن شبكة الإنترنت يمكن أن تغني المترجم عن كثير هذه المراجع العامة، فإنها غير مضمونة دوما، ولذا فامتلاك عدة موسوعات ولو مصورة أمر ضروري لأي مترجم محترف يجيد أو يريد التخديم على ترجمته بكتابة الهوامش الشارحة أو صناعة ثبت المصطلحات المهمة. فلابد أن يمتلك المترجم موسوعة علمية ولو بغير العربية، إضافة إلى موسوعة في العلوم العربية. ولذا فرأيي أن أي مترجم لا يستغني عن موسوعة "تاريخ التراث العربي" لفؤاد سزكين وموسوعة "تاريخ الأدب العربي" لكارل بروكلمان، وكلتاهما متكاملة.

خاتمة

ورغم وجود أدوات مستجدة وتطورات متسارعة في مجال الترجمة فإنني سأكتفي الآن بهذه الخطة المقترحة، ورأيي أنها خير استثمار يمكن أن يقوم به أي مترجم يريد اتخاذ الترجمة مهنة أو حرفة، وبالتوفيق للجميع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبد السلام حيدر
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
تحميل المزيد