إذا كنت من مشجعي كرة القدم الممتعة، أو "كرة التيكي تاكا"، فبالتأكيد إيطاليا ليست من الفرق التي قد تقدم كرة قدم تمتاز بالسيطرة على الملعب والفوز بنتائج كبيرة وبطريقة هجومية طوال المباراة، هذه قاعدة رياضية طبيعية ثابتة، فمنتخب إيطاليا له عشاقه، لكن يمتاز بتقديم نوع معين فقط، لكن في بطولة اليورو الحالية "يورو 2020"، التي تأتي في ظروف استثنائية لم تحدث من قبل، تريد كسر كل ما هو معتاد عليه، كأرقام قياسية لـ"أون جول" -الأهداف التي تسجل بالنيران الصديقة-، لأول مرة تنظم في 11 مدينة، كل هذا يمكن تقبله، لكن ما يصعب على المشجعين فهمه بسهوله هو رؤية منتخب إيطاليا بهذا الشكل.
منتخب إيطاليا من المنتخبات التي صنعت التاريخ في كرة القدم، خاصة في كأس العالم، حيث استطاع تحقيق اللقب 4 مرات كان آخرها عام 2006. وإذا قلنا إيطاليا قلنا الكاتيناتشو أو القفل الإيطالي، طريقة اللعب التي عرفها العالم طوال التاريخ، بطريقة اللعب التي تتميز بإغلاق المناطق الدفاعية أمام الخصوم، الطريقة التي ساعدت إيطاليا في حصد كأس العالم، وكانت عقبة أمام أعتى الفرق التي وقفت عاجزة أمامها.
ولكن ظل لقب اليورو عقدة إيطاليا أمام منشار اللقب، فهل كان الحل في تغيير هوية الفريق مع مانشيني؟ مانشيني الذي كانت أكبر أحلامه رؤية منتخب بلاده يلعب بطريقة هجومية، استطاع تحقيق حلمه بإحراز 9 أهداف حتى الآن في تلك البطولة المجنونة.
فريق قمة في التكامل، فنيات عالية، مع لاعبين بقدرات فردية مبهرة، أعطت للفريق قوة في المواجهات "واحد ضد واحد"، مع أفكار المدرب التي استطاع الفريق تطبيقها على أكمل وجه.
كل هذه الصور الجمالية هل سيستطيعون ترجمتها لبطولة؟
"يعرفون من أين تؤكل البيتزا"
في حالة استطاع الأتزوري الحصول على اللقب هذا العام فلن تكون مجرد عودة لمنصات التتويج وحسب، وإنما تعود بلقب مثل لقب هذا العام في بطولة صنفت كواحدة من أقوى بطولات اليورو منذ بطولة 2000، التي فازت بها فرنسا، وكانت إيطاليا صاحبة المركز الثاني في تلك المباراة التي ستظل عالقة في أذهان الطليان لوقت طويل.
وتعود الأمور مرة أخرى وتعطي فرصة للثأر من كل فرق أوروبا، ولكن هذه المرة بشكل آخر، بمدرب بحجم مانشيني، الذي لن يترك فرصة مثل هذه لتثبيت أركانه كواحد من أكبر مدربي كرة القدم الإيطاليين. وأصبحت الأمور أوضح الآن بعدما عرفنا أبطال المربع الذهبي، ووجدنا إيطاليا في انتظار مباراة نارية أمام الماتادور الإسباني الطَّموح بقيادة لويس إنريكي.
لويس الذي صعد بجيل من الشباب وباختيارات أثارت الجدل في الأوساط الإسبانية بعدما اعتمد على الشباب بشكل كبير في تشكيله الأساسي يشبه تماماً موقف مانشيني، الذي يعتمد على فريق يشبه إلى حد كبير الفريق الإسباني. فهل تكون عودة الفريق الإسباني لمنصات التتويج فوق منتخب إيطالي لم يتذوق طعم الخسارة منذ 32 مباراة؟ أم يستمر الطوفان الإيطالي الأزرق ويغمر الإسبان حتى يصطدم بالإنجليز، أو بالمنتخب الدنماركي إذا استمرت المفاجآت.
بطولة لا تعرف التوقعات
بعد خروج ثلاثة فرق من مجموعة سُميت بمجموعة الموت، وخروج أغلب المرشحين للحصول على اللقب، أصبح الأمر واضحاً بدخول 3 فرق من الكبار أمام فريق شهد أسوأ لحظاته في بداية البطولة وهو الدنمارك، عندما كاد قائد الفريق إريكسن يغادر الحياة، فحول المنتخب هذه اللحظات الصعبة إلى لحظات قوه حتى وصل إلى المربع الذهبي، متفوقاً على منتخبات رشحت بقوة قبل البطولة للفوز باللقب؛ فالوضع الآن لا يعرف التوقع، ولا يعترف بالأسماء ولا بالمدربين ولا بالأعلام، أربعة فرق لم تتذوق طعم اليورو منذ سنين، بأحلام لا تقبل التنازل.
لم يتبقَّ غير التفاصيل الصغيرة والمتعة الكبيرة؛ هي أشبه بحرب تنتظر بوق البدء أو صفارة الحكم في روايتنا، بعد حرب دامت شهراً لن يتذكر المشجعون منه إلا من سيرفع اللقب في النهاية معلناً سيطرته على القارة العجوز.
واعتدنا دائماً في مثل تلك البطولات المثيرة على أن الأفضل يفوز دائماً، وأن الممتع هو البطل، عكس ما رأينا في البطولات الدولية مؤخراً، التي اعتمدت على مبدأ اللعب الواقعي، والفوز لا الأداء في أغلب مبارياتها، وكم كنا جوعى لتلك الأجواء بعد كساد كروي صعب في ظل أجواء الوباء، وكان الأمر مماثلاً عند مدربي المنتخبات الأوروبية ولاعبيها.
فمنذ بداية أول مباراة حتى هذه اللحظة تجد اللاعبين أجمعهم سواء يلعبون في كبار الفرق أو في أصغرها يسعون لإثبات أنفسهم أمام جمهورهم، ويعيدون المجد لبلادهم ولأسمائهم، فلا يوجد من يتكبر على الكرة أو يحافظ على جسده من الإصابات، ففي تلك البطولات إما المجد أو العار، ولا يوجد لديك حل آخر، سترفع على الأعناق بهدف ينسي الجميع تاريخك السيئ، أو تضيع لقباً على بلدك ينسيهم مستقبلك وماضيك وحاضرك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.