وليد جنبلاط ومنطق التسويات.. “الغضب آتٍ إلا إذا..”

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/02 الساعة 19:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/02 الساعة 19:04 بتوقيت غرينتش
رويترز

يعيش وليد جنبلاط أزمة وجودية في ظل الظرف العاصف الذي يعيشه لبنان، لا يخفي الرجل شعوره بأن لبنان يمر بأصعب من مراحل حرب الجبل بعد اغتيال كمال جنبلاط الأب والمعلم، يرى جنبلاط أن التسوية هي الحل الأمثل لتجاوز مسارين صعبين: المسار الأول محاولات رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الدفع نحو تغيير النظام عبر طرح تعديلات للدستور قد تطيح بجوهر اتفاق الطائف. والثاني يتمثل في تحولات المنطقة والهجمة العربية والدولية لتكريس نظام الأسد بعد عقد من الحرب التي أعادت تعويمه والقبول به كأمر واقع.

ووفقاً لكل العارفين بجنبلاط وكل الجالسين في ديوانيته "كليمنصو" بالعاصمة بيروت، فإن الرجل يسعى بكل ما يملكه من قدرات، للدفع إلى تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، وهو الذي يقول إنه الأقوى في طائفته السُّنية، والأصل عدم جرِّ السُّنة إلى الانعزال والشعور بالقهر من جرّاء ممارسات البعض، لكن زعيم الدروز وصل لقناعة بأن الحريري من الصعب أن يستمر في مهمته الشاقة، وأن عليه تجاوز القطوع بتسمية اسم جديد ربما لتلك المهمة العسيرة.

يقول المطلعون على حركة جنبلاط إنه أرسل إلى صديقه رئيس مجلس النواب نبيه بري، منذ فترة، قائلاً له: "علينا الدفع باتجاه تشكيل حكومة على وجه السرعة، بغضّ النظر عن الطريقة والشكل، لأنّ البلد سيتفلّت من بين أيدينا، ولن يكون أحد قادراً على ضبط الشارع المقبل على الانفجار الكبير". لا يقفل جنبلاط خطوطه مع أحد، خطه مع الحريري يقوده وائل أبو فاعور  الذي تحط رحاله في دارة الحريري، فيما هاتف غازي العريضي لا ينقطع عن الاتصال بوفيق صفا وعلي حسن خليل؛ وذلك لمحاولة الخروج بحلول قد تزيح احتمالية تفجُّر الوضع بأي لحظة، خاصةً أن الشارع عاد للحركة وقطع الطرقات، في ظل ما يشاع عن أن فقراء المدن والمعدومين نتيجة الانهيارات قد يلجؤون للشارع في أي لحظة.

ووفقاً لنظرة جنبلاط فقد بدا ذلك جلياً في طرابلس منذ أسبوع، وتُرجم بمحاولة الإيقاع بين الجيش والناس المسحوقة والمكلومة. يرفض جنبلاط الحديث عن طوابير ومستفيدين، لأن الأصل هو المعالجة والوقوف إلى جانب الفقراء وتأمين ما يحتاجونه قبيل الذهاب لتحليلات الأمن والماورائيات.

لكن في خاطر جنبلاط كلام كبير، لكنه يستعيض بالقول: "ما جرى في عاصمة الشمال قد يمتد لكل لبنان إذا لم تعالج السلطة المُمسكة بالأمر المشكلةَ بالحلول وعلى رأسها الحكومة". يستغرب جنبلاط، وفقاً للعارفين، أداء حكومة تصريف الأعمال القابعة في "الكوما"، ويتساءل: لماذا لا تبادر للعمل والقيام بواجباتها ريثما تخرج الحلول من كهف الأنانية والجشع؟

في منطق التسويات المفاجئة ليس غريباً على زعيم المختارة تلك الاستدارة الشهيرة، يتوجس الرجل خيفةً من الأيام القادمة، التي وفق نظرته "لا تُبقي ولا تذر". صدَّ الرجل منذ أشهر، بنداء التسوية الشهير والتقى ميشال عون، الخصم التاريخي العنيد، ورغم أن جنبلاط يدرك أن العهد انتهى فعلياً فإنه مُصرٌّ على فتح ثغرة في جدار الاستعصاء الكبير.

في المشهد الحكومي المعقد يعود جنبلاط لكلام ماكرون، الذي قال إن الأزمة داخلية والتعنت محلي، وهذا الكلام معطوف على مواقف مشابهة لجوزيف بوريل وأنتوني بلينكن. ووفق تصور "ما حدا فاضيلنا"، يدرك زعيم "الاشتراكي" أن الحلول متاحة والتسوية ممكنة وأنه لا يمكن انتزاع صلاحيات بقوة التعطيل والاستقواء. يريد ابن المختارة السير نحو اتفاق قبل فوات الأوان والارتطام الكبير الذي لا عودة عنه، لا هو قادر على الإكمال بسياسة إطعام الناس وتأمين احتياجاتهم، وهذا أصلاً ما صارح به بري عندما استنجد به لحل الخلاف وإطلاق المبادرة وإخراج الأرانب من القبعة، وفي الوقت نفسه لا "حزب الله" شيعياً ولا "القوات" مسيحياً -وعلى الرغم من قدراتهما وإمكاناتهما ودقة تنظيمهما- قادران على توزيع الطعام والوقود وضبط الشوارع وتأمين الأدوية والحليب، وهذه أسطورة لا يمكن التسليم لها ولا يحل أحد مكان الدولة.

في المصالحة الدرزية التي حصلت منذ أيام بدارة الخصم طلال أرسلان بحضور وئام وهاب، فإن شعار جنبلاط في المُلمات والمصائب "لا مصلحة تعلو فوق مصلحة وحدة الطائفة"، على الرغم من استطلاعات رأي تشير إلى أن هناك فرقاً شاسعاً بينه وبين الآخرين، بسبب رمزيته أولاً، وثانياً لوضع إمكاناته الشخصية منذ الأزمة في تصرف الجبل وأهله.

وفي مسار لملمة الدروز فقد فعلها الرجل في 7 مايو/أيار، حين فوض أرسلان بإدارة الجبل، ويفعلها اليوم تحت عناوين التحصين الداخلي "الأقرب فالأقرب". يرفض جنبلاط وضع تلك المصالحة في خانة العودة لمغازلة الأسد عبر حلفائه، المصالحة نفسها لصالح جنبلاط عبر طي صفحة إشكالات البساتين وقبرشمون وخلدة وما سواها، ولتكريس نفسه المرجع الجديد في الطائفة والجبل والذي يعود له الجميع عند الحاجة المُلحَّة، وما زيارة أرسلان في مارس/آذار ووهاب الشهر الماضي (يونيو/حزيران) إلا تكريس لهذه المعادلة، يسخر وليد جنبلاط من إشاعة أثيرت عن زيارة تيمور للشام للقاء مملوك ويجيب سائليه: "هل جُننت لأفعلها؟!".

في الإقليم الهادئ هدوء الأموات يدعو جنبلاط إلى التقاط موجات التحولات والمصالحات والتفاهمات والعمل عليها لمصلحتنا، بدلاً من التلهي في ترهات ومناكفات، لأنه لم يعد لبنان بالنسبة للكثيرين كما كان سابقاً، والجميع بعد الأزمات مهتم بمشاكله وتحدياته فلماذا التصلب حول مطالبات يمكن القفز عليها؟ 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد