مشاهد من سقوط نزار بنات

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/02 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/02 الساعة 15:08 بتوقيت غرينتش
نزار بنات خلال تعرضه للضرب من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في إحدى الوقفات الاحتجاجية بالضفة، أرشيفية/ صفحة نزار بنات

مشهد ليلي داخلي.. مكتب فخم ملحق به قاعة اجتماعات بداخلها عدد من الرجال المتحلقين حول رجل يبدو مهماً.

يقطع لحظات الصمت، رنين جرس، يركض أحدهم ليمسك بالهاتف الجوال ليرد.. من الطرف الآخر يأتي صوت يقول: مساء الخير يا أحمد أعطني سيادة الوزير سريعاً.

أحمد: الوزير مشغول عنده اجتماع الآن، سيرد عليك لاحقاً.

صوت المتصل: الأمر عاجل ولا يحتمل التأخير، سأحمِّلك المسؤولية.

رجل المكتب: سأنظر إن كان يستطيع الرد الآن، يذهب إلى الرجل الجالس على رأس طاولة الاجتماعات، يهمس في أذنه: معالي الوزير، اللواء محمد يريدك في أمر يقول إنه لا يحتمل التأخير.

يرد الوزير: أعطني إياه.. ممسكاً بالجوال: ما الأمر يا محمد؟

اللواء محمد: الرجل لا يريد السكوت، من نصف ساعة نشر فيديو يكشف فيه آخر عملية ويتهم سيادتك مباشرة وبلا مواربة بالفساد، وأتى على ذكر الرئيس والحزب بأكمله.

الوزير: أطلقوا اللجان الإلكترونية للتبليغ عن الفيديو بأنه يحرض على الكراهية ويدعو للعنف، وكلموا أصدقاءنا المسؤولين عن المنصة ليحذفوا الفيديو سريعاً قبل أن ينتشر.

اللواء محمد: معالي الوزير، الفيديو أصبح على أكثر من منصة ومشاهداته بمئات الآلاف، ليس في بلدنا فقط ولكن في كل الدول العربية، ورد الفعل عليه قوي وساخط بشكل غير مسبوق.

الوزير: تخلص منه يا سيادة اللواء، ولم يوضح ممن يتخلص!

المشهد الثاني

مشهد ليلي داخلي، ناشط سياسي في منتصف العمر يرقد على سريره ممسكاً جواله في إضاءة خافتة ويكتب:

حين تغتال الأنظمة أحد الناشطين تتصرف بالشكل التالي:

التكتم على الموضوع وعدم إثارته مجتمعياً وإعلامياً، وإسكات أي صوت يتحدث فيه سريعاً، لمحاصرة حال التعاطف مع الضحية، ثم تبدأ المرحلة الثانية من مواجهة الأزمة ببث الشائعات حول الضحية، ولا مانع من تقارير طبية أو شهادات زور وممكن صور ملفقة، ومن ثم يتم التشكيك بنضاله ونفي رواية قتله، والنتيجة يفقد الضحية التعاطف والظهير الشعبي لقضيته التي هي قضيتهم، وتمت القضية.

المشهد الثالث

مشهد خارجي ليلي، تجمع سيارات "فان" سوداء أمام مقر أمني، يقف قائد المجموعة موجهاً كلامه للصاعدين:

"يا شباب كيف ما جلتلكم المجرم هاد بِدُّه يتربى. الحكومة والرئيس نفسه ضايج من هالجصة وحكيه الكتير ولازم يخرس، التنسيج الأمني رتب الأمر وراح ندخل ناخده وما حد راح يعترضنا، المهم لازم نجيبه كيف ما أمرت الجيادة".

يركب الرجال العشرون إلى الحافلات متجهين إلى حيث منزل الناشط في منتصف الليل.

المشهد الرابع

مشهد خارجي ليلي.. بيت مكون من ثلاثة طوابق لعائلة مسالمة، يسكن الأب وأبناؤه في البيت ويستضيفون الناشط المطلوب أمنياً.

تقف الفانات ويخرج منها الرجال العشرون يتسورون سور البيت، وبعتلة حديدية يكسرون النافذة وينتشرون في المنزل باحثين عن الناشط المطلوب، يوقظون كل من في البيت صارخين في وجوههم: أين هو؟

يصل أحدهم إلى الناشط صارخاً وهو يضربه بالعتلة الحديدية: "لجيته"، فيهرول الباقون منزلين بالناشط أشد العذاب، ضرباً بالهراوات والعصي الغليظة، ثم يسحبونه سحلاً إلى إحدى الحافلات المتوقفة خارج البيت، لتهرب السيارة مسرعة.

المشهد الخامس

مشهد داخلي ليلي على مدخل أحد المقرات الأمنية اصطف عدد من العناصر الأمنية، ممسكين بهراوات وعصي غليظة وكابلات الكهرباء الغليظة، الحافلات تدخل إلى سلم المقر الأمني وتفتح بابها.

قائد المجموعة الراكب بجوار الناشط يصرخ: انزل يا أخو الـ…. ويدفع الناشط إلى الخارج ليستقبله المصطفون بعصيهم وهراواتهم والكابلات الكهربائية الغليظة، والناشط يجري من شدة الضرب إلى المجهول. تتبعه العناصر الأمنية فيقع الناشط من كثرة الضرب ويقف ليجري لكنه لا يقوى. يرتطم الناشط بالحائط ويرتد على أحد العناصر الممسك بعتلة حديدية فيصرخ العنصر وسختني بدمك يا أخو الــ… فيضربه بالعتلة فيقع الناشط غير محرك ساكن.

يصرخ القائد: "شو صار يا محسن كعده".

يرد العنصر محسن: "عم بيمثل ويصرخ"، يدعوه للوقوف. فلا يستجيب الناشط.

يجثو أحد العناصر على قدميه ويهز الناشط فلا يستجيب، فيتحسس أنفاسه ويصرخ: "انجطع النفس سيدي".

فيرد القائد: "يعني إيش.. مات يعني؟ كان السيد الوزير بده يشوفه كبل ما يموت، خدوه على المشفى وكولوا حادث".

المشهد السادس

مشهد نهاري خارجي، الكاميرا على قرص الشمس الخارج من قلب البحر على الشاطئ الرملي في الإسكندرية، تلتف الكاميرا ببطء نحو عمارة سكنية وترتفع الكاميرا رويداً إلى الشباك المفتوح في الدور الثالث داخل الشقة، سيدة تجلس في صدر غرفة الاستقبال متشحة بالسواد وتهذي بكلمات لا يفهمها إلا القليل.

المرأة المكلومة: "قتلوه.. قتلوه لكنه شهيد، ابني خالد مكانش بتاع سياسة، ابني كل جرمه إنه فضح العصابة، بس اللي دافع عنهم مش هيسيبوه، اللي كان بيحارب علشان حقوقهم مش هيخذلوه، النظام هيرحل والفسدة هيرحلوا والعصابة الحاكمة هيتحسبوا والأمن اللي شغلهم بلطجية وبيحموهم هيتحسبوا.. الكل دوره جاي".

المشهد السابع

مشهد نهاري خارجي تجمع عدد كبير من النساء والشباب والشيوخ أمام مقر الرئاسة في رام الله الذي يحرسه عدد كبير من الجنود والعناصر الأمنية، منهم من يحمل العصي ومنهم من يحمل البنادق الآلية، رافعين صورة نزار بنات تهتف الجموع الغاضبة: ارحل.. ارحل يا عباس.

تعليق 

لا يعني اختلافك مع ثائر أو ناشط أو مدافع عن حقوق أهل وطنه، أن ترفض كل ما يدافع عنه ويدعو له. رفضك للظلم يعني رفضك للظلم بكل أشكاله، ودفاعك عن الحق يعني دفاعك عمن يدافع عنه، التفاصيل لا تهم والمبدأ هو الباقي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر عبدالعزيز
كاتب وباحث سياسي
ياسر عبد العزيز هو كاتب وباحث سياسي، حاصل على ليسانس الحقوق وماجستير في القانون العام. كما حاز على دبلوم الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، وهو الآن عضو مجلس إدارة رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج في اسطنبول ومدير مركز دعم اتخاذ القرار بحزب الوسط المصري.
تحميل المزيد