حال القدس بعد اثنين وأربعين عاماً على الضم الإسرائيلي لجزئها الشرقي المحتل عام 1967

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/02 الساعة 11:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/02 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش
iStock

تعتبر مدينة القدس من أكبر مدن فلسطين التاريخية مساحةً وسكانا وأكثرها أهمية دينياً واقتصادياً. تُعرف بأسماء أخرى في اللغة العربية مثل؛ بيت المقدس، القدس الشريف، أولى القبلتين. ومع إخضاع 84% من مساحة المدينة؛ الذي أطلق عليه لاحقاً اسم القدس الغربية، والمقدر حينئذ بنحو 17 كيلومتراً مربعاً، للاحتلال الإسرائيلي، بقي الجزء الآخر تحت الإدارة الأردنية، بما في ذلك البلدة القديمة والمسجد الأقصى اللذان يشكلان ما نسبته 11.5%؛ أي حوالي 2.3 كيلومتر مربع من المساحة المتبقية، في حين  صُنفت المساحة المتبقية ونسبتها 4.5% بأنها منطقة حرام، بحيث تتبع الأردن لكن يحظر على أي طرف دخولها، ليحتل الجيش الإسرائيلي في الخامس من يونيو/حزيران 1967 ما تبقى من فلسطين التاريخية بما فيها الشطر الشرقي من مدينة القدس. 

شرعنة الاحتلال الصهيوني

محاولة منها لشرعنة احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس، أعلنت إسرائيل ضمه في الثلاثين من يوليو/تموز من عام  1980؛ وعلى الرغم من مرور 42 عاماً  على ضم الجزء الشرقي من القدس، لم يتوقف النشاط الاستيطاني في جنباتها؛ حيث تسعى إسرائيل في سباق مع الزمن إلى تهويد مدينة القدس مستغلة الانقسام الفلسطيني وعدم ارتقاء العرب والمسلمين في دعمهم السياسي والمالي للمقدسيين إلى مستوى التحدي الذي تواجهه المدينة. واللافت للنظر أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق ما يسمى أحكام القانون الإسرائيلي، فصاحب الأرض، ووفقاً لنسق تطور الملكية والسكان؛ فإن صاحب الأرض معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطناً في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أو سبعين سنة، أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية تهويدية  جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكافة الوسائل، خاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها جغرافياً وديموغرافياً عن باقي المدن والقرى في الضفة الفلسطينية.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن كافة الحفريات وعمليات التجريف والهدم والتطهير العرقي التي لم تتوقف البتة في باب المغاربة ومحيط المسجد الأقصى المبارك، وكذلك في حي سلوان وحي الشيخ جراح، إنما تخدم الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس، في وقت لم تظهر فيه إلى العلن سياسة عربية وإسلامية حقيقية وجامعة لمواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية في مدينة القدس. وتبعاً للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية التهويدية في مدينة القدس، بات بمدينة القدس 26 مستوطنة إسرائيلية يتركز فيها (190) ألف مستوطن من اليهود المتزمتين. وفي مقابل ذلك لا يزال في المدينة (260) ألف مقدسي، حيث تسعى إسرائيل إلى طرد أغلبيتهم بعد السيطرة على النسبة الكبرى من أراضي القدس وعقاراتها. وفي هذا السياق، ثمة دراسات إسرائيلية أشارت إلى أن إسرائيل تسعى من وراء إصدار القوانين المتلاحقة بشأن القدس لجعل المقدسيين أصحاب الأرض أقلية لا تتجاوز نسبتها 12% من إجمالي سكان مدينة القدس بقسميها الشرقي والغربي خلال الأعوام القليلة القادمة.

التطهير العرقي

إضافة إلى القوانين العنصرية المذكورة، اعتمدت إسرائيل سلاح الهدم وتالياً التطهير العرقي، والنشاطات الاستيطانية في مدينة القدس ضمن برنامج مدروس لتقليص وجود الفلسطينيين. ويعتبر الجدار العازل من أهم وأكبر النشاطات الاستيطانية في القدس، وأدى إلى إبعاد  نحو 125 ألف فلسطيني مقدسي عنها، وتهدد السلطات الإسرائيلية بسحب الإقامة منهم. وبالتوازي مع الهدم والتهجير والاستيطان، تواصل إسرائيل المشاريع العمرانية وضم الكتل الاستيطانية لفرض أغلبية يهودية بالقدس المحتلة، والعمل على الزحف المنظم تجاه الأحياء العربية القديمة في القدس بغرض مصادرة أراضيها. وفي إطار سياساتها التهويدية بمدينة القدس، كثفت إسرائيل من مخططاتها لفرض الأمر الواقع التهويدي في مدينة القدس خلال فترات حكم نتنياهو، ومنها مخطط للقيام بعمليات جرف وإزالة آلاف المنازل، بغية كسر التجمع العربي داخل الأحياء العربية بمدينة القدس، مثل حي الشيخ جراح والعيزرية. ونتيجة تلك المخططات ثمة 35 ألف مقدسي مهددون بالطرد إلى خارج مدينة القدس.

 وكانت إسرائيل طردت 15 ألف مقدسي أثناء احتلالها القدس الشرقية عام 1967، وقبل ذلك تم طرد ستين ألف مقدسي عام 1948 بعد ارتكاب مجازر مروعة في العام المذكور في قرى القدس، وبشكل خاص في قرية دير ياسين التي ارتكبت بحق أهلها مجزرة مروعة في شهر أبريل/نيسان من عام 1948على يد العصابات الصهيونية الهاغاناه والشتيرن. تستمر إسرائيل  في تسارع مع الزمن في محاصرة مدينة القدس بالجدار العازل. وفي هذا السياق تشير دراسات  إلى أن عمليات البناء في الجدار المذكور حول المدينة المقدسة باتت في نهاياتها، حيث سيمتد إلى 165 كيلومتراً، سيتم من خلاله عزل مدينة القدس ديموغرافياً وجغرافياً عن محيطها العربي في الضفة الغربية.

بعد اثنين وأربعين عاماً على الضم الصهيوني للقدس، وفي ظل الهجمة الاستيطانية  التهويدية المستمرة على القدس والمقدسيين؛ بغرض تهويد الزمان والمكان، لا بد من تكثيف الجهود لإنهاء الانقسام الفلسطيني دون رجعة، والاتفاق على سبل كفاحية مشتركة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وبذلك يمكن ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية على امتداد فلسطين التاريخية وفي المهاجر القريبة والبعيدة؛ وبالوحدة يمكن استمرار شباب فلسطين بمقاومتهم للاحتلال الصهيوني ودحض رواياته عبر "السلطة الخامسة" التي اقترحتها هنا، كوسم لحراك الشباب الفلسطيني، والمتمثلة بوسائط التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"؛ والتي فرضت نفسها كسلاح سلمي وناجع ومتفوق على كثير من الفضائيات لتنقلب الصورة لصالح قضية الشعب الفلسطيني العادلة؛ الأمر الذي أزعج إسرائيل التي كانت تتحكم عبر الدعم الغربي بناصية الإعلام.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نبيل السهلي
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
تحميل المزيد