جغرافية الجزائر: الغرب للسياسة والشرق للجيش والوسط للإدارات

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/02 الساعة 09:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/02 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
العلم الجزائري / رويترز

شهد البرلمان الجزائري ولأول مرة منذ زمن طويل تقاسم عدة أحزاب مقاعده، كما شهد ولأول مرة تواجد كتلة من المستقلين تمثل القوة الثالثة في قبة "زيغود يوسف".. فهل يمكن اعتبار هذا الوضع إيجابياً للحالة السياسية في البلاد؟

كانت الانتخابات البرلمانية في الجزائر قد شهدت تصدر حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم سابقاً النتائج بــ98 مقعداً من أصل 407 مقاعد في "المجلس الشعبي الوطني" (الغرفة الأولى للبرلمان).

وجاء المستقلون في المرتبة الثانية بـ84 مقعداً، تليهم حركة "مجتمع السلم" (أكبر حزب إسلامي) بـ65 مقعداً، ثم "التجمع الوطني الديمقراطي" (ثاني أحزاب الائتلاف الحاكم سابقاً) بـ58 مقعداً. فيما حصل حزب "جبهة المستقبل" (محافظ) على 48 مقعداً، يليه حزب "حركة البناء الوطني" (إسلامي) على 39 مقعداً.

مستقبل غير مشرق

في حقيقة الأمر ووفق وجهة نظري، فإنني لا أعوّل كثيراً على برلمان 2021 وأعتقد أن مستقبله ليس مشرقاً كما يتمنى البعض. دور البرلمان هو مراقبة السلطة التنفيذية متجسدة في الرئيس عبدالمجيد تبون، لكن غالبية النواب الجدد إن لم يكن كلهم يدعمون برنامج الرئيس، فمن حزب "جبهة التحرير الوطني" للتجمع "الوطني الديمقراطي" وحركة "البناء الوطني" والمستقلين كذلك، في حين نأت حركة "مجتمع السلم" بنفسها عن التحالف البرلماني المدعوم رئاسياً لكنها عبرت ضمنياً عن تماشيها وتماهيها مع خط برنامج الرئيس.

ربما تلقت حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في البرلمان، إشارات  من هنا أو هناك تفيد أنها غير مرحب بها في التشكيلة الحكومية الجديدة.  فارتأت تمثيل دور المعارضة داخل الجسد التشريعي. وكذلك يمكن أن تكون قد وصلت لطريق مسدود مع النظام حول تشكيلة الوزراء وعدد المقاعد الممنوحة لها، فالوزارات السيادية في الجزائر تبين مسبقاً أنها ستبقى لمن يقودها اليوم، مثل وزارة الخارجية، والداخلية والعدل. ولا يمكن للحزب الإسلامي الأقوى في البلاد أن يقبل حقائب وزارية ثانوية كوزارة البيئة، والتضامن أو الوزارات المنتدبة، ففي ذلك إنقاص من حجمه على الخارطة السياسية ووزنه الشعبي، كذا سيكون دورهم داخل الحكومة كمشاركين لا أكثر ولا أقل. في حين يحمل عبدالرزاق مقري، رئيس حركة "مجتمع السلم"، ومن معه برنامجاً يريدون تجسيده يختلف في العديد من النقاط مع برنامج الرئيس، إلا أن الأخير متمسك بالأربعة والخمسين التزاماً التي قطعها للشعب إبان حملته الانتخابية ولا يريد التراجع عنها بتاتاً.

في ظل هاته الشوائب نعود للبرلمان الذي لن نجد فيه جبهة القوى الاشتراكية ولا التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ولا حزب العمال، الأحزاب التي كانت تمثل وعاء المعارضة في حقبة الرئيس السابق وكانت تضفي ولو القليل من الشرعية على برلمان رفع الأيدي أو كما يلقبون بالعامية الجزائرية "بني وي وي". رفضت تلك الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية من الأساس وأبدت امتعاضها من بعض المواد الموجودة في القانون العضوي، كما انتقدت طريقة الانتخاب الجديدة التي تسهم حسبها في تشتيت الناخبين وتوليد الانقسام داخل القائمة الواحدة، فيتحول الصراع من تنافسية قوائم إلى تنافس بين أعضاء القائمة نفسها فيما بينهم.

اتساع الشرخ بين الشعب والحكومة

الجزائر اليوم مقبلة على تحديات هامة ومصيرية قد تحدد مصير الأجيال القادمة، وإن حدث وجود أشخاص غير أكفاء في مناصب حساسة ستتأثر الدولة أكثر وقد تعاني من هشاشة جغرافية تمس وحدة أراضيها بعد تفتيتها هوياتياً في الحقبة الماضية.

اتساع الشرخ بين الشعب والحكومة يزيد يوماً بعد يوم، وانفصال القبائل سياسياً عن النظام الحاكم واضح للعيان منذ زمن، في حين يلعب الغرب الجزائري دور السيد السياسي القادر على إخماد أي أزمة تشوب البلاد. لكنه، أصبح يلعب دور المتفرج منذ أن انقلبت الموازين السياسية بعد حراك 2019. أما شرق البلاد والمسيطر على مراكز صناعة القرار في الجيش فمنذ مدة طفت للسطح صراعات بين أفراده قبل انتخاب تبون رئيساً للجمهورية وبعده. أما أصحاب الوسط والمسيطرون على المراكز الإدارية فلا يزالون يسيّرون الإدارات والشركات العمومية كما السابق ويلعبون دورهم بشكل عادي.

أبانت الفقرة السابقة طريقة عمل مبدأ تقاسم السلطة جغرافياً في الجزائر، وتوزيع القوى بين مختلف جهات الوطن، وأي خلل أو اختلال في تلك المنظومة قد يؤدي إلى شلل أو فراغ سياسي ومؤسساتي كبير؛ لذلك يجب الحفاظ على تلك التوازنات والسير بخطى ثابتة لبناء جزائر يشارك فيها أبناؤها من مختلف المناطق في بنائها، كل حسب إمكانياته و تكويناته.

لا أريد أن أطيل المقال أكثر، لكن سأعود لتوضيح بعض النقاط سريعاً حول طريقة تقاسم القوى بين المناطق، فلو ذهبنا مثلاً لرئاسة الجمهورية سنجد أن جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الجزائر جاؤوا من غرب الجزائر أو مروا عليه وأمضوا السنين به. أول رئيس للجمهورية أحمد بن بلة من ولاية "تلمسان"، هواري بومدين من ولاية "قالمة" ولكنه أمضى السنين الطويلة بالغرب. عبدالعزيز بوتفليقة ينحدر من ولاية "تلمسان"، وعبدالمجيد تبون يأتي من ولاية "النعامة" بغرب البلاد كذلك.

تلك التوازنات ساهمت في عدم اختلال بلد شاسع جغرافياً ومتنوع هوياتياً، أي خطأ قد يكلف الجزائر خسائر مادية ودبلوماسية كبيرة.

لكن، نظام اليوم يسير بعقلية "نحن نفعل ما نريد" غير آبه بهذه التوازنات، وبرلمانه الذي وصل اليوم لا يعبر عن الأغلبية الشعبية، بل يمثل أقلية مرفوضة شعبياً، فكيف سيكون المآل وهل سيتدارك النظام أخطاءه؟ أم سيواصل السير في طريقه؟!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبد القادر باغلي
كاتب جزائري
تحميل المزيد