مما لا شك فيه أنّ الجمهور الرياضي العالمي الواسع لما يسمع أو يقرأ اسم "هازارد" تتبادر لأذهانه صورة الدولي البلجيكي إيدين هازارد، النجم الحالي لنادي ريال مدريد، والسابق لفريق تشيلسي، ولكن توجد فئة وخاصة في جمهور الكرة الألمانية تعرف "ثورغان" هازارد ربما أكثر من شقيقه الأكبر، ومن المرتقب أن تزداد شهرته في المستقبل القريب بعد تألقه رفقة منتخب بلاده في نهائيات بطولة يورو 2020.
خطف ثورغان هازارد الأضواء خلال المباراة التي فاز بها منتخب بلجيكا على نظيره البرتغالي، يوم الأحد 27 يونيو/حزيران الماضي، بمدينة إشبيلية الإسبانية لحساب الدور ثمن النهائي ليورو 2020، حيث سجل جناح نادي بروسيا دورتموند الألماني هدف الحسم والتأهل إلى الدور المقبل، مُزيحاً من طريقه حامل اللقب ونجمه الأسطوري كريستيانو رونالدو بعد مواجهة قوية.
وكوفئ ثورغان على تألقه بنيله جائزة أفضل لاعب في اللقاء، وهي الجائزة التي اعتبرها غير مستحقة في تصريحاته بعد اللقاء، حيث أوضح قائلاً: "بالنسبة لي فإنّ رجل المباراة هو شقيقي إيدين لقد نجح في تقييد تحركات خط الدفاع البرتغالي لقد كان رائعاً".
يظهر جلياً من خلال هذا التصريح أنّ ثورغان يكن حباً واحتراماً كبيرين لشقيقه الأكبر الذي ينشط إلى جانبه ضمن المنتخب البلجيكي، منذ عام 2013، والذي زامله في نادي تشيلسي الإنجليزي طيلة 3 سنوات دون أن يلعب معه ولو لدقيقة واحدة.
نعم، لمن لا يعرف ثورغان هازارد جيداً فإنّه كان لاعباً في صفوف تشيلسي من 2012 إلى 2015، لكنه قضى تلك المواسم الثلاثة مُعاراً لأندية أخرى كانت سبباً في تألقه بعيداً عن ظل شقيقه إيدين.
والدته كانت لاعبة كرة قدم!
قبل الحديث عن تلك الفترة، دعونا نستعرض بداية المشوار الرياضي لثورغان الذي ولد يوم 29 مارس/آذار 1993 بمدينة "لالوفيار" البلجيكية، من والدين رياضيين، حيث كان أبوه "تيري" ينشط كلاعب وسط ميدان دفاعي في نادي "لالوفير" بدوري الدرجة الثانية البلجيكي، وأمه "كارين" مهاجمة ضمن عدة أندية من دوري الدرجة الأولى البلجيكي، كما يملك شقيقين آخرين يمارسان كرة القدم إضافة لإيدين، وهما كيليان المحترف بنادي بروج البلجيكي، وإيثان الذي لا يزال في فريق الشباب لنادي توبيز البلجيكي.
نشأ مع شقيقه إيدين في نادٍ بلجيكي واحدٍ
بدأ ثورغان ممارسة رياضة كرة القدم ضمن فريق "رويال ستاد برينوا" الصغير، عام 1998 في سن الخامسة من عمره، قبل أن يرافق شقيقه إيدين إلى نادي "توبيز" سنة 2003، واستمر معه إلى غاية 2007، حيث التحق بعدها بالمركز التكويني لنادي لانس الفرنسي، بعدما كان شقيقه إيدين قد انضم لمدرسة نادي ليل الفرنسي في عام 2005.
وتدرج ثورغان مع جميع الفئات الشابة لنادي لانس، وأمضى معه على أول عقد احترافي يوم 7 أبريل/نيسان 2010 لمدة 3 سنوات، لكنه وُضع تحت تصرف فريق الرديف إلى غاية موسم 2011- 2012، الذي خاض خلاله 16 مباراة رسمية مع الفريق الأول دون أن يسجل أي هدف، مكتفياً بتمريرة حاسمة واحدة.
في ذلك الموسم كان شقيقه إيدين، الذي يكبره بسنتين، في أوج عطائه مع نادي ليل، بنيله جائزة أفضل لاعب في الدوري الفرنسي للعام الثاني على التوالي وجائزة أفضل صانع أهداف في الدوري ولقب ثالث هداف في الدوري، ما جعله محل أطماع عمالقة الكرة الأوروبية، فاقترب بشكل كبير من الانضمام لنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، قبل أن يخطفه نادي تشيلسي ويتعاقد معه يوم 28 مايو/أيار 2012، لمدة 5 سنوات، مقابل 40 مليون يورو، وراتب بنحو 500 ألف يورو شهرياً، في أكبر صفقة في تاريخ الكرة البلجيكية.
3 سنوات في تشيلسي دون أن يلعب دقيقة واحدة
ودون أن يتم الإعلان عن ذلك صراحة، ربما اتفق إيدين هازارد، عبر وكلائه، مع نادي تشيلسي على ضم شقيقه، ليكون قريباً منه في أسابيعه الأولى لغربته الجديدة، فنجح النادي اللندني في جلب ثورغان الذي تعاقد معه يوم 24 يوليو/تموز 2012، في صفقة استفاد منها نادي لانس من 500 ألف يورو فقط.
وأوضح تشيلسي حينها أنّ ثورغان سيخوض موسمه الأول مع النادي ضمن فريق الرديف وليس الأول، لكن يبدو أن طموحات اللاعب الشاب كانت أكثر من ذلك وأدرك سريعاً ضرورة الخروج من ظل شقيقه النجم، وشق طريقاً خاصاً به للوصول إلى واجهة الكرة العالمية.
وكم كان ذلك الطريق شاقاً وطويلاً جداً.. فقد عاد ثورغان هازارد إلى موطنه بلجيكا، يوم 30 آب/أغسطس من نفس العام، للعب ضمن نادي "زولت فارغيم" بدوري الدرجة الأولى، على سبيل الإعارة لموسمٍ واحدٍ، حيث شارك في 38 مباراة، سجل خلالها 5 أهداف وصنع 10 أهداف أخرى، ما جلب اهتمام مدرب المنتخب البلجيكي في ذلك الوقت، مارك فيلموتس الذي منح له فرصة خوض مباراته الأولى مع المنتخب الأول يوم 29 مايو/أيار 2013، لما دخل بديلاً لزميله روميلو لوكاكو في الدقيقة الـ86 لمباراة ودية أمام منتخب الولايات المتحدة الأمريكية (4-2).
وانتظر ثورغان يوم 31 آب/أغسطس 2017، ليشارك في أول مباراة رسمية مع منتخب بلجيكا، حيث دخل بديلاً لشقيقه إيدين في الدقيقة الـ77 من اللقاء الذي فاز به "الشياطين الحمر" على منتخب جبل طارق (9-0) برسم التصفيات الأوروبية لمونديال روسيا 2018.
وكان ثورغان هازارد في ذلك الوقت متعاقداً مع نادي بروسيا مونشنغلادباخ الألماني، ما يُجبرني للتوقف عند الحديث عن المشوار الدولي للاعب والعودة لمساره الاحترافي مع الأندية، حيث كنت قد توقفت عند موسمه الأول مع "زولت فارغيم".
أفضل لاعب في الدوري البلجيكي لعام 2013
في صيف 2013، فضل نادي زولت فارغيم تجديد إعارته لثورغان لموسمٍ آخرٍ (2013-2014)، فلم يخيب اللاعب الشاب، البالغ حينها 20 سنة فقط، آمال المسؤولين، بتسجيله 5 أهداف وتقديمه 5 تمريرات حاسمة في المباريات السبع الأولى للدوري، وأتبعها بتألقات أخرى، ما سمح له بالتتويج بـ"الحذاء الذهبي البلجيكي" لعام 2013، وهي جائزة تمنحها جريدة محلية شهيرة، لأفضل لاعب في الدوري البلجيكي للسنة المدنية وليس للموسم الرياضي.
وأنهى ثورغان هازارد موسمه الثاني مع نادي" زولت فارغيم" بتسجيل 17 هدفاً ومنحه 18 تمريرة حاسمة، في جميع المسابقات المحلية والقارية.
الدوري الألماني بوابته للواجهة الأوروبية
ارتقى ثورغان في الموسم الموالي (2014-2015) لمستوى أعلى بانضمامه لنادي بوروسيا مونشنغلادباخ الألماني على سبيل الإعارة لموسمٍ واحدٍ، فسجل 5 أهداف وصنع 9 أهداف أخرى في 41 مباراة، خاض معظمها كلاعب احتياطي، فطلب مسؤولو النادي الألماني من تشيلسي شراء عقد اللاعب بشكلٍ نهائي، لكن المدير الفني لفريق "البلوز"، البرتغالي جوزيه مورينيو، رفض رفضاً قاطعاً التخلي عن المهاجم البلجيكي الشاب، الذي كان يرى فيه الخليفة الأنسب لشقيقه إيدين، وذلك قبل أن يرضخ أمام إصرار إدارتي تشيلسي ومونشنغلادباخ اللتين اتفقتا على انتقال اللاعب يوم 1 يوليو /تموز 2015، بعقد لمدة 5 سنوات، مقابل 8 ملايين يورو، مع أحقية تشيلسي بإعادة شراء عقد اللاعب.
وقضى ثورغان مع بوروسيا مونشنغلادباخ 5 مواسم كاملة، أبرزها الموسم الخامس (2018-2019) الذي سجل فيه 13 هدفاً وقدم 11 تمريرة حاسمة في 35 مباراة رسمية، قبل أن يرحل نحو نادي بروسيا دورتموند الألماني في صيف 2019 مقابل 25.5 مليون يورو.
لم يتوقف هازارد الأصغر عن التألق في الدوري الألماني، فسجل 7 أهداف وصنع 13 هدفاً آخر في 33 مباراة في موسمه الأول مع دورتموند (2019-2020)، لكنه عانى كثيراً من لعنة الإصابات المتكررة والمتعددة، في النصف الأول من موسمه الثاني (2020-2021)، ما جعله يكتفي بالمشاركة في 25 مباراة فقط في كل المسابقات المحلية والأوروبية، سجل خلالها 4 أهداف وقدم 5 تمريرات حاسمة.
ومنذ تعافيه في أواخر شهر فبراير/شباط الماضي من آخر إصابة عضلية تعرض لها، والتي أبعدته عن الميادين شهرين كاملين، استعاد ثورغان هازارد توهجه تدريجياً مع فريقه الألماني ومع منتخب بلاده.. في انتظار تأكيد ذلك مرة أخرى يوم الجمعة 2 يوليو/تموز 2021، حين يواجه المنتخب البلجيكي نظيره الإيطالي بمدينة ميونيخ الألمانية، لحساب الدور ربع النهائي لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.