ذكرياتي التي لا تُنسى في معرض الكتاب

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/01 الساعة 10:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/01 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش
iStock

يوم الجمعة بعد صلاة الظهر بقليل، أرى أمامي أعمدة مهيبة تنتهي برسم هندسي على شكل زهرة ما، الشمس ساطعة والجو خانق رغم أننا في منتصف شهر يناير/كانون الثاني تقريباً، الزحام يوترني، الناس يتدافعون نحو بوابة سوداء كبيرة، أتشبث بذراع ابنة خالتي، تقول خالتي إن والدتي ذهبت لتحضر التذاكر، أي تذاكر ولماذا نحن هنا أصلاً؟

هذه هي الذكرى الأولى الحية لدي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ذكرى تعود لعام 1999 أو 2000 على أقرب تقدير حسبما أكد شركاء الذكرى، كنت حينها في الرابعة أو الخامسة من عمري، ومنذ ذلك الحين لم أتغيب عن معرض الكتاب في أي عام، اللهم إلا في ثلاث سنوات، سنتان منها بأمر الثانوية العامة والثالثة بأمر الطبيب.

بداية غير مبشرة

في البداية كرهت معرض الكتاب بشدة، زحام وتدافع والكثير الكثير من الكتب، لم أكن أجيد القراءة بعد؛ لذا لم أفقه به شيئاً، كانت والدتي تحضر لي قصص الأطفال والكتب المصورة لكنها لم تثر انتباهي في ذلك الوقت، كنت أكره المدرسة والدراسة وكل ما يمت لها بصلة، لا أفهم لماذا يأخذ الإنسان إجازة من الدراسة؛ ليأتي لمكان به كتب أيضاً؟!

 أستعجل الوقت حتى يأتي الجزء الثاني من الرحلة، كان عادةً ملاهي السندباد الأحب لقلبي وهي ما تصبرني على البداية الصعبة لليوم، ظلت والدتي تأتي بي العام تلو الآخر، تتكدس كتب الأطفال وكتب الكبار عندنا في المنزل، لا أقربها يكفيني الكتب الدراسية المملة المقيتة، إلا أن دخلت دار سفير، سفير كانت سفيري للمعرض، الكثير من كتب التلوين الذي يصل حجم بعضها لنصف حجمي تقريباً، أحببت التلوين بقدر حبي للحياة في حينها، أصبح لزيارة معرض الكتاب معنى.

استمررت على موقفي من القراءة رغم تغير موقفي من الدراسة وأنا في العاشرة من عمري، تحولت في عام واحد من طالبة لا تهتم بالمدرسة وتحصل على درجات منخفضة في كل المواد ماعدا الرياضيات للثالثة على المدرسة بسبب انزعاج والدي من موقف إحدى العاملات بالمدرسة من درجاتي، تغيير دافعه العند وحبي لأبي لا أكثر، ما عدا ذلك فأنا ثابتة على مبادئي الكارتون أولاً والتلوين ثانياً والدراسة ثالثاً، في حينها.

انتبهت في إحدى زيارات المعرض أن والدتي تسأل عن روايات هاري بوتر، سمعت أنها للأطفال، ثُرْتُ عليها ثورة عارمة، لكن والدتي أقنعتني أنها لها وليست لي، وأن ليس عليّ فعل أي شيء لا أرغب حقاً به، هدأت ثورتي رغم تيقني وقتها أن هذه الكتب لي.

الملل الخلاق

صيف عام 2005 كان نقطة تحول بحياتي، كان الملل قد بلغ منّي مبلغه، أقبلت على مجلات الأطفال أحل ألغازها وأقرأ مشاركات القراء الأطفال حتى انهيتها، لم تثرني كتب الأطفال أيضاً، ذهبت لوالدتي متسائلة ماذا أفعل؟

– ما رأيك في أن تكتبي لي ولوالدك رسالة؟

= لكنهم يعيشون معي في نفس المنزل، لماذا أكتب شيئاً أستطيع قوله؟

–          …..

أحسست أني أحرجت والدتي؛ فمضيت أكتب الرسالة، لا أذكر محتواها الآن ولا رد فعلهم عليها ولكنها كانت المرة الأولى التي أكتب بغرض الكتابة، مازال الملل قائماً، أرشدتني والدتي إلى المكتبة –التي كانت في غرفتي، يفصلها جدار واحد عن سريري وأقل من عشرين سم- هيا لنستكشف قلت لنفسي..

أول قراءة

أمسكت الكتاب الأول من سلسلة هاري بوتر –هاري بوتر وحجر الفيلسوف- لم يمر الصيف إلا وقد قرأت الخمسة أجزاء الأولى منه، كان الجزء السادس هو أول كتاب يوضع على قائمتي لمعرض الكتاب في العام التالي –الوحيد على القائمة حينها- إلى ذلك الحين كانت علاقتي بالمعرض محدودة جداً، أصابها بعض الفتور بعد أن انضمت لقائمة كتب أمي كتبي الدراسية للترم الثاني من كل عام أقبلها على مضض، لا أطالب بالمزيد رغم كل التشجيع الذي لقيته.

أما في عام 2008 كنت على قوائم الانتظار لشراء الجزء السابع فوق صدور نسخته المترجمة بالعربية، قرأتها وحزنت أشد الحزن لانتهاء السلسلة، ذهبت لأمي أخبرها أنني على وشك إعادة قراءة السلسلة مرة أخرى، وأني عازمة على عمل دراسة إحصائية لكل ما ذكر بها، دُهشت أمي، قائلة: المكتبة أمامك مليئة بشتى تصنيفات الكتب، انطلقي…

–   رشحي لي كتاباً. 

= استكشفي بنفسك.. هكذا ردت أمي. 

اختيار عشوائي مميز

وقعت يدي على رواية "واحة الغروب" لبهاء طاهر، كان ذلك العام التالي لصدورها، العام الذي حازت به جائزة البوكر لأفضل رواية عربية، عرفت ذلك لاحقاً بالطبع، كبرت في لحظة انتهائي من تلك الرواية، عرفت حقائق كثيرة عن الحياة لأول مرة، صُدمت، شعرت بالاشمئزاز الشديد وحزنت وسعدت أيضاً، كان الرواية مدخل القراءة الحقيقي بالنسبة لي، بعدها أصبح لدي قائمة للمرة، قائمة تطول كل عام ولا تنتهي أبداً.

ظل للمعرض موعد مقدس عندي حتى في أصعب الظروف، أصعبها بالنسبة لي كان…

المعرض رغم الصعاب

عام 2014 سرت شائعة أن هناك قنبلة بمعرض الكتاب، الأوضاع الأمنية كانت مضطربة في مصر لحد كبير، القنابل انتشرت في أماكن كثيرة وتسلى الناس بسيرتها، حينها كنت طالبة بالسنة الأولى بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية –تركتها لاحقاً لصالح الأكاديمية البحرية- خافت جميع زميلاتي من الذهاب خاصة بعدما أثنتهن أمهاتهن عن ذلك، هاتفت أمي وإذا بها تقول: اذهبي لتتأكدي بنفسك، نفذت ما قالته ولم تكن هناك أية قنابل، تجربة المعرض يومها كانت مختلفة، ما زالت أتعجب من موقفي وموقف أمي حتى يومنا هذا، المهم أني تعلمت ألا آخذ بأي شائعة ولا أدع أحداً يثبط من عزيمتي.

وداعاً

اليوم أكتب هذا المقال لأودع المعرض؛ فقد قررت بكامل إرادتي هجر القراءة الورقية لصالح الإلكترونية، بعدما أصبحت كتبي تثقل كاهلي ما بين مساحات التخزين والاهتمام بها وحفظها من الضياع والفقد حينما أتنقل –وكثيراً ما أفعل- وأنقلها معي، اليوم ذهابي للمعرض –إن حدث- سيكون بلا قائمة وبالكثير من الإرادة لئلا أبتاع شيئاً، سيقتصر على الفعاليات الثقافية –إن وجدت- وقلما وجدت في السنوات الأخيرة، إما بسبب جائحة كورونا –هذا العام- أو الأسباب السياسية لأعوام طويلة مضت.

وداعاً يا أحب الأماكن لقلبي، وداعاً يا من مهد لي طريق الوعي على مرارته.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

روان إدريس
مهندسة مصرية
تخرجت في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا قسم الهندسة المدنية عام ٢٠١٩، شاركت في العديد من الأنشطة والفعاليات العلمية والثقافية، منها: مؤتمر الـACI بالولايات المتحدة الأمريكية
تحميل المزيد