حفتر والجنوب.. إعادة استثمار البؤس

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/01 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/01 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
خليفة حفتر / رويترز

طيلة أعوام لم يُذكر اسم الجنوب إلا وذكرت معه قصة معاناة أليمة، وما إن يتأقلم معها الناس حتى تدخل عليها أخرى أشد وطأةً وألماً، أزمات في كل شيء؛ أمنية، معيشية، اجتماعية، حكومية، وسياسية.

لماذا يعيش الجنوب هذه الأوضاع؟

يعد هذا من أبرز الأسئلة الجاهزة للطرح دائماً كلما ذكرت معاناة الجنوب؛ أين الحكومات وأين مسؤولو الجنوب، أين نخب الجنوب، أين مؤسسات المجتمع المدني، أين الأعيان، أين الجهات الأمنية في الجنوب… إلخ؟

الجواب المؤلم

يبقى الجواب الكافي متعدد الجوانب، متعثر الفهم، وعديم الجدوى، إذ إنه ليس سهل التنفيذ إذا تعلق الأمر بإيجاد الحلول بسبب رغبة مروجي الأزمات وتجار الولاءات في استثمار البؤس خدمة للجنرال الباحث عن السلطة في ليبيا بأي ثمن، حفتر الذي مارس على مدى 5 سنوات شتى أنواع الإذلال على سكان الجنوب، وأمعن في خلق مشاكل بينية بين سكانه، وتدخل في كل تفاصيل حياتهم اليومية، وحرص دائماً على أن يبقى كل الناس بحاحة ملحة لفضله المزيف.

ماذا عن الحكام العسكريين الذين نصبهم حكاماً على الجنوب؟

لم ير المواطن البسيط بالجنوب أي دور فعال لكل الجنرالات الذين وضعهم حفتر لضمان الولاءات هناك سوى تجول تلك السيارات المكتوب عليها شعار الجيش المنقذ، وتحمل سلاحاً قديم الصنع يمتطيه رجل مستفز الهيئة سيئ الخلق، وتعلو على وجهه تعابير الفظاظة، وبجانبه مجموعة من الغوغاء يتحدثون لغات غير معهودة، وهم يتجولون بشكل مسرع في بعض الشوارع التي بها محطات وقود خاصة بهم، ولا توزع إلا عليهم أو بعض من تجار السوق السوداء. 

يبدأ سيادة الجنرال الحاكم العسكري للجنوب أغلب أيام حكمه المطلق بالمرور على بعض المقار العسكرية، ويلتقي فيها مجموعة من الناس يحملون صفة شيوخ القبائل كانوا ينتظرونه منذ أيام، يرحب بهم على طريقته الخاصة، ثم يسكت قليلاً ليسمع كلمات مدح وإطراء للقائد العام تشير إلى سداد رأيه وحكمة أفعاله وندرة أمثاله، وأنه صاحب فضل وولي نعمهم.

قبل أن يأتي دوره في الحديث ليؤكد على المؤامرة الكونية التي تحاك ضد الجيش والأمة جمعاء، وينهي كلامه المطول دون مضمون يذكر بضرورة التصدي للأيادي الخفية التي تحاول النيل من عزيمة الجيش الوطني، ومن يقف وراءها، وينهر أحد الشيوخ الذي كان يسأل باستحياء أثناء كلمته المقتضبة عن سبب تأخر وصول شاحنات وقود كان قد قال لهم اللواء منذ فترة إنها في الطريق إليهم ضمن هدايا القائد لأهالي المنطقة بالقول إن هذا الوقت ليس وقت الحديث عن الوقود في ظل انشغال الجيش بتطهير البلاد.

ينتهي الإجماع الذي كان مصوراً وسيذاع في المساء على قناة الجيش، ضمن تقاريرها عن مناشط الجيش وبطولاته في استتاب الأمن، وإنقاذ أهلنا في الجنوب الحبيب من براثن الميليشيات والإرهاب، مع ضرورة ذكر تحسن الوضع، وأن صاحبنا ناقش مع الأعيان آليات تنفيذ مشروع القيادة العامة وتوجهات القائد العام الخاصة برفع المعاناة عن المواطنين.

أما سيادة اللواء فسيغادر المقر بعد الاجتماع بشكل مهيب تتجلى فيه عظمة الجيش العربي الليبي، وفي الطريق يتوقف بشكل مفاجئ على بعض أسواق الخراف، وينزل سيادته بنفسه ليسلم على بائعي المواشي ويسأل عن سعر أحد الخراف السمان منتظراً قول التاجر: أستغفر الله! وكيف أطلب شيئاً من حماة الوطن والعيون الساهرة على أمننا مع ضحكة صفراء من الطرفين تنتهي بأخذ الخروف والمغادرة إلى رمال قريبة بضواحي المدينة.

هكذا يحكم حفتر الجنوب منذ سنوات، أما عمليته العسكرية الأخيرة فهي بالفعل مختلفة عن سابقاتها، فحفتر اليوم يأتي وفي جعبته أهداف عدة يريد تحقيقها عن طريق هذه العملية، وتعد رغبته الجامحة في تشديد قبضته على الدوائر الانتخابية بالجنوب في مقدمة هذه الأهداف. 

بينما يتركز الهدف الثاني في السيطرة على أكبر عدد من الجغرافيا لتعزيز موقفه كلاعب قوي لا يمكن تجاوزه أو تهميش دوره في صياغة ملامح المشهد السياسي القادم في ليبيا، كما أنه يريد إرسال رسائل أخرى محلية ودولية، مفادها أني ما زلت مستعداً لخلط الأوراق وإعادة المشهد لمربع الصفر وهو الاصطفاف العسكري.

أما الهدف الثالث لعملية الجنرال حديث العهد بالهزيمة فهو إرسال رسالة خاصة لدول الجوار، وفي مقدمتها الجزائر التي لطالما شكلت مشكلة حقيقية ومصدر إزعاج لا ينتهي لحفتر وداعميه، وهذه الرسالة ليست من حفتر وحده، بل مدفوعاً من قبل أطراف خارجية لا يعجبها الدور الجزائري الجديد الذي بدأ يتصاعد ويتخذ أشكالاً مختلفة عن السابق، لاسيما إمكانية التدخل العسكري إذا دعت الظروف الجيوسياسية، وهو موقف لم يكن موجوداً في السابق، ويعرف حفتر جيداً كيف كان دور الجزائر أيام تداعي قلاعه جنوب طرابلس، لنعود إلى مشكلة الجنوب ونطرح أسئلة أخرى منطقية للغاية.

أين ممثلو الجنوب؟ 

لقد اعتاد أغلب نواب وممثلي الجنوب الصمت، وقد عرفوا بذلك من قديم الزمان حتى أن بعضهم يترك الجنوب من أول يوم تولى فيه المنصب، ولم ير منه أهل الجنوب أي شيء يذكر حتى مجرد تصريح إعلامي مدته دقيقة واحدة. 

كما أن بعض الوزراء من الجنوب مجرد صورة فقط ليس لديهم أي دور، بل إن وزاراتهم تدار من قبل مديري مكاتب في أحسن الأحوال، كل ذلك بدافع التنصل من المسؤولية والتخفي عن وجوه مواطني الجنوب ومشاكلهم المؤرقة، ومطالبهم المتشابهة، وإن كانت لا تحل ولا يجبر على حلها بالقوة. 

أين أهل الجنوب من كل هذا؟ 

يمكن وصف موقف سكان الجنوب بالغريب، حيث لن تجد لهم أي موقف موحد وقوي كردة فعل على ما يحصل لهم من الحكومات المتعاقبة، التي جعلت المنطقة الجنوبية أكبر منطقة تدفع ثمن الحروب التي تحصل في ليبيا منذ عقد من الزمان.

هل استسلم المواطن في الجنوب استسلاماً كاملاً للظروف القاسية التي تسببت فيها الحكومة؟ وظلم الجغرافيا وقساوة الطبيعة والتخلف الإداري المتجذر على مدى عقود في البلاد. ناهيك عن الحصانة المفرطة للمسؤول الليبي، الذي لا يحاسب ولا يعزل ولا يستشار، بل يتحول من متحمل للأمانة إلى متسلط لا يقبل ذكر اسمه إلا بالشكر الجزيل والبقاء الطويل في المنصب الذي أصبح هبة من الله لا يغادرها إلا إلى القبور.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

موسى تيهوساي
صحفي وكاتب ليبي
صحفي وكاتب ليبي
تحميل المزيد