في صباح آخر أيام سبتمبر/أيلول من عام 2020، وبينما العالم في حزن من الوباء كان الحزن والخوف والقلق ضعفين أو أكثر في أروقة القلعة الحمراء، حين استيقظت جماهير الأهلي على كارثة استقالة المدرب الواعد رينيه فايلر قبل دور نصف النهائي أمام الوداد المغربي؛ فبعد حلم دام لأشهر بأداء وفريق أعطى الأمل كان أصعب إحساس مرّ بالجماهير هو أن تسحب منهم هذا الأمل شيئاً فشيئاً.
ولكن مثل الأبطال الخارقين في أفلام "والت ديزني" ظهر الموس هيرو، أو كما يقال بيتسو موسيماني، وبهدوئه الماكر جاء ليقلب القارة السمراء رأساً على عقب؛ ليصنع جيلاً أخذ على عاتقه إعادة الأمجاد وكتابة التاريخ وتسطير عهد ذهبي جديد في سطور التاريخ الكروي للمارد الأحمر.
يدخل لاعبو الخصم بشعار إسقاط الفرعون بين أسوار عاصمته، ولكن ينسون أن في كل زاوية من زوايا القاهرة توجد بقايا أرواح حاولت إسقاطه من قبل ولكن كانت هذه المحاولات شهادة وفاتها وإرسالها لمثواها الأخير.
موسيماني ورحلة البحث عن المجد
وبعد مرور ما يقارب التسعة أشهر أحرز موسيماني التاسعة، التي كانت غائبة عن دولاب النادي لـ7 سنوات عجاف، ولكنه لا يريد الانتصار فقط، بل يريد المجد، "عايز أكتب معاك تاريخ" كما قالها لقفشة لاعب النادي الأهلي.
هذا البيتسو من بلاد جنوب إفريقيا لا يبحث عن الوظيفة أو الحفاظ عليها بل يبحث عن التاريخ. فوزك في نصف نهائي بطولة مستعصية على النادي الأحمر وعاندت دولاب بطولات الأهلي لأعوام كثيرة بكل هذه الثقة للعام الثاني على التوالي؟ هذا بالطبع ليس عادياً.
أن تفوز على الوداد المغربي والترجي التونسي ذهاباً وإياباً في عامين متتاليين ليس شيئاً يمكن حصوله كل يوم أمام أندية النخبة في قارة إفريقيا. لا أحد يدري ماذا يفعل هذا الموسيماني داخل غرفة ملابس اللاعبين فيحول جيلاً من اللاعبين توقع البعض ضعف شخصيتهم وأنهم أقل من النادي إلى "شياطين حمر" داخل الملعب.
شخصية المارد الأحمر
من الأمور التي رسخها بيتسو للجماهير ومن المفاهيم التي قام بتغييرها هو مبدأ ترابط اللعب مع الشخصية والروح بشرط وجود المدرب المحلي فقط، فكسر تلك العادة جوزيه، برتغاليّ الجنسية أهلاويّ الهوية، وكان الاستثناء الوحيد ربما، لكن الجنوب إفريقيّ ها هو يقول كلمته أيضاً.
فرفض تدريب منتخب بلاده من أجل البقاء وإذاقة فرق القارة كل أنواع المعاناة، ولإعادة هيبة النادي الأهلي، هذا لا يفعله شخص يقال عنه أجنبي. فمنذ زمن طويل لم نشاهد الأهلي يعود في المباراة بسهولة حتى مع سوء البداية، فيمكن للمباراة أن تبدأ بدون تواجد لاعبي الأهلي ولكن سرعان ما يتحكم الداهية الإفريقيّ بالملعب بعد أن يستردّ أملاً مزيفاً أعطاه للخصم.
"لقد أيقظتم غضب المارد -الجحيم-". هكذا رفعت جماهير النادي الأهلي لافتة في مباراة العودة أمام صنداونز بعد المباراة الشهيرة بخسارة الفريق بخمسة أهداف بلا مقابل.
ربما سخر منها البعض، استهزءوا، والبعض تعاطفوا مع توقعات بسقوط للأهلي لن يستطيع القيام منه إلا بعد سنين طويلة. ولكن كانت تلك أشبه بكلمة السر بين جماهير الأهلي وموسيماني مدرب الخصم حينها، نفس ذلك المدرب الذي كان يرتدي بدلة صنداونز ولكنه ممسك بهاتفه ويقوم بتصوير جماهير الأهلي وهي تساند فريقها أمامه. فتدور الدائرة ليكون قبطان سفينة العذاب الأهلاوية التي ما زالت تلحق الأضرار بكافة المحطات التي نزلت بها مهما كبرت أسماؤها.
الكرة التي تحب الأهلي.. لأنه يحبها
قد نتكلم عن بعض الأخطاء، لا بأس، تفاصيل ربما لم تكن مثالية بعض اللاعبين ليسوا في المستوى. ولكن هل هذا يجعلك تعطي كل الثناء للتوفيق وتتناسى جهود الكتيبة؟ ربما تكون محقاً، الكرة حقاً تحب موسيماني وتحب الأهلي؛ هكذا دائماً يقول المنافسون. ولكن الكرة تحب من يحبها وتعطي كل مجتهد. نعم النادي الأهلي ليس النادي المثالي الآن ويوجد بعض الثغرات في عدة مراكز، ولكن هل يمكنك الاعتراض على أنه الأفضل حالياً في القارة؟
المحطة القادمة
ما زالت هناك محطة أخيرة إذا استطاع موسيماني تجاوزها إلى بر العاشرة بعد 10 شهور مع الأهلي سيخلد هو وأبناؤه في مجلدات التاريخ في مكتبة النادي بالجزيرة.
محطة قد يراها البعض سهلة أو بتقدير آخر كان هناك أصعب منها، لكنها مليئة بالفخاخ والألغام، ففريق كايزر تشيفز ليس بالفريق السهل وإن كان مغموراً، فريق يعتمد على المفاجآت بطريقة لعب تمتاز بالمرتدات والدفاع المستميت. ولكن مع وجود مواطنهم على الدكة فهذا يعطي أملاً وثقة للجمهور في ناديه ومدربه.
"يعرف كيف يفوز بالمباريات".. هكذا قال بيتسو عن مدرب كايزر تشيفز فهذا إن دل على شيء فيدل على احترام كبير للفريق ووضع كل الاحتمالات والتجهيز الجيد لثاني نهائي له مع الأهلي. فكم مدرب للنادي الأهلي أو حتى في إفريقيا استطاع الدخول لنهائي إفريقي ثانٍ على التوالي في ظرف 10 شهور فقط؟!
فقد أسند البعض لفايلر الفضل في البطولة الماضية وأن ما فعله الجنوب إفريقي كان اعتماداً على ما تركه رينيه، ولكن هذه المرة هو إرث موسيماني فقط، إرث البافانا بافانا، ولكن بالقميص الأحمر الذي ينتظر النجمة العاشرة لتزينه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.