حتى الساعة، لم يصدر أي رد من حزب الله على "استئمان" باسيل السيد نصرالله على المسيحيين في لبنان، كما لم تقُم حركة أمل بأية ردة فعل على اتهام باسيل لـ"نبيهها"، بأنه لا يملك "مبادرة حكومية"، وأنه "طرف، وشخصية غير نزيهة".
يدرك باسيل الذي تقصّد "إحراج" نصرالله في كلامه، أنّ الحزب ليس في وارد الرد، وأنّه في حال اتخذت "مؤسسة حزب الله" قراراً بالرد، فإن فحواه لن تنزل برداً وسلاماً عليه، لاعتبارات كثيرة تختلط فيها التوازنات الطائفية، بالشواهد التاريخية والتجارب الكثيرة المريرة مع باسيل نفسه، والحرص الدائم على إطالة أمد الاستقرار الداخلي.
وبطبيعة الحال، الحزب لن يُحرج، فخياراته الداخلية واضحة وهواجسه كذلك: "وحدة الصف الشيعي، وتحصين الساحة الإسلامية لمنع الفتنة السنية الشيعية"، وتقتضي الأولى عدم سحب التفويض من الرئيس بري بالملف الحكومي؛ وبالتالي استمرار مبادرته التي يؤكد أن الكل وافق عليها باستثناء باسيل، والثانية التمسك بتكليف الحريري الممثل الأول للسنة، بما يعنيه ذلك من غطاء له للمضي قدماً بخياراته التأليفية، وليس الاعتذار حتماً.
وإن كان باسيل بطلب تدخل نصرالله يهدف إلى جرِّ الأخير لموقف حكومي واضح، فإن هذا الموقف عبّر عنه الحزب على لسان النائب حسن فضل الله قبل ساعات من كلام باسيل بالقول إن "الاتّفاق على تشكيل الحكومة يكون بين عون والحريري"، معتبراً ذلك "مدخلاً إلزاميّاً للحلّ"، مؤكّداً "أنّنا بذلنا جهداً كبيراً في هذا السياق، والجلسات التي كانت تُعقد بعيداً عن الإعلام أكثر بكثير من تلك المُعلنة، ولم نترك وسيلة أو اقتراحاً لتقريب المسافات إلا قدّمناهما".
وهو بذلك يقول لباسيل: "الحل ليس لدينا إنما لديكم ولدى الرئيس المكلف، فاذهبوا وفاوضوه واتفقوا معه، والحريري هو الرئيس المكلف ولا رئيس مكلفاً سواه".
وهو بهذا كمن يحيله، إلى بيانات عمه في بعبدا التي تشدد على أهمية الرجوع إلى النصوص الدستورية في عملية التأليف، وهي التي تتجاوزها عبر أعراف الرئيس ومطالب باسيل كل يوم.
لذا من المتوقع أن يذهب كلام باسيل أدراج الرياح، وأن لا يتم التعامل معه من باب الجدية السياسية؛ لأنه يأتي في توقيت حسم الجميع فيه أن لا مبادرة قائمة للمساعدة في التأليف إلا مبادرة "عين التينة"، بالتالي لا حل إلا من ضمنها وقد يكون الأخير، وإلا لا حكومة في المدى المنظور.
ولعّل أغرب ما يمكن الإشارة إليه في كلام باسيل، هو هذا التسليم والانهزام والخضوع لحزب الله طمعاً بمناصب شخصية ومصالح حزبية، تحت حجة "حقوق المسيحيين"، فأي عاقل يصدّق أن حقوق المسيحيين تُصان بتثبيت اتفاق "مار مخايل"؟ وأي مسيحي ساذج يمكنه أن يقتنع أن وجوده في هذه الأرض لا يكون إلا بمبايعة وكيل الحوزة الإيرانية في لبنان؟ وهل يمكن أن يؤخذ على محمل الجد الكلام الذي يروّج له التيار الوطني الحر بأن الحضور المسيحي في لبنان مرهون بتعزيز حلف الأقليات الذي يضمن على قولة بشار الأسد بقاء سدة الرئاسة اللبنانية للمسيحيين ولو بقي واحد منهم فقط فيها؟
وكيف للفاسد، الذي يقف سداً منيعاً بوجه الإصلاح والذي لا يجاري الحلفاء بمكافحة اللصوصية، على حد وصف نواب وقياديي التيار الوطني للحر، أن يستأمن على الحقوق؟
لا شك أن باسيل يعيش أياماً صعبة، عقوبات خارجية، وانهيار التسوية داخلياً، وثورة شعب يراه سبب الانهيار الأول، وهو فوق ذلك يخسر الحليف تلو الآخر، ويهجر بعض النواب طاولة تكتله، وزاد انفجار المرفأ في انفضاض المسيحيين من حوله، والانتخابات على الأبواب بشقيها الرئاسي والتشريعي، فكيف يمكن بغير الخطاب الطائفي وإظهار المظلومية وتصوير نفسه على أنه أسد المسيحيين وحامي عرينهم، استرداد بعض النقاط وتعويض جزء من الخسارة؟!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.