أبنائي والكارت السحري.. كيف تعلم أولادك الادخار؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/24 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/24 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
iStock

كان أبنائي يعتقدون أني أملك كارتاً سحرياً وهو كارت البنك، وأني عندما أريد مالاً أذهب إلى البنك فيعطونني ما أريد، فهمت ذلك عندما رد ابني الصغير قائلاً: هل انتهت أموال البنك؟ عندما أخبرته بأن المال المتبقى لهذا الشهر لا يسمح بشراء اللعبة التي يريدها. يسألني الآخر أين يذهب راتب أبي؟ في الوقت ذاته كانوا لا يهتمون بأدواتهم المدرسية ولا أشيائهم الخاصة، فالبنك أمواله لا تنتهي وهذا الكارت السحري سيشتري لهم أدوات أخرى، ومن ثم قررت أن نتعلم سوياً كيفية التعامل مع المال والموارد، وحددت عدة خطوات نطبقها عدة أشهر، ومن ثم ننتقل إلى غيرها. 

القاعدة الأولى: ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة

في البداية قررت أن أعطيهم مصروفاً ثابتاً كل أسبوع، فرحوا جداً واشتروا حلوى به كله، في الوقت ذاته كانوا مهملين جداً في أدواتهم وغير مبالين إن كُسرت أو ضاعت، فالكارت السحري ذو كلمة السر يمكننا شراء كل شيء به، وبدلاً من الحفاظ على أدواتهم كانوا يحاولون معرفة كلمة السر!  مرت بضعة أسابيع فقلت لهم إنهم يملكون الآن دخلاً ثابتاً يمكنهم من شراء الأدوات المدرسية بدلاً من تلك التي ضاعت أو كسرت نتيجة إهمالهم، لم يصدقوا وقتها أني سأنفذ ذلك القرار، وأنهم يمكنهم استعطافي بالدموع والقبلات، لكني خيبت ظنهم بإصرار، فكان عليهم أن يدفعوا للشراء أو يُوبخوا في المدرسة في اليوم التالي، بعد فترة حرصوا على أدواتهم وأدركوا أنهم سيحرمون جزءاً من الاستمتاع بمصروفهم إذا أهملوا، لكن لاحظت أنهم لا يدركون قيمة المال وأنه إذا اضطررنا لشراء شيء ضيعناه نأخذ مالاً غيره بعد بضعة أيام، فقررت أن المصروف الثابت هو ما يحتاجونه إذا اضطروا لركوب المواصلات أو شيء ضروري، وأنهم إذا أرادوا زيادة فعليهم الحصول على نقاط مقابل قيامهم ببعض المهام التي لا يحبونها، أو عندما أريد تأسيس عادة ما أو المواظبة على عبادة مثل تعلم الصلاة أو القراءة باللغة العربية، وحل الواجبات الإضافية غير الإلزامية، وغيرها مما نتفق عليه. في الصورة التالية مثال مشابه للجدول الخاص بنا. في العادات والعبادات لا يتغير البند في الجدول قبل مرور ٤٠ يوماً على تطبيق العادة دون انقطاع وإذا انقطعت خلال المدة ولو مرة واحدة يتطلب منهم إعادة الأربعين يوماً من البداية للحصول على المكافأة. النقاط تتحول إلى مكافأة مادية أو مزايا أخرى كاختيار وجبة اليوم أو اختيار مكان للتنزه في العطلة الأسبوعية، وأشياء أخرى مماثلة.

استخدمت تلك الطريقة لأني أردت تعليمهم أن المال لا يأتي بسهولة، ومن جانب آخر تعتبر تحفيزاً لهم، فكلما اجتهدوا في تجميع النقاط يحصلون على مال أكثر. أيضاً ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة، فعندما يبذلون جهدهم للحصول على المال بدأوا يفكرون كثيراً قبل أن يقرروا شراء حلوى أو أي شيء آخر ليس ذا أهمية أو أولوية. بالطبع نلبي كوالدين حاجاتهم الأساسية، لكن في حال أهملوا أو أرادوا شراء شيء غير مخطط له فعليهم أن يوفروا ثمنه بأنفسهم، فقط ليشعروا بقيمته. 

يقول البعض إن التحفيز المادي ربما يقلل التحفيز الذاتي للطفل، لكن بشكل عام يستطيع كل ولي أمر أن يقيم أثر تلك الطريقة أو تلك على أطفاله وأنا أؤمن بأنه لا توجد قواعد مطلقة تصلح أو تفسد أبناءنا، وأن هناك استثناءات، وهناك حدسنا كآباء وأمهات ومعرفتنا الجيدة بأبنائنا هي التي يبنى عليها قراراتنا وخططنا.

القاعدة الثانية: لا نشتري ما نشتهيه ولكن ما نحتاجه

كنت اصطحب أحد أبنائي معي عند التسوق، أطلب منه قبل الذهاب كتابة قائمة بالأشياء المطلوبة، في البداية كنت أقوم بسحب النقود وأتعمد عدم الدفع بالكارت البنكي، أخبره/ا تحديداً كم أملك للشراء ثم ندخل للشراء، في العادة كانوا يرون أشياء كثيرة يريدون شراءها حلوى وألعاباً وغيرها، كنت أسأل سؤالاً واحداً كل مرة: هل حقاً نحتاجها؟ إذا كانت الإجابة بلا يعيدها إلى مكانها مرة أخرى، إذا كانت نعم أسأله هل يمكن تأجيلها إذا كانت الإجابة بنعم، يرجعها إلى الرفّ، أما إذا كانت نعم فأسأله هل نملك المال الكافي حالياً لشرائها وهل يمكننا الاستغناء عن شيء من قائمة المشتريات الأساسية.. بالطبع يمكنني أن أشتريها لكن أريدهم أن يتعلموا أننا لا نشتري كل ما نريده ولكن كل ما نحتاجه حتى لو كنا نملك ثمنه. 

حالياً أرسلهم بمفردهم للتسوق السريع بعض الأحيان، فيخبرونني عند عودتهم بأنهم كانوا يودون شراء بعض الأشياء الأخرى لكنهم قرروا عدم الشراء لأنها ليست أولوية. 

القاعدة الثالثة: الادخار 

منذ بدأت إعطاءهم المصروف، حاولت أن أعلمهم الادخار وذلك بسؤال كل واحد منهم عن شيء يريد امتلاكه، ذكر كل واحد منهم عدة أشياء، اخترنا أشياء تكون أثمانها متوسطة ليست رخيصة جداً فلا يتعلمون معنى الصبر واجتزاء جزء من المصروف للحصول على شيء أكثر قيمة لاحقاً، ولا غالية يشعرهم بالملل والإحباط، نختار شيئاً يمكن شراؤه بعد شهر أو شهرين على الأكثر من الادخار. وكان لها أثر طيب آخر فعندما يسعون إلى امتلاك شيءٍ ما ويؤخرون رغبتهم في الاستمتاع السريع بالمال يحافظون جداً عليه ويعتنون به عند الحصول عليه.

القاعدة الرابعة: العطاء 

عندما يبذلون الجهد لادخار المال، ويزيد رصيده المرئي في حافظة النقود يزداد حبهم للمال، خفت أن يمنعهم هذا الحب والتعلق الفطري بالأشياء المادية عن العطاء، فأخبرتهم بأنه في يوم ميلاد أحد أفراد أسرتنا سيدفع الجميع جزءاً من ماله لشراء هدية له، كذلك لأصدقائهم المقربين. 

خلال الشهرين القادمين انتويت إنشاء صندوقين أحدهما  للمشاركة في أحد المشاريع الخيرية من بناء مستشفيات أو غيرها من دعم إحدى المؤسسات الخيرية مثل مستشفى أطفال مرسال، شعور أن تدعم مشروع وتتابع أخباره ويكون لك أثر في بنائه وانتفاع آخرين فيه يرغب المرء في عمل الخير، والتفكير بالغير، وأن علينا واجبات تجاه الإنسانية، حيث حيث نعيش أو في أوطاننا الأصلية. والصندوق الآخر لشراء أشياء في البيت من قطع أثاث صغيرة أو أشياء أخرى نتفق عليها سوياً. المشاركة في شراء قطع أثاث ولو كانت رخيصة، والتفكير سوياً ماذا يحتاج بيتنا ليصبح أجمل، أو أكثر ترتيباً، أين نضع تلك القطعة، ومن أين نشتريها وكيف سنحملها للمنزل، تفاصيل صغيرة لكنها تصنع روحاً لتلك القطع وذاكرة لها في أنفسهم ولو كان الشيء المُشترى إصيص زهور، يسقونها وتكبر أمام أعينهم. 

ربما سيختلف بعض القراء معي في تلك الطريقة، لكننا تربينا في مجتمع يقول: الفلوس مش كل حاجة، لكن عندما كبرنا رأينا أن المال مهم لكل حاجة! عندها قررت أن أعلمهم كيف يمتلكون المال ولا يمتلكهم، أن يكون المال في أيديهم وليس في قلوبهم. التعب لكسب بعض المال والمحافظة على الممتلكات وتقدير الجهد وترتيب الأولويات، كلها أمور تتعلم من الصغر. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء بركات
طبيبة أسنان مقيمة في ألمانيا
أسماء بركات، أم لثلاثة أطفال، طبيبة أسنان، مدونة ومهتمة بحالة حقوق الإنسان والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم، مقيمة في ألمانيا.
تحميل المزيد