في ظل الحديث عن قضية الاغتصاب الزوجي توقفت قليلاً أتساءل، كيف تقوم حياة زوجية على علاقة مثل ما يردده البعض من تبادل منافع بشكل حيواني لا يمت للإنسانية بشيء!
الفساد يعم بيوتنا لأفكار فاسدة متفشية، فهنا تجد مَن يظن نفسه رجلاً يقول لك حقي أن أغتصبها إن امتنعت، فلا يسأل نفسه لماذا قد تمتنع؟ هل قدَّم لها قبل أن يطلبها، هل غذَّاها عاطفياً قبل أن يطلبها جسدياً، هل رفق بها؟ فان امتنعت وهو قد فعل كل هذا فكيف تستمر علاقتهما الزوجية في ظل كل هذا النشوز والإعراض دون حل السبب الرئيسي للمشكلة؟!
كلنا نعرف حديث المرأة عن ظلمها ووقوعها ضحيةً في قضية الاغتصاب الزوجي، وبالتأكيد صادفك هذه الأيام منشورات كثيرة وكلام طويل عن الأمر من زاوية النساء، لكن ماذا عن زاوية الرجل؟ في هذا المقال سنتكلم أكثر عن الرجال "المظلومين".
تمنُّع المرأة
قولاً واحداً، إن امتنعت المرأة فإما تمتنع لأنها:
– لا تجد منه عاطفة.
– أو تمتنع لعِلةٍ، وهذا خارج السياق، فواجب الرفق حينها والصبر عليها حتى تعود لمقدرتها مرة أخرى.
– وإما تمتنع جهلاً منها لرغبة دفينة في السيطرة!
وفي الأحوال الثلاثة لا مبرر لغصبها على العلاقة الجنسية، فعنفه هذا سيحاسب عليه أمام الله، وواجب عليه العمل على الإصلاح بدلاً من العنف المؤذي الذي يحتاج علاجاً أعمق لهذا الفكر!
ولكن في سياق تفكيري في تلك الهزلية تذكرت نوعية النساء اللواتي يأتين بسلوكيات جاهلة في سبيل الوصول لمبتغاهن بالسيطرة الدفينة المؤذية.
رؤية الجبابرة من الرجال كمثل من يغصب زوجته إن امتنعت يجعلني أتذكر فئة من الرجال أخرى، فئة مستضعفة ولا تنطق.
أسمِعتَ عن قهر الرجال؟!
تعوَّدنا أن نسمع صراخ النساء عن أنهن مقهورات في بيوت أزواجهن، ولكن هل تعلمون أن كثيراً من الرجال أيضاً يعانون من قهر الزوجة، ولكن الرجل بطبعه لا يشكو، ولا يُظهر ضعفه، فتظل تلك المشكلة طيَّ الكتمان، وتزدادُ ضغوطُ النساء عليهم، ويتكسبون بالضغط على الرجل أراضي من احتياجهن.
ولماذا يرضخ الرجل؟ قد يرضخ الرجل لأن حس المسؤولية عنده مرتفع جداً، ويظن أن من قوامته الصبر عليها. ضع على هذا شعوره بقوامته على البيت، التي تجعله يريد الاحتفاظ به قائماً لكي ينعم أولاده بالاستقرار، والكثير بداخله حب كبير ورؤية لفضل العشرة فيصبرون.
كيف تضغط المرأة على زوجها؟
تمتنع عن الاهتمام به، تمتنع عن العلاقة الحميمية، تمتنع عنه شرط أن يكون لها كما تريد! عقاب مؤذٍ. وأنا أدرك هذا جيداً بسبب عملي المقرب من النساء، إذ تظن البعض منهن أنها إن كانت سكناً للرجل، وإن كانت طوعه حين يشتهي معها علاقة حميمية، فإن الرجل لن يعطيها ما تريد.
وتزيد هذه الحلقة المفزعة حين يرضخ الرجل، لأنه إن وقف أمامها ستشتعل الدنيا ولن تهدأ، وإن حاول الحديث معها فلا تتحدث، هي فقط تزداد نكداً وحرباً.
فلكَي يُقوّمها يجب عليه أن يركن لأساليب تقويم الناشز، من هجر في المضجع إلى آخره، حينها ماذا تظهر المرأة منه؟ تبكي وتشتكي هذا الرجل الظالم الذي يهجرها ولا يعطيها حقوقها، ومن هنا ندرك أن الرجل ليس ظالماً في القصة دوماً، بل كثير منهم مظلومون.
أرى هؤلاء الذين يتحدثون من خارج المشهد ببرودة، ويقولون "ما يسيبها"، وكم يكون الحكم من الخارج أسهل من معايشة النار، أتدري أن هناك حروباً نفسية تُدار في كواليس المشهد؟
أتدري أنها تسلط عليه عيوبه دوماً، فتُشعره بالنقص، وتجعله يظن أنه لا يقوم بواجباته كما ينبغي أو لدقة اللفظ كما هي تريد، أتدري أنها تُحكم سيطرتها عليه بتهديد بيته دوماً وإشعاره أن كل ما يعمل من أجله سينتهي وأنه الملام؟
ابتزاز عاطفي رهيب يؤدي إلى انحراف بعض الرجال عن الجادة والركون للصمت، لكي يحافظ على بيته الهش كبيت العنكبوت، وهو لا يعلم أنه يمر بكل هذا، فقط يرى امرأة ترفضه وتتمنع عنه "عشان مش طايقاه"، "عشان وحش"، "عشان مقصر"!
هؤلاء النساء لا يعرفن أنهن يقمن بكل هذا، تلك المرأة قد تكون نرجسية تشعر باستحقاق عالٍ لطلباتها، وقد تكون شديدة الاعتمادية فتشعر بأن طلباتها يجب أن تجاب، ويجب أن تحاصر زوجها كالطفلة لكي تشعر بالأمان.
فما الحل؟
وفي الحالتين لكي تنكسر دائرة الأذى المتبادل يجب أن يتوقف الرجل وأن يرى حقيقة الأمر، أساليبها خاطئة في الوصول لما تريد، وقوامته تحتم عليه أن يطلب منها اللجوء لدعم نفسي يساعدها على استعادة شعورها بالمسؤولية، وتتعلم فيه كيف تطالب بحقها، وكيف تحمي حدودها دون أذى له.
ويجب ألا يرضخ، ولا يخشى أن يقول لها لا، بهدوء شديد، كثيراً ما يكون نصرة مَن نحب بأن نمتنع عن تلبية احتياجاتهم بأساليبهم المؤذية.
المرأة سكن للرجل، والرجل قوام عليها، إن وجدت بيتك ساحة للحرب وليس سكناً، فلتتوقف قليلاً وتعيده لما ينبغي أن يكون عليه.
توقف عن الهروب، والصمت، توقف عن تبنّي كراهيتك لنفسك مرآة لما تفعل بك، قوّمها بالحكمة والموعظة الحسنة، تحدث بلغة تفهمها.
ودوماً تذكَّر قوله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا".
تقويمك لها يجب أن يكون أمام شاهد ترتضيه أنت وهي، وأن تجدد نيتك لإرادة الإصلاح وليس للانتقام أو الرضوخ والاستسلام.
من يريد الإصلاح يصلحه الله، فاستعن بالله ولا تعجز.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.