انتشر في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل وفي الأحاديث اليومية مصطلح "العلاقات المؤذية"، ولكن مع تكرار استخدامه دون فهم عميق للمعنى أصبح مصطلحاً مطاطاً تلفظه الألسنة لتُعَنون به أي علاقة بها أية مشاكل؛ فتنتشر النصائح أن تبتعد عن كل ما هو مؤذٍ وأن تنفصل عن أي علاقة بها شبهة الأذى دون التأكد تماماً من سمات تلك العلاقة والتأكد من طبيعة شخصية الطرف المقابل.
وقد أبدع الدكتور عماد رشاد عثمان في تعريفنا بالتفصيل على العلاقات المؤذية وكيفية الخروج منها في كتابه "أحببت وغداً"، فقال إن العلاقات المؤذية قد تكون الأسهل في التعرف عليها رغم أنها بلا شك الأصعب في التخلص منها، وأن من يرضى البقاء في علاقة مؤذية يصعب عليه تركها؛ لأن بوجوده في تلك العلاقة إنما هو يسعى لتخفيف شعور عدم الأمان بداخله وتهدئة شعوره بالخوف من الوحدة وفوبيا الفقد والفراق فيستمر في البذل والعطاء وتحمل الانتهاك النفسي، في محاولات مرهقة للحصول على ضمانات البقاء والاستقرار وعدم الهجر من الطرف الآخر، فيظل يبحث عن حبيب يدخله متحف خيباته ويتجول به في سراديب ندوبه ويُطلعه على ملفات أوجاعه ظنّاً منه أنه سيبددها جميعاً، ليفاجَأ بذلك الحبيب يمنحه نصباً تذكارياً لخيبة أضخم، تحمل اسمه ويهديه وجيعته الأقسى وندبته الأعمق، فمن يزرع الوهم يحصد الخذلان.
ويقوم الطرف المؤذي في العلاقة بدور الضحية ويضع نفسه في قالبِ مسلوب الحق والمظلوم والشهيد، ويلقي باللوم والأخطاء على الطرف الآخر، وحتى لو اعترف بخطئه فسيبرر أن خطأه كان رد فعل لما فعله الطرف الآخر و"يقلب الطاولة" ضده بمنتهى البراعة، بل قد يجعله يعتذر له في النهاية.
كيف تعرف أنك في علاقة مؤذية؟
وأضاف الدكتور عماد أن من أهم سمات العلاقة المؤذية هو الانفصال المتكرر؛ حيث إن تكرار الانفصال هو بوابة تدمير العلاقات، وعلى المرء أن لا يأمن لكل من يعود ليعتذر ويجدد عهد الهوى؛ فقد يكون عائداً لأحد هذه الأسباب:
– ليحصل على جرعة من الدعم النفسي والحب.
– أو بعد ارتباطه بطرف آخر فيأتي ليشكو عدم انسجامه معه.
– أو يعود بعد انفصاله عن طرف آخر ليسكِّن ألم الفراق عبر تجديد علاقتكما سوياً وأن من رحل ثم يعود مكرراً كلامه المعتاد أن علاقته بك تختلف عن أي علاقة أخرى.
– حبنا لا يخضع للحسابات ولا القواعد.
– "مكانك مفيش حد يملاه أبداً".
وفي الحقيقة كل ما سبق ليست إلا طرقاً لاستنزاف طاقتك النفسية والتيقن من وجودك وحبك وإخلاصك، ثم يرحل مرة أخرى، فمن اعتاد الرحيل ثم اعتاد القبول عندما يعود يسهل عليه الرحيل دائماً.
ما الحل؟
فإذا وجدت أنك في علاقة مؤذية فعليك أن:
– تتوقف عن خداع ذاتك بالبحث عن نفع خفي أو رجاء مستقبل مختلف.
– لا تقنع نفسك بفتات الحب البارد الذي لا يسمن روحاً أنهكها الانتظار.
– لا تبقى في العلاقة؛ لأنك فقط تخشى وجع الفراق.
– لا تمكث لأنك اعتدت الجوار والصحبة.
– لا تنتظر فقط لأنك لا تتحمل الوحدة.
– لا تشوه روحك بالبقاء في علاقة تؤذيك.
مرحلة التعافي
ثم في مرحلة التعافي من العلاقات المؤذية على المتعافي أن يحتفظ في جيبه بورقة فيها وجعه وخيباته من الشخص المؤذي لأننا ننسى، والمؤذي قادر على إعادتنا للوهم بالوعود.
وينصح الكاتبُ المتعافيَ أن يكتب تلك الورقة ويعيد قراءتها مراراً وتكراراً خصوصاً إذا شعر بالاشتياق لتلك العلاقة أو إذا ظهر الطرف المؤذي للاقتراب مرة ثانية، حتى لا ينخدع المرء مجدداً ويعود إلى تلك المعاناة مرة أخرى، على أمل أن يتغير الطرف الآخر ويعرف قيمته والظن بأنه من المستحيل أن يكرر الأذى.
وإن من أهم عوامل نجاح التعافي هو الامتنان؛ أن يمتن المرء لله وأن يمتن لنفسه على كل يوم يمر عليه دون أن يكون في تلك العلاقة المؤذية، فكل يوم بدون المؤذي هو يوم ناجح وجيد وعظيم.
وإن انتصار المؤذي عليك ليس بأن يكون خذلك أو تركك بطريقة مهينة إنما يتمثل انتصاره في إبقائك منغمساً في مستنقعه سواء في وجوده أو رحيله.
فليثق المرء بأن له رباً كريماً لا تسقط عنده الجرائم بالتقادم ولا يسعى لتحقيق أي انتقامات أو انتصارات زائفة، وأن العدالة في النهاية التي يستحقها ستتحقق عندما يستعيد حياته بتجاوز تلك العلاقة وتجاوز ذلك الطرف المؤذي. وعلى المرء أن يتذكر دوماً أنه "لا غد مع الوغد".
من الجهة المقابلة، فإن المؤذي يعود للمرة الأخيرة حين يجد نفسه قد تم تجاوزه بسهولة، حين يتم نسيانه كأنه لم يكن، يعود ليطمئن على موقعه في نفسك كأيقونة وحفرية للعشق، يعود حين يخشى أن تتم إزاحته من موقعه في أعمق منطقة من ذاتك، والتي يحاول البقاء فيها رغم رحيله، لكنه حين يأتي سيفاجأ أخيراً بأنه لا مكان له، ويعود أدراجه، لأنك فهمت أنه "لا غد مع الوغد".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.