كل شيء بدأ حين بكى مارادونا في الأولمبيكو، حدث ذلك عام 1990، في نهائي كأس العالم أمام ألمانيا.
صحيح أن الأرجنتين حققت لقبي كوبا عامي 1991 و1993، وحصدت أيضاً ميدالية ذهبية في بكين عام 2008، إلا أن هناك لغزاً، هناك تفاصيل لا أحد يعرف لماذا تحدث مع الأرجنتين تحديداً.
خسرت الأرجنتين أمام الدنمارك في نهائي كأس الملك فهد، بهدفين دون رد، وبدا الأمر عادياً حينها. في بيرو، أضاف سيزار ديلجادو، الهدف الثاني في مرمى البرازيل، في نهائي كوبا أمريكا عام 2004، طعن به البرازيل، خاصة أنه في الدقيقة 87. وبدأت الأفراح في كل شبر بالأرجنتين، لقد ظن الجميع أن البرازيل قد ماتت حيث هي، وعلى الشاشات كان الشعب الأرجنتيني يستعد لأن يعانق أهل الذهب.
لا أحد يعرف، من أين أتى أدريانو، وكيف سدد، ومتى وصلت المباراة لركلات الترجيح، أدريانو أوقف سريان الدماء في جسد الأرجنتين، لقد فعلها وحقن شعبه بالأمل، ومتى؟ في آخر دقيقة من الوقت بدل الضائع.
وخسرت الأرجنتين، بركلات الترجيح طبعاً، ثم عادت لتخسر أمام نفس المنتخب، بعد عام واحد، في نهائي كأس القارات، ولم تكتف بذلك فقط، بل دخلت كوبا أمريكا 2007، وهي المرشح الأوفر حظاً، ثم ماذا؟ خسرت مجدداً، وأمام نفس المنتخب، وفي المباراة النهائية أيضاً.
وفي الماراكانا، عام 2014، كانت دموع مارادونا أمام ألمانيا، سبيلاً لطيّ صفحة من الماضي، أضافت قسوة لا توصف لحياة الشعب. حينما سجل هيجواين، وألغي الهدف بداعي التسلل، بدأ الأمل يفرض نفسه، وحين أضاع هيجوايين فرصته الذهبية، ظن الشعب الأرجنتيني أنها ليلته، وأن الكأس ستخضع لكن بالقليل من المحاولة من أجلها.
وأضاع ميسي، ولم يكن بالاسيوس أبرع من سابقيه، لكن، لا أحد يعرف متى حل ماريو جوتزة بديلاً، أحداث اللقاء أنست الجميع التفاصيل الصغيرة.
وإلى يومنا هذا، لا أحد يعرف، كيف انسلَّ ماريو بين دفاع الأرجنتين، وكيف سدد، وكيف…
وبكت الأرجنتين، لأنها اعتادت البكاء أكثر منها إلى الوصافة، ولم يمحُ الماراكانا ما حدث في الأولمبيكو، بل زاد الرواية فصلاً، ثقيلاً على القارئ، مثيراً للألم.
أنت تعرف ما حدث بعد ذلك، تعرف ما حدث في سانتياجو دي تشيلي، ما حدث في نيوجيرسي، تعرف أن الأرجنتين خسرت، وليتها خسرت كما اعتادت الخسارة. بل ظلت تحاول، حتى الرمق الأخير، حتى وصلت إلى ركلات الترجيح، ليس لمرة واحدة، بل مرتين، في سنتين متتاليتين، بالصورة ذاتها، التي لم يتغير إطارها، ولا من فيها، ولا حيثياتها، الفارق الوحيد.. كان المكان. وبكى ميسي، فهو ليس أفضل حالاً من دييغو، وبكت الأرجنتين عليهما، وعلى حالها كذلك.
الغريب ليس في النهاية التي تجعل قصة الأرجنتين فيلماً سخيفاً، يمكنك بسهولة توقع أحداثه ونهايته، مهما ضم من أبطال، بل الظروف التي تخسر بها. فأفضل مباراة لعبتها الأرجنتين، في كأس العالم 2014، كانت أمام ألمانيا، وأفضل مباراة قدمتها خلال كوبا 2019، كانت أمام البرازيل، وفي كوبا 2007 كانت البرازيل لقمة سائغة بافتراض الصحافة، لكنها التهمت الأرجنتين.
في هذا السياق، يقول فيرناندو سيجنوريني، وهو مدرب اللياقة لمنتخبي الأرجنتين 1986 و2010: "مستقبل الكرة الأرجنتينية يشبه مستقبل المجتمع الأرجنتيني، مستقبلنا هو ماضينا، لقد كنا في وقتٍ ما دولة عظيمة، كان الجميع يحبنا، لكن اليوم، اختلف الأمر تماماً".
ولذا؛ تظل الأرجنتين تخسر بطرق، تُشعرك بأنها، مهما فعلَت، لن تفوز أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.