من متعاطٍ للكحول يرتاد الحفلات إلى أحد نجوم اليورو.. كيف حوّل السرطان مجرى حياة الإيطالي أتشيربي؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/18 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/18 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
فرانشيسكو أتشيربي - رويترز

شهدت مباراة إيطاليا وسويسرا التي جرت مساء الأربعاء 16 يونيو/حزيران 2021، لحساب الجولة  الثانية من نهائيات "يورو 2020" لكرة القدم، حدثاً مميزاً بخروج قائد "سكوادرا اتزورا"، جورجيو كيليني، في الدقيقة الـ24 من المواجهة بعد تعرضه للإصابة ودخول فرانشيسكو أتشيربي بديلاً له، ليشارك الأخير في أول مباراة له في نهائيات "بطولة أمم أوروبا" لكرة القدم، ويحقق بذلك الحلم الذي طارده منذ تغلبه على مرض السرطان في عام 2014.

نشأة أتشيربي

وُلد فرانشيسكو أتشيربي يوم 10 فبراير/شباط 1988 ببلدة فيتزولو بريدابيسي الإيطالية، القريبة من مدينة ميلانو، بإقليم لومبارديا. وقد بدأ ممارسة رياضته المفضلة في سن الثالثة من عمره ضمن نادي "بافيي" الصغير الذي تكوّن كروياً في مدرسته واستمر حتى انضم لفريقه الأول وهو في الـ18 سنة من عمره، حيث وقع على عقده الاحترافي الأول في عام 2006، قبل أن يغادره في سنة 2007 على سبيل الإعارة لناديي "ريناتي" ثم "سبيزيا" على الترتيب، بحثاً على اللعب بشكل منتظم، لكن دون أن يحقق ما كان يبحث عنه حيث اكتفى بالمشاركة في مباريات معدودة، وأغلبها كلاعب بديل ما جعله يعود إلى فريقه الأصلي في موسم 2008- 2009.

نجح أتشيربي، بعد عودته لناديه الأصلي، في فرض نفسه في مركز قلب الدفاع ضمن التشكيلة الأساسية لفريق "بافيي"، فجلب انتباه بعض الأندية التي تنشط في الأقسام الأعلى على غرار "ريجينا" الذي ضمه لصفوفه في يوليو/تموز 2010، فبرز كأفضل مدافع في دوري الإيطالي للدرجة الثانية Serie B، ما جعل نادي جنوى يُسارع في التعاقد معه في يناير/كانون الثاني 2011، مع تركه تحت تصرف "ريجينا" إلى غاية نهاية الموسم ثم إعارته في الموسم الموالي (2011- 2012) لنادي كييفو فيرونا الذي كان ينشط في دوري الدرجة الأولى Serie A، والذي اشترى أيضاً 50% من عقد اللاعب الشاب.

تجربة فاشلة مع ميلان 

في صيف 2012، وقع حدث مهم كان من الممكن جداً أن يشكل منعرجاً حاسماً في المشوار الرياضي للّاعب الواعد. قرر نادي آي سي ميلان شراء الـ50% من عقد فرانشيسكو أتشيربي من نادي كييفو فيرونا، وضمه لصفوف الفريق على أمل تعويض رحيل ثنائي وسط الدفاع، الإيطالي أليساندرو نيستا والبرازيلي تياغو سيلفا، كما منحه النادي اللومباردي رقم "13" الذي كان يحمله المخضرم نيستا، إحدى أساطير الفريق. 

ماسيمليانو أليغري مدرب ميلان ويوفنتوس لم يعتمد على أتشيربي (رويترز)
ماسيمليانو أليغري مدرب ميلان ويوفنتوس السابق (رويترز)

ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فلا فرانشيسكو حقق حلمه بالتألق مع الفريق الذي كان يشجعه منذ الصغر ولا نادي ميلان وجد ضالته في خليفة نيستا. أشرك المدرب ماسيميليانو أليغري، أتشيربي في 10 مباريات رسمية فقط خلال 6 أشهر. فتنازل ميلان عن 50% من عقد اللاعب لنادي جنوى، في يناير/كانون الثاني 2013، فقام الأخير بإعارته في النصف الثاني من موسم 2012-2013 لنادي كييفو فيرونا حيث خاض أتشيربي 7 مباريات في مسابقة "الكالتشيو".

تغلب على السرطان مرتين 

في صيف 2013، حدث الأمر الحاسم الحقيقي في المسار الرياضي لأتشيربي بل في حياته كلها، فبعدما توصل ناديا جنوى وساسولو لاتفاق على كل تفاصيل تحويل اللاعب وبعدما اتفق أتشيربي من جهته مع إدارة ساسولو على كل بنود العقد، خضع فرانشيسكو للفحوص الطبية الروتينية التي تسبق التوقيع الرسمي على العقد.. وهنا وقعت المفاجأة، أو بالأصح الصدمة، فقد اكتشف الأطباء إصابة اللاعب بسرطان الخصية، فتمت إزالة الورم الخبيث وعاد فرانشيسكو لمزاولة رياضة كرة القدم، لكن الورم السرطاني عاد للظهور بعد 5 أشهر من الشفاء، وبالتحديد في شهر ديسمبر/كانون الأول 2013.

ولذلك يمكن القول إنّ أتشيربي أصيب بالسرطان مرتين، وإنه قد كافحه مرتين، ولكن المرة الثانية كانت أصعب وأكثر حسماً في حياته، وتطلب شفاؤه 4 أشهر من العلاج الكيميائي، وهي الفترة التي يرويها فرانشيسكو بنفسه في تصريحات نقلتها صحيفة The Guardian البريطانية، يوم 30 مايو/أيار الماضي، حيث قال: "في ذلك الوقت لم أكن خائفاً، كنت فقط أتساءل لماذا لم يقم السرطان بتغييري؟ إلى أن جاء ذلك الحدث المميز خلال قيلولة بعد ظهر أحد أيام الأحد، حيث حلمت حلماً غريباً ظهر فيه أبي يشجعني فيه على التطور. بكيت حينها وأدركت جيداً أنّ السرطان كان أمراً ايجابياً بالنسبة لي فقد منحني فرصة لمقاومة شيء جديد".

أستسمحك أيها القارئ الكريم لأتوقف هنّا وأعود بك قليلاً إلى الفترة القصيرة التي قضاها فرانشيسكو بنادي آي سي ميلان والسبب الرئيسي الذي كان وراء فشله في هذا الفريق العريق، وعلاقة والده ومرض السرطان بتألقه لاحقاً مع ناديي ساسولو ولاتسيو.

حلم غريب أبعده عن الكحول وغيّر أسلوب حياته 

فقد اعترف أتشيربي في نفس التصريحات التي نشرتها صحيفة The Guardian بأنه لم يكن منضبطاً في سلوكه اليومي خلال فترة تواجده بميلان، وأنه فشل في تحقيق طموحات والده الذي توفي قبل 4 أشهر فقط من تعاقده مع النادي الإيطالي العريق، حيث قال: "لقد كنت أحمل رقم 13 لأليساندرو نيستا ولكن كنت أقيم الحفلات بدل القيام بالتدريبات، كنت معتاداً على تناول أي مشروب كما فكرت جدياً بالتوقف عن ممارسة رياضة كرة القدم، لكن السرطان أنقذ حياتي".

وتابع فرانشيسكو موضحاً تغير أسلوب حياته نحو الأفضل بعد ذلك الحلم الذي رأى فيه والده في المنام، فقال: "فجأة بدأت أستذكر كل المشاكل التي سببتها لوالدي وكل الفرص الضائعة في حياتي وكل الليالي التي قضيتها في الملاهي، فأصبحت حقاً أشعر بالخوف حتى من خيالي، ما جعلني ألجأ لطبيب نفساني الذي ساعدني كثيراً".

وتغيرت حياة فرانشيسكو بـ180 درجة، بعد انتصاره على السرطان وبعد ذلك الحلم المميز، فأصبح مثابراً في العمل خلال الحصص التدريبية مع فريقه ساسولو وتخلى عن السهر في الملاهي مفضلاً البقاء في البيت والقيام بالأعمال الخيرية وزيارة المرضى في المستشفيات، كما تخلى عن تناول الكحوليات معوضاً إياها بشرب الماء فقط، كما لجأ إلى تنويع وجباته الغذائية الغنية بالخضر والفواكه والأرز بعدما كان من قبل يكتفي بتناول "البيتزا".

وانعكس التغير الايجابي في أسلوب حياة أتشيربي على أدائه فوق المستطيل الأخضر، حيث أصبح لاعباً أساسياً في صفوف نادي ساسولو في موسمه الثاني ( 2014-2015) وأحد أفضل المدافعين في الدوري الإيطالي، كما لم يغب في أي مباراة رسمية لفريقه من أكتوبر/تشرين الأول  2015 إلى يناير/كانون الثاني 2019، بمشاركته في 149 مباراة متتالية، وعدم تعرضه لأي إصابة طيلة 3 سنوات.

وكان من طبيعي جداً بعد التألق اللافت لأتشيربي مع ساسولو أن ينتقل لنادٍ أكثر شهرة وقوة، فانضم لنادي لاتسيو في يوليو/تموز 2018، حيث تعاقد معه لمدة 5 سنوات، في صفقة أخذ منها ساسولو 10 ملايين يورو.  

وشارك اللاعب مع لاتسيو في المواسم الثلاثة الأخيرة في 135 مباراة رسمية، وتوج معه بكأس إيطاليا لكرة القدم لموسم 2018 – 2019، إضافة لكأس السوبر الإيطالي في سنة 2019، ومشاركته في مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم للموسم المنقضي (2020- 2021) التي تألق خلالها بشكلٍ رائعٍ جعلت مدرب منتخب إيطاليا، روبيرتو مانشيني، يضمه لقائمة "الأزوري" المشارك حالياً في نهائيات بطولة أمم أوروبا "يورو 2020" ويمنحه بذلك تحقيق حلم الصبا.. وربما أيضاً تحقيق حلم والده المتوفى.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مراد حاج
صحفي وكاتب جزائري
صحفي وكاتب جزائري
تحميل المزيد