بمداد الفخر ستظل مدونة مواقف العديد من لاعبي كرة القدم مع فلسطين وأهلها وستبقى صور وتعليقات هؤلاء عالقة في الأذهان ويحفظها التاريخ؛ لأنهم اصطفوا في خندق الحق وناصروا أنبل قضية على وجه الأرض، ولن تكفينا الأسطر كي نسرد أسماءهم وتعليقاتهم بالحرف، وهي بالأساس معلومة للعالم بأسره، سواء رياض محرز وبول بوغبا ومحمد النني وثنائي ليستر سيتي حمزة تشودري وويسلي فوفانا الذين أصروا على رفع علم فلسطين أثناء احتفالهم بالفوز بلقب كأس الاتحاد الإنجليزي وأيضاً أشرف حكيمي وآخرون كثر.
لكن من سنتوقف عنده ملياً في مقالنا هو المغربي الآخر نصير مزراوي، لاعب أياكس أمستردام الهولندي، الذي يبدو أنه دفع وسيدفع ثمناً غالياً لموقفه الشجاع ضد الظلم والغطرسة، فكلنا يعي جيداً الصلة الوطيدة بين فريقه والكيان الغاصب، ولطالما عاينا العلم الإسرائيلي بين المدرجات، سواء في مباريات الدوري المحلي أو مشاركاته الأوروبية، دون إغفال الحقائق التاريخية التي تصب في هذا الاتجاه، على غرار أنه قبل الحرب العالمية الثانية كان يعيش أكثر من 80 ألف يهودي في أمستردام والأغلبية تشجع أياكس، بالإضافة إلى أنه ولغاية سنة 1990 ظل هذا الفريق يستقبل مبارياته على أرضية ملعب "ديمير" الموجود في شرق المدينة التي تعتبر المعقل الرئيسي لليهود هناك، وترأس "أياكس" العديد منهم بل وحمل قميصه كذلك لاعبون يهود كثر.
كل هذه المعطيات جعلت حالة نصير مزرواي مختلفة عن باقي الأسماء التي تنشط في القارة العجوز، وقد رأينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل صاخبة وعنيفة ليس فقط من الجماهير المتعصبة، بل من شخصيات معروفة في المجتمع الهولندي، وكلها تطالب بـ"معاقبة" المغربي الموهوب لا بل وطرده بسبب موقفه المشرف، ولعل ما يؤكد "تأثر" إدارة أياكس بهذه التصرفات هو أننا شاهدنا غياباً كلياً لاسم الظهير الأيمن عن لائحة الفريق في المباريات الأخيرة قبل إسدال الستار على الدوري، صحيح أنهم تمكنوا من حسم لقب "الاريديفزي" مبكراً، لكن نصير كان بحاجة للعب وكسب دقائق إضافية، لا سيما أنه عانى في النصف الثاني من إصابة خطيرة على مستوى العين جعلته يخرج بموسم متناقض؛ لأنه كان قد استهل العام بقوة وقدم مباريات كبيرة نال من خلالها إشادة الجمهور ومدرب الفريق الذي اعتبره ركيزة أساسية وبالأخص بعد رحيل "ديست" للبارصا.
وبالتدقيق في عقد اللاعب المغربي نجد أنه سينتهي نهاية العام المقبل، وكما يعرف القاصي والداني نحن أمام فريق وإدارة محترفة لا تترك شيئاً للصدفة على الإطلاق، والملاحظ حتى اللحظة {ولن تفعل} أنها لم تبادر في تمديد العقد، كما سبق أن أعلنت بل فتحت الباب على مصراعيه للأندية الراغبة في التوقيع مع الفتى الذي يجيد اللعب في أكثر مركز، فماذا يعني هذا التصرف إذاً؟
لكننا هنا نقول لنصير مزرواي "رب ضارة نافعة"، فبعد أن كانت الإدارة متعنتة في تسريحه بعد العروض القوية التي وصلته من أندية أوروبية وازنة، ها هي اليوم تسعى للتفاوض معها ويتقدم هذه الفرق العملاق البافاري بايرن ميونيخ والأرسنال الإنجليزي، ولعلها فرصة كبيرة كي ينعتق نصير من جحيم "يوهان كرويف أرينا" وعنصرية جماهيره ويحلق بعيداً مع فريق بطموحات أكبر، وذلك ما بات قريباً جداً وسيتحقق بحول الله في هذا الميركاتو الصيفي الملتهب.
لكن السؤال المطروح: هل حظي نصير مزرواي بمؤازرة إعلامية كبيرة مثل باقي الأسماء العربية والمسلمة الأخرى؟
الجواب المؤكد أنه لم يحصل على الدعم الكافي رغم أنه الأكثر "تضرراً" وأيضاً الأكثر صلابة وشجاعة؛ لأنه على علم مسبق بعواقب خطوته ويعرف ملياً محيط أياكس ومن يتحكمون فيه.
كل التحية والتقدير للنجم الخلوق نصير مزرواي وكل من سار على درب الحق وساند أهله.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.