عقد اللقاء المنتظر، الإثنين، والتقى الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على هامش قمة الناتو في بروكسل.
استمر اللقاء قرابة الساعة والنصف، كان الجزء الأول منها لقاء شخصياً بين أردوغان وبايدن، أما الجزء الثاني فقد كان لقاء على مستوى الوفود.
ومن اللافت أن التصريحات والبيانات التي صدرت من الجانبين عقب اللقاء، كانت "متسقة ومنسجمة" مع بعضها البعض مما أعطى انطباعاً بوجود تفاهم متبادل.
حيث قال الرئيس أردوغان إنه "كان لقاء مثمراً وصادقاً. عقدنا أول لقاء مع السيد بايدن، كان مثمرًا. لقد دعوته إلى تركيا".
كذلك الأمر مع بايدن، حيث قال: "كان اجتماعًا إيجابيًّا ومثمرًا. كان معظم الاجتماع لقاء خاصًا. ستواصل جهاتنا المختصة الحديث. أعتقد أننا سنحقق تقدمًا حقيقيًّا في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية".
إضافة لذلك، فإن الرئيس الأمريكي بايدن حينما سئل حول قضية أفغانستان أمس الثلاثاء خلال مؤتمر صحفي، أجاب: "لقد أجرينا محادثات طويلة. أشعر بالرضا عن لقائنا".
بالطبع تلك التصريحات كانت أمام الإعلام، أي الجمهور عامة. بيد أنه يوجد هناك ما هو خلف الكواليس لا ينعكس عادة نحو الخارج.
دعوني أولًا أخبركم بأن الجانب التركي يرى أن النتيجة المثالية قد تحققت من خلال إعطاء معانٍ إيجابية لهذا الاجتماع.
إضافة لذلك، فإن الدوائر المطّلعة على سير الاجتماع وتقييمه لخصت الاجتماع بـ5 محاور:
– الحفاظ على الوضع الحالي.
– العمل بأجندة مشتركة في أفغانستان.
– قبول الولايات المتحدة للموقف التركي في ليبيا.
– لم تكن هناك مشكلة حول قضية قره باغ.
– اتخذ قرار العمل معًا بشأن قضية إدلب والمساعدات الإنسانية للداخل السوري.
من خلال رؤية تلك العناوين البارزة التي تعكس الجزء الممتلئ من الكأس، من المفيد التأكيد على أن هناك مكاسب مهمة.
كانت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى لليبيا رداً على ضغوطات من الدول الغربية لأجل الانسحاب، ولذا جاء الرد بشكل عملي قبيل قمة الناتو على الفور.
وهذا يعني أن تلك الخطوة وجدت صداها في قمة بروكسل. ولذا فإن قبول الولايات المتحدة للموقف التركي في طرابلس يعتبر خبرًا هاماً للغاية في هذا الصدد.
بالنسبة لمسألة قره باغ، فعلى الرغم من وجود بعض ردود الفعل من أوروبا على رأسها فرنسا، فإن المهم هنا عدم تبني الولايات المتحدة للموقف الفرنسي وأنه لا مشكلة مع الجانب الأمريكي في هذا الصدد.
ولو تلاحظون فإن هذين الموضوعين باتا يشكلان الركيزتين الأساسيتين لتحركات السياسة الخارجية التركية، خلال آخر عامين، ليبيا وقره باغ.
وإن عدم رفع أمريكا صوتها حيال هذين الموضوعين يعني أن الخطوات المتخذة في العلاقة بين الجانبين يمكنها أن تؤسس لحالة من الاستقرار الدائم.
فماذا يعني الحفاظ على الوضع الحالي؟
قد يكون غموض عبارة "الحفاظ على الوضع الحالي"، من بين المحاور الخمسة المذكورة أعلاه، مثيرة للانتباه. وفي الحقيقة لم أحصل على إجابة حول تلك النقطة.
لكن يمكن التفكير بأن المقصود هنا هو قضية "S-400" الروسية التي اشترتها أنقرة وتعرضت بسببها لضغوطات ضخمة من الولايات المتحدة، بيد أن الأخيرة هي التي منعت أنقرة من منظومة صواريخ "الباتريوت" الأمريكية.
كما هو معلوم فإن عقوبة "كاتسا" لا تزال سارية في هذا الصدد، إلا أن عبارة "الحفاظ على الوضع الحالي" يعني على أقل تقدير عدم صدور عقوبات جديدة بهذا الشأن.
يُشار إلى نائب وزير الخارجية الأمريكي، الذي وصل قبيل قمة الناتو إلى أنقرة لبدء التحضيرات اللازمة لاجتماع أردوغان وبايدن، دعا تركيا للتخلي عن منظومة "S-400" الروسية.
لكن من المفترض عدم تفسير ذلك بأنه إنذار لفرض مزيد من العقوبات، بل يمكن تفسير ذلك على أنه شرط مطروح لرفع العقوبات الحالية الموجودة بالفعل.
يعزز ذلك ما صرح به الرئيس أردوغان بوضوح خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد لقائه ببايدن على هامش قمة الناتو، حينما سئل عن قضية تلك الصواريخ الروسية، ليرد بالقول: "لقد أوضحت ذلك للرئيس بايدن؛ موقفنا حيال صواريخ S-400 كما السابق لم يتغير". هذا يعني أن تركيا لم تأخذ خطوة للوراء في هذا الملف. وبناء على ذلك يمكن التوصل إلى الاستنتاج التالي كنتيجة للقاء أردوغان وبايدن:
"بالنسبة للجانب الأمريكي، لم يصدر عنه رغبة في تعميق الأزمات الحالية أو اتخاذ خطوات ملموسة كعقوبات وما شابه. أما الجانب التركي، فلم يصدر عنه رغبة في التراجع عن خطواته الحالية أو الاستسلام للمطالب الغربية".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.