اللبناني في حالة “النوم المغناطيسي”.. أو ينتظر الانتخابات النيابية

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/16 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/16 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
iStock

تتعامل السلطة اللبنانية مع مواطنيها وكأنهم أعداء لها، أعداء اغتصبوا أرضها وعاثوا فيها فساداً ودماراً، لذا تتفنّن هذه السلطة ـ أو ما يسمّى بالمسؤولين ـ بإذلال المواطنين والمقيمين. فهذا الإذلال يكون تارة على الأدوية، وتارة على المواد الغذائية المدعومة، وأحياناً على الأفران، وقطع التيار الكهربائي لساعات، وعلى أبواب المصارف، وصولاً إلى الطوابير على محطّات الوقود؛ إذ ينتظر اللبناني ما لا يقل عن الساعة ونصف الساعة لتعبئة سيارته بمبلغ محدّد من قبل صاحب المحطّة (إلا إذا رشى المواطن موظّف المحطة، فهنا "يفوّل" السيارة).

تزامناً مع توالي الأحداث وتفاقم حدّتها، يسأل الشعب اللبناني والمغتربون التّالي: "لمَ لا يثور الشعب بعد"؟ يكاد أن يكون الجواب بسيطاً جدّاً له احتمالان: إمّا التأقلم (وهذا أمر خطر)، أو انتظار الانتخابات النيابية عام 2022.

التأقلم الخطير

حاول اللبنانيون الاعتصام في الشوارع ابتداء من العام 2015 مع بداية أزمة النفايات وتراكمها في شوارع بيروت وبلوغ المطامر سعتها القصوى، نتج عن ذلك حملة "طلعت ريحتكم" التي ندّدت بهذه السلطة وسياستها، خصوصاً أن حينها كان المجلس النيابي كان قدّ مدّد لنفسه الذي كان من المفترض إعادة انتخابه عام 2013.

تمكّنت السلطة من فضّ التظاهرات والاعتصامات من خلال الاعتقالات والقنابل المسيّلة للدموع وافتعال المشاكل بين المتظاهرين، وانتهى الأمر بانتخابات 2020 التي أعادت إنتاج الطبقة السياسية عينها.

ففي الحالة الأولى، أي التأقلم، بات اللبناني لا يكترث لشيء ربّما لكثرة المشاكل والأزمات التي مرّ بها هذا الشعب مع بداية الحرب الأهلية، وبعدها الاجتياح الإسرائيلي وصولاً إلى موجة الاغتيالات الممتدّة من العام 2005 مع اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري وصولاً إلى العام 2013 واغتيال الوزير السابق محمّد شطح.

كل هذه الأحداث أصابت اللبنانيين بحالة من الصدمات المتراكمة، تماماً مثل الطفل الذي يتعرّض للتعنيف من قبل والديْه ظنّاً منهما أن ذلك سيجدي نفعاً، لكن الطفل ومع زيادة التعنيف يستسلم ويقول لأهله "اضربوني أكثر، فأنا لم أعد أتألّم". اللبناني هو هذا الطفل المعنّف، لا يكترث لطابور "البنزين" ولا لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، هو فقط ينجو من كلّ المصائب إلى حين إمّا الخروج من الأزمة، أو الهجرة.

هل الانتخابات الحل؟

دخل لبنان عام الانتخابات النيابية، فإجراء انتخابات نيابيّة مبكرة التي تحدّث عنها المعنيون بعد انفجار الرّابع من أغسطس/آب أصبح بعيداً. لذا، من المرجّح أنّ الانتخابات ستقام في موعدها مبدئيّاً في شهر يونيو/حزيران 2022.

في الانتخابات الأخيرة، نجح المرشحون عن الأحزاب السياسيّة بشدّ العصب الطائفي لدى المناصرين، فحافظت الأحزاب الأساسية على مقاعدها في البرلمان خصوصاً الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، لا بل كان فوزاً كاسحاً.

وصحيح أن تيار المستقبل تراجع قليلاً، إلا أنّه بقي أكبر كتلة نيابيّة منفردة، وحزب القوّات اللبناني حصد 16 مقعداً. ورغم ذلك، فنسبة الناخبين لم تتجاوز 49%، ومنهم من صوّت بورقة بيضاء. أي أن أكثر من نصف الشعب اللبناني لم يدلِ بصوته كونه إمّا معارضاً للسلطة أو فقد الأمل بالتغيير.

أمّا مع المعركة الانتخابية الجديدة التي لا بدّ أن تحصل بضغط من المجتمع الدولي، فالوضع تغيّر بعد ثورة 17 تشرين/أكتوبر 2019 إذ نقم الشعب اللبناني على السلطة وطالب بحلّها كليّاً، وازداد هذا الكره بعد انفجار الرّابع من أغسطس/آب وغياب نتيجة التحقيقات حتى اليوم وقبل شهرين من الذكرى السنوية الأولى.

يبقى الموضوع بعهدة اللبنانيين، فهم فقط يستطيعون إخراج أنفسهم من مستنقع الذل الذي يعيشونه يوميّاً عبر إسقاط الورقة داخل صندوق الاقتراع. ولكن مع ذلك، تتعدّد الحجج، فإمّا يقولون إن القانون غير عادل (وهذا صحيح) أمّا لا يثقون بنزاهة السلطة فيتوقّعون أن التزوير مشروع قائم.

أولاً، صحيح أن القانون غير عادل، لكن مهما تعدّدت القوانين إذا أقدم الشعب على التغيير، فلا قانون يعيقهم. العبرة في الاسم المكتوب داخل ورقة الاقتراع. وثانياً، صحيح أيضاً أن لا شيء بعيد عن هذه السلطة الفاسدة، والتزوير ممكن، لكن باستطاعتها أن تزوّر باسميْن في منطقتين أو ثلاث، لا في الأسماء كلّها.

طبعاً، هذا لا يعني أن التغيير سيأتي سريعاً، وليس المتوقّع خرقاً بنسبة 50%، ولا حتّى 10%، لأن التغيير يحتاج لسنوات عديدة ويكون تدريجياً. ولكن الشعب بحاجة إلى دم جديد معارض بصرف النظر عن الخلفية السياسيّة لدى المسؤول، فانتخابات 2022 هي القاعدة لما ستشهده الساحة اللبنانية مستقبلاً. فالرأي السياسي حق، إنّما العمل من أجل الشعب واجب.

في الدراسات الإحصائية التي يجريها بعض الأحزاب، يتبيّن أن المؤيّدين في تراجع والمحافظ على المقاعد هو الثنائي الشيعي فقط، ولكن حليفه السياسيّ الأقرب، أي التيار الوطني الحرّ، وضعه حرج. تتوقّع الإحصائيات أيضاً دخول 10 وجوه جديدة معارضة على الأقل حتى اليوم مع إمكانية تغيير النتائج مع اقتراب موعد الانتخابات.

الورقة البيضاء: عودة السلطة!

يلجأ البعض إلى الورقة البيضاء كنوع من الرّفض لكلّ المرشحين وعدم الاقتناع بالوجوه الجديدة، لذا ينظرون إلى الورقة البيضاء ملاذاً آمناً.

في الواقع، الورقة البيضاء تخفّض نسبة الأصوات الممنوحة لدى ممثلّي الأحزاب والطوائف، لكن لن تلغيها بالطّبع، فهم سيدخلون من باب البرلمان وقد حقّقوا غايتهم: الاستمرار في المجلس ما حييْنا. ويمكن مقاربة الفكرة بانتخاب رئيس الجمهوريّة ميشال عون؛ إذ الأصوات المعارضة لانتخابه كانت ورقة بيضاء واحتاج إلى دورتين للفوز، وإن كانت لعباً على الأعصاب، لكنه نجح في النهاية وحصل على مراده.

الصوت أفضل من لا صوت، لأن مجلس النواب المنتخب العام المقبل، سيحدّد هوية رئيس المجلس ومن بعدها رئيس الحكومة، وبعدها رئيس الجمهورية. هؤلاء سيتحمّلون مسؤوليّة البلاد 6 أعوام، وجرّب الشعب اللبناني هذه الأحزاب مدّة 30 عاماً وأدركوا، أغلب الظّن، ما أنتجته هذه الطبقة الحاكمة. يجب التمعّن بالتفكير وإعادة جدولة الأولويّات، لأنّه "من جرّب مجرّب، عقله مخرّب".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

جنى بركات
صحفية لبنانية
صحفية لبنانية
تحميل المزيد