أزمات عديدة ضربت الأردن مؤخراً، بعضها سياسي كأزمة نقابة المعلمين وملف الأمير حمزة، وآخر اقتصادي تمثل في التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا وقضايا الغارمين والغارمات. رغم تأزم الوضع السياسي في الأردن حالياً فإنني أتمنى وآمل أن تبقى البلاد بعيدة عن "الانفجار الاجتماعي".
الشعب الأردني لديه صمامات أمان ذاتية ولا يرغب أن تتحول الأردن إلى ما صارت له بعض دول الجوار التي وصلت إلى حافة الهاوية من ناحية الانفلات الأمني والمديونية الاقتصادية والاقتتال الأهلي. فمهما بلغت الأزمة وارتفع مؤشر الاحتقان الشعبي، تبقى التظاهرات السلمية والطرق الشعبية في التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق هي النمط الذي يفضله الأردنيون. ذلك على الرغم من فجوة الثقة بين الشعب والمؤسسات الرسمية المختلفة فإن الشعب الأردني لا يريد التحول إلى دولة فاشلة أو شبه دولة تضربها الأزمات القاصمة من كل حدب وصوب.
لكن الحنق الشعبي له من المبررات الكثير. سياسات الحكومة الحالية لم تثبت نجاعتها إلى الآن في عديد الملفات. بل وخلقت أزمات داخلية، ليست نقابة المعلمين إلا إحداها، وفشلت في معالجة ملفات أخرى حساسة كملف الغارمين والغارمات والمتعثرين في سداد القروض، وكلها ملفات تهدد الأمن والسلم الاجتماعي الأردني مباشرة. ناهيك عن تجاهلها لملف وقوانين الحريات العامة ومعتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين، كما قوانين تقييد الحريات العامة وتنظيم الحياة الحزبية وما إلى ذلك. ما يعني أن الحكومة ليست فقط عاجزة عن معالجة وحل المشكلات الرهانة بل إنها تولد ذاتياً أزمات خطيرة.
على صعيد آخر، ليس لديَّ أي شك أن الأردن، كدولة، مستهدف اقتصادياً حتى يبقى "تحت السيطرة" من قِبل الدول الكبرى والدول المانحة. الاستقلال السياسي مرهون دائماً بالاستقلال الاقتصادي. ولا ريب أن دولاً كبرى في الساحة العالمية والإقليمية ترفض نجاح الأردن في تحقيق استقلال اقتصادي وسياسي وممارسة ما يخدم مصالحه ومبادئه بالدرجة الأولى دون أن يكون قراره مرهوناً بمؤثر خارجي. في هذا الصدد، يدفع الأردن ثمن مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، وخاصة موقفه الذي لا يخفى على أحد من "صفقة القرن".
الأردن مستهدف كما فلسطين، لأننا نعرف أن الأردن وصي على المقدسات في القدس، إسلامية كانت أو المسيحية. ورغم تلك المحاربة للأردن، يجب تفعيل الوصاية الأردنية أكثر مما هي عليه الآن للتصدي لعمليات التهويد التي تجري على قدم وساق، وتسرب الأراضي للمستوطنين. على رأس التحديات الخارجية حالياً، التهديد الإسرائيلي، العدو الواضح الذي يزداد صهيونية ويمينية كل يوم. فرغم الحديث عن اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، فإن ذلك الكلام لا يؤتي أكله في واقع الأرض. الحكومات الاسرائيلية تزداد يمينية وتطرفاً وتسعى إلى تهويد أكثر لدولة إسرائيل ولفلسطين، ما يعني أن المتفائلين راكبي قطار السلام "ستتفرمل" أمورهم، فلا شريك حقيقي في عملية السلام ولا سلام بطرف واحد. الكنيست الإسرائيلي والحكومات الصهيونية المتعاقبة تتوجه بخطى حثيثة نحو تفعيل يهودية الدولة وإرساء أركان الدولة العنصرية، والأردن سيكون أول حاصدي المر المزروع في تل أبيب.
لجنة الإصلاح السياسي
كلف الملك الأردني عبدالله الثاني، قبل عدة أيام، بتشكيل لجنة لتحديث المنظومة السياسية في البلاد برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، سمير الرفاعي. اللجنة الأخيرة، كما سابقاتها، دعوة للإصلاح السياسي ليست جديدة على الشعب الأردني. ولكن الدعوات واللجان السابقة كانت مجرد محاولات لكسب الوقت من طرف الحكومة ونتج عنها أوراق وتوصيات ومشاريع قوانين وضعت في الأدراج التي لن تفتح. ما يجعلنا نتوسم خيراً أو نتفاءل بحذر هو أن الأصل أو المتوقع من صاحب القرار في ظل التحديات الداخلية والخارجية الحالية هو تفعيل عمل اللجنة واتباع مفرزاتها وما سينتج عنها.
الأصل في أصحاب القرار أن يلتقطوا كافة التحديات الخارجية والتغيرات الداخلية التي وقعت مؤخراً أيا كانت أشكالها؛ اقتصادية كارتفاع المديونية ونسب البطالة العالية أو الانتفاضات العشائرية، وأن تدرس تلك المسائل بعناية فائقة، فهي تدق ناقوس خطر جلل، وأن يعوا -أي أصحاب القرار- أن الأمر لا يحتمل التأجيل أو تحويل "لجنة الإصلاح" إلى ملهاة أو استدارة لكسب الوقت وتبقى الأمور كما هي عليه. لذلك، تسمى هذه اللجنة شعبياً بلجنة "الفرصة الأخيرة".
الإصلاح السياسي هو أبو الإصلاحات، وهو قاطرة باقي أنماط الإصلاح الاقتصادي والإداري والاجتماعي الأخرى، أو على الأقل يفتح الإصلاح السياسي الباب لباقي الإصلاح للسير معه بالتوازي.
الخطوات اللازمة
المطلوب من الحكومة ومؤسسات الدولة هو الجدية في عملية الإصلاح وتسريع وتيرتها ومنحها الفاعلية اللازمة لإطلاق قطار الإصلاح فعلاً. لدى اللجنة تراكم فكري معتبر، لن نبدأ من الصفر، لن نخترع العجلة، هناك شبه توافق بين معظم الأحزاب على ما هو المطلوب إصلاحه في قوانين الانتخابات والحياة الحزبية وما إلى ذلك. يجب أن يوضع كل ذلك في بوتقة واحدة سريعاً وأن تقدم كمشاريع قوانين مع تعديلات دستورية ومن ثم نبدأ في التغيير على مستوى الانتخابات بكافة أشكالها النيابية أو ما يخط الإدارة المحلية. بالتوازي، لن تقف الحياة على عمل اللجنة، فهي لجنة اختصاصها تشريعي وليس تنفيذياً. أي تقديم مشاريع قوانين وتوصيات ومقترحات لتنفذها الحكومة المطلوب منها الاستمرار في إدارة كافة مناحي الحياة.
في ذات الوقت، يجب أن تعمل الحكومة على تنفيس الاحتقان الشعبي من خلال حل عدة قضايا منها قضية نقابة المعلمين، وإعادة المعلمين المحالين إلى التقاعد المبكر أو المفصولين أو المحالين إلى الاستيداع. كما تستطيع أن تباشر بتحسين الأوضاع الاقتصادية، بإقرار قانون "التنفيذ" الذي سيكون له أثر جيد على المتعثرين والغارمين. أو تمرير حزمة من السياسات والإجراءات الاقتصادية القادرة على تقليل الضغوطات المادية عن كاهل المواطنين قبيل البدء في خطة الانفتاح الاقتصادي في شهري يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول المقبلين. أيضاً، سيكون للإفراج عن المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي من السجون أثر كبير في إعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب.
كل تلك القرارات والإجراءات ومثيلاتها لو اتخذت وطُبقت سريعاً ستقلل من الاحتقان الشعبي وتريح الشعب وتعيد الثقة للحكومة ولجنة الإصلاح وتفتح باب المستقبل لقادم التغييرات الإيجابية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.