مما لا يستعصي فهمه على أحد أن الأقاليم، وخاصة بجهة الداخلة وادي الذهب، لها من المؤشرات والمؤهلات التنموية ما يكفي لجعلها قطباً اقتصادياً ذائع الصيت، إلا أن سياسة الريع والنهب، وغياب الرقابة المؤسساتية والمدنية، بشقيها القبلي والبعدي، جعل منها مؤشرات على الورق فقط.
فرغم المحاولات الساعية إلى إنجاح سياسة "الجهوية المتقدمة" من خلال إرساء دعائم اللامركزية واللاتمركز، التي تعتمد أولاً على مبدأ استقلالية القرار، وإعداد المشاريع، وإنجازها على مستوى الأقاليم فإنها ولحد الآن لم تفلح في رسم استراتيجية واضحة للتنمية داخل هذه الأخيرة.
ذلك راجع بالأساس إلى غياب مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير وتسيير الأموال العمومية، وكذا استغلال النفوذ من طرف المنتخبين، للاغتناء من المال العام.
إذاً، بما أن الملك العام أضحى وجبة دسمة، وغاية لا تدرك لمن يقال بأنهم صناع القرار المحلي، وعلى هذا الأساس نطرح السؤال التالي: هل فعلاً الجهات الجنوبية وخاصة "جهة الداخلة وادي الذهب" تملك رؤية واستراتيجية تمكنها من تنزيل الجهوية المتقدمة على أرض الواقع في ظل استحقاقات انتخابية قادمة؟ هل تعطى الفرصة لشباب الجهة للمشاركة في تلك الرؤية وتنزيلها إلى أرض الواقع أم أن واقع الريع والمحاباة لن يسمح بذلك؟
فعندما كان من المفترض أن يكون للاختصاصات، والصلاحيات، المنقولة من طرف سلطة الدولة "المركز"، للمنتخبين الجهويين المحليين، وقع على تقريب مراكز القرار من المواطنين، وتحسين وضعهم الاقتصادي من خلال وضع خطط تنموية جهوية، وتصاميم إعداد التراب، وإحداث فرص للشغل، وكذا تقليص نسبة البطالة، نجد أنه تم ضرب كل هذا بعرض الحائط في سبيل تحقيق المصالح الشخصية، والنزعات الذاتية.
وهو ما يجعلنا نتساءل عن الحجم الكبير لعائدات الاستثمارات العمومية المخصصة للأقاليم الصحراوية، ومن ضمنها جهة الداخلة وادي الذهب التي لم تعرف لها ساكنتها حقاً من باطل. بالطبع، سمعنا كما سمع الجميع، عما يسمى "النموذج التنموي" الذي يرتكز على أساس تمحيص فعلي للإكراهات الاقتصادية بالأقاليم الجنوبية، وخلق ثورة اقتصادية، واجتماعية حقيقية، تساعد على تحقيق التنمية الذاتية، إلا أنه ومع كل هذه الأهداف النبيلة التي جاء بها، لم نشهد تحقيقاً مفعلاً لها.
فعن أي استراتيجية حقيقية نتحدث؟! وعن أي جهوية متقدمة نتكلم؟! إذا كان الواقع يدل على غير ذلك، فالبطالة في الجهات الجنوبية تنخر أجساد شباب المنطقة وشباب الداخلة من ضمن تلك الإحصائيات، أما البنيات التحتية بعيدة كل البعد عن الميزانيات الكبرى، التي صرفت في سبيلها.
في الوقائع يؤكد أننا بعيدون كل البعد عن جهوية متقدمة، يشترط فيمن يسهر على تنفيذها من المسؤولين المحليين أن تكون له دراية بالأماكن والمجالات، التي يجب أن تصرف فيها الميزانيات المرصودة، وأن تكون مبنية على خطط بناءة، هدفها هو تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الأقاليم بالدرجة الأولى، وذلك بخلق مناصب شغل للمعطلين، وبناء بنيات تحتية، تكون لها مردودية أكبر على حياة وتحركات الساكنة.
وهذا لن يتأتى دون إيجاد رؤية تعتمد المصداقية، والمحاسبة في معالجة جميع الإشكالات، والمعوقات التي تعرفها المنطقة. فالجهوية المتقدمة نزلت إلى أرض الواقع، لتكون بديلاً حقيقياً من أجل تحقيق احتياجات وتطلعات الساكنة، وليس هدفاً من أجل تكديس الأموال العامة عند المسؤولين المحليين؛ لذلك على المسؤولين أن يراجعوا مفهوم تطبيق "الجهوية المتقدمة" بطريقة صحيحة بعيداً عن المصالح الشخصية، وسياسة اللامبالاة.
ختام القول: الأقاليم الجنوبية، وخاصة جهة الداخلة وادي الذهب، في حاجة ماسة إلى تحقيق طفرة اقتصادية نوعية، ترمم وتصلح ما أثمت به الأيادي، التي لا تريد الخير لنا، ولمنطقتنا، وذلك لن يتأتى إلا إذا تم تنزيل وتفعيل مبادئ المقاربة التشاركية، عبر إشراك شباب المنطقة في عملية صناعة القرار، ومنحهم حيزاً مهماً وذلك بإشراكهم والوصول بهم إلى مركز القرار لتسيير شؤونهم المحلية، وليس عاملاً أو أدوات لتحقيق ما كان مسبقاً، لما لهم من قدرات ومواهب جد مهمة، يمكن أن تكون عنصراً إيجابياً في تخطي جل الصعاب، فهل الاستحقاقات القادمة بوابة فعلية للشباب للوصول إلى أبواب القرار والإنجازات أم أن الأعراف ستبقى كما هي؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.