اجتمع أمس 14 يونيو/حزيران قادة حلف شمال الأطلسي الـ"ناتو" في مقر الحلف بالعاصمة البلجيكية بروكسل، لمناقشة خطة العمل الاستراتيجية للحلف خلال السنوات العشر القادمة، وما يترتب على ذلك من مهام خلال العقد القادم.
لا شك أن دور حلف الناتو قد تعرض لتآكل خطير في الآونة الأخيرة، فما الذي يمكن أن يقوله حلف الناتو الآن سواء للدول الأعضاء أو للعالم ككل، بعد فشله في حماية الحدود الأوروبية أمام المد الروسي، كما فشل في القيام بأي مهمة حماية يضطلع بها سواء من أجل مواجهة المسألة الأوكرانية، وضم شبه جزيرة القرم، كذلك الأمر بالنسبة للأوضاع التي تحيق بالشرق الأوسط عامة وسوريا وليبيا بشكل خاص؟
لا يتوقف الأمر عند حدود عدم قدرة الحلف على حماية الدول الأعضاء، بل كونه أسيراً لضغوط ومحاولات الهيمنة التي تمارسها عدة دول كالولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا، من وقت لآخر، من خلال محاولة فرض أمر واقع على بقية الدول الأعضاء. إلى جانب ذلك، تقوم بعض الدول الأعضاء بحلف الناتو بالتحالف مع دول أخرى خارج الحلف ضد دول أعضاء في الحلف ذاته، ما يمثل في الحقيقة ضربات قاصمة للحلف نفسه، ولا يمت لقواعد التحالف بصلة. والمفارقة أن تلك الدول، على الرغم من ذلك، لا تتردد في استغلال التزامات الحلف كأداة ضغط على الدول الأعضاء الأخرى.
قبل ثلاثة أيام فقط من اجتماع زعماء الدول الأعضاء بحلف الناتو، خرج وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ليصرّح بأنّ "تركيا في كثير من الأحيان لا تتصرف بالطريقة التي ينبغي أن تتصرف بها دولة حليفة في الناتو"، كما أعرب بلينكن أيضاً عن قلقه بشأن شراء تركيا صواريخ S-400 الروسية، والخطوات المتخذة في قضية شرق المتوسط، وحقوق الإنسان، ومعاملة الصحفيين، وغير ذلك من مواضيع. وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيطرح جميع هذه المواضيع أمام أردوغان خلال لقائهما بقمة حلف الناتو.
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أعطت انطباعاً مسبقاً حتى قبل انعقاد القمة، بالتوجه الموجود ضد تركيا. مما كشف عما قد يفرغه بايدن من جعبته في لقائه بأردوغان. إلا أن الوضع يختلف عن ذلك تماماً، حيث إن الجميع يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها لا تتصرف بما تقتضيه مبادئ التحالف إزاء دولة ينبغي أن تنظر لها كحليف ضمن "الناتو"، بالأحرى هناك ما قاله أردوغان لبايدن لا العكس، وما قاله أردوغان لبايدن خلال اجتماعهما هو لا يقل عما قاله بايدن لأردوغان.
ما قاله أردوغان لبايدن في الحقيقة هو ذاته الذي يشرحه أردوغان منذ وقت طويل. ولقد أوضحه بشكل جلي قبيل مغادرته تركيا متوجهاً نحو القمة، خلال المؤتمر الصحفي الأخير الذي عقده في المطار قبل المغادرة.
أسئلة بلا أجوبة
على الولايات المتحدة أن ترى التهديد الموجّه ضد دولة حليفة لها ضمن حلف الناتو، على أنه تهديد مباشر لها أيضاً. إلا أن الولايات المتحدة تقوم بعكس ذلك تمامًا، حيث تدعم تنظيمات "YPG/PYD" أذرع تنظيم "بي كا كا" المصنف إرهابياً في تركيا، والتي تدرجها أمريكا أيضاً ضمن قائمة الإرهاب، تدعم تلك التنظيمات على الرغم من أنها تمثل تهديداً واضحاً لتركيا، دون أن تراعي أن مثل هذا الدعم أول ما يضر بحلف الناتو ذاته.
وما هو هدف واستراتيجية الأنشطة التي تمارسها الولايات المتحدة في أقرب النقاط الحدودية لحليفتها في "الناتو" تركيا كما تفعل في سوريا؟
لماذا لا تقوم الولايات المتحدة بإطلاع تركيا على كافة أنشطتها وأهدافها، ولماذا تغيب الشفافية عن ذلك الملف الحساس؟
إذا كانت لدى الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية محددة لمحاربة تنظيم داعش؛ فلماذا لا تطلع تركيا عليها وتتحالف معها للقضاء على ذلك التنظيم؟
هذه أسئلة بسيطة لكن أجوبتها فارقة.
تحالف على الورق فقط
إن الولايات المتحدة التي تقلق على الصحفيين في تركيا العضو في حلف الناتو، تغفل عن إسرائيل التي تقوض أمن واستقرار وديمقراطية المنطقة برمّتها، تغفل عن المجازر التي نفذتها إسرائيل قبل أسبوعين فقط في قطاع غزة، وقصف إسرائيل للمبنى الذي يضم عشرات المكاتب الصحفية والإعلامية، من أجل أن لا ينقل أي أحد فظاعة اعتداءاتها نحو العالم.
بينما تنتقد الولايات المتحدة تركيا لشرائها منظومة S-400 الصاروخية من روسيا، ماذا يمكنها أن تقول أو تبرّر حول عدم تمكن تركيا من الحصول على منظومة دفاع جوي لحماية أمن حدودها، لماذا لم تحصل تركيا على المنظومة الأمريكية؟
كيف يمكن لعضو في حلف الناتو ادعاء المساهمة والحرص على مصلحة الحلف، وهو يحاول الحصول على كل شيء وعدم دفع أي مقابل؟ ماذا يمكن لذلك الحليف أن يقدّم للعالم، وهو لا يستطيع أن يفيد حلفاءه حتى بأي شيء؟
بلينكن نفسه الذي عبّر عن ارتياحه لتراجع تركيا عن بعض خطواتها في شرق المتوسط، كما قال بأنهم يجدون أنه من الإيجابي أن تقوم أنقرة بسحب سفنها من المياه التي تعتبرها الولايات المتحدة منطقة اقتصادية خالصة لقبرص اليونانية، وأن تنهي أنشطة التنقيب هناك. في حين ذكر أن إحدى نقاط الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، هي النزاع الموجود بين تركيا والقبارصة في شرق المتوسط.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أنهم يضعون مصلحة القبارصة اليونانيين الذين ليس لهم عضوية في حلف الناتو مبرّراً للنزاع والخلاف مع عضو بحلف الناتو. إن الولايات المتحدة تُظهر في كل فرصة ممكنة مدى رفضها التعامل مع تركيا كحليف.
وإلى جانب كل ذلك هناك مسألة هي الأهم، وهي تصريحات بايدن العدوانية يوم 24 أبريل/نيسان الماضي، حينما وصف الأحداث التي وقعت قبل 106 أعوام بحق الأرمن بأنها "إبادة جماعية".
كل تلك أمور يجب أن تضعها الولايات المتحدة في حسبانها وتُسأل عنها، فليس لديها الكثير مما تسأل هي عنه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.