مُنذ أكثر من أسبوع تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورة من عقد زواج كُتب في وثيقة قائمة المنقولات "من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال" أثارت الصورة ضجة واسعة وانتشر الحدث كالنار في الهشيم ليسبب خلفه وابلا من التعليقات وانقسمت آراء الناس إلى فريقين ما بين مؤيد ومعارض.
حيث رأى الفريق المؤيد أن الأب فعل الصوب فمن يسَّر زواجاً عسّر زِنا؛ ومن عسّر زواجاً يسّر زنا.. كما جاء الفريق الآخر معارضاً للأول، وتكاثرت الأسئلة حول كيف فرط الأب في حق ابنته؟
لكن تبقى بعض الأسئلة عالقةً هنا: لماذا كلّ هذا الجدال والضجيج؟ فميثاق الزواج مُتعارف عليه وفقًا للشريعة الإسلامية. لماذا جعلنا من الزواج حلبة من الصراع ولا بد لأيّ طرف من الجانبين أن ينتصر في النهاية؟ لماذا يتناسى البعض أن في اللحظة التي تتم فيها عملية الزواج تتحول البنت من عصمة أبيها إلى عصمة زوجها فتصبح عرضه؟ لماذا نزرع في مجتمعنا أفكارا لا نعلم كيف سنحصد ثمارها في الأعوام القادمة دون وعي منا؟
أعرف جيدًا أن الأمر في النهاية يختلف، فمحاكم الأسرة مكتظة بقضايا الطلاق وتتزايد يومًا عن يوم، فالإحصائيات تشير إلى وقوع حالة طلاق كلّ دقيقتين في مصر، وأكثر من 10 آلاف حالة خلع في العام، لكن في نظري تبدو المعادلة بسيطة: "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ".
دائماً ما يراودني سؤال حول فكرة الزواج، لماذا يتم تداول قصص الفشل فيه؟ لماذا لا نتحدث عن العشرة الطيبة؟ دائماً ما نتداول الصراعات والخلافات التي تدور حول الزواج، قرأت إحدى التعليقات التي جاءت في هذا السياق "القايمة والنيش يا إما مفيش"، يبدو تعليقاً ساخراً للوهلة الأولي، لكن الأمر بذرة تنمو داخل عقولنا لتصبح فيما بعد هي المُسيطرة، الأمر لم يتعلق بفكرة قائمة المنقولات أو أثاث المنزل، إنما متعلق بفكرة ترسيخ مبدأ أن الزواج "شروة" وعليك أن تخرج منها وأنت رابح وفائز، ألم تكن الآية القرآنية واضحة؟ "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
لكن تكمن المشكلة -من وجهة نظري- في كوننا تربينا في مجتمعنا العربي على جعل الرجال "مصباح علاء الدين"، أنهم قادرون دائماً على فعل المعجزات، قادرون على تحقيق المستحيل، ومع الوقت صدقنا هذا الشعور، شعور أننا نقدر على صناعة الفارق، وأننا مصدر الشعور الدائم بالمستقبل والأمان المستمر بالنسبة لمن يحيطون بنا، ولا يجب علينا أن نضعف أو نبكي ونشتكي، وكأننا نمسك بعصا سحرية نقول بها للشيء كن فيكون.
مع تطور الأحداث وكثرة عوامل الفشل والإحباط والظروف الاجتماعية وصعوبات الحالة الاقتصادية ومحاولاتنا الدائمة للتصدي لهم، والتعامل مع الضغوط المحيطة بنا، بدأنا نفتقد الفعل وبدأت تتوجه إلينا كلمات اللوم والعتاب، أننا لم نُصبح بعدُ مصدرَ الإحساس بالأمان والسند، مما دفَعَنا للشعور بالخوف من عدم قدرتنا على تحمل المسؤولية والدخول في صراعات أخرى، وهربنا من هذا الإحساس بالكلمات والوعود التي تتحول فيما بعد إلى سراب، مما جعل الآباء يخافون على بناتهم ويخلقون الضمانات التي تجعلهم مطمئنين عليهن قبل الموافقة على الزواج.
أعتقد أن هذه النوعية من الأفكار أو الأعراف ستخلق حالة من الخوف؛ الخوف الذي يستطيع وحده خلق التردد داخلنا، ويؤخر قرار الزواج سنة بعد أخرى، الخوف من الضعف، الخوف على قوتنا، الخوف على أوهامنا، الخوف من ألّا نجد الإخلاص، الخوف من أن نبني بيتاً على كذبة، الخوف من أن نفقد قيمتنا الرجولية ونتحول إلى أناس تقيم بالمال وليس بالأخلاق.
ونتساءل لماذا الدخول في كل هذه الصراعات التي لم نعلم كيف تنتهي؟ وهل سنستطيع التغلب عليها؟ ويخيل إلينا أن الموت في عزوبية ووحدة أفضل وأصدق من زواج نخشى فيه عدم معرفتنا مُستقبله جيدًا.
المشكلة تكمن في التيه وسط زحام الأفكار التي لم ينزل الله بها من سلطان، كل شيء محيط بنا أصبح رتمُه سريعا، ومطلوبٌ منا أن نكون على الأقل بنفس سرعة هذه الكماليات، حتى لا نفتقدها أكثر، ونسينا أننا في عز اللهفة نضيع الاحتياجات الصحيحة التي كان لا بد أن نحصل عليها.
حتى أصبح الزواج أشبه بالكلمات المتقاطعة نتسابق على خانة واحدة فيه وهي المال دون النظر عن باقي الخانات التي ستجعل من هذا الزواج مودة ورحمة وبيوتاً نسكن إليها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.