دائماً ما كانت كرة القدم مرتبطة بالقلوب، تفرح قلوب الجماهير تارة وتقبض قلوبهم من الحزن تارة أخرى، ترفع ضغط دمك فرحاً بالفوز وبعدها ينخفض حتى قدميك في هجمة تمر أمام مرمى فريقك. ولكن في لحظات خاصة وعلى غير العادة تقف جماهير كلا الفريقين على قدم واحدة في مشهد تكتب عنه القصائد، في إنسانية تكمن داخل فطرتهم مهما أظهروا من تعصب لأي فريق. فتجد لاعباً يقع على أرض الملعب بشكل لا يعتاد رؤيته في كرة القدم فتقع معه قلوب مناصريه وحتى مؤازري الخصم. أمام الشاشات يصمت الجميع، وكرة القدم لا تعرف الصمت قط.
تكاد لا تسمع صوتاً بعدما كانت تشتكي الكرة الأرضية من زلازل فوق الأرض بفعل الجماهير. ربما لم نرَ هذا المشهد بكثرةٍ في كرة القدم ولكن كلما سقط لاعب بهذه الطريقه أعاد كابوساً على الجميع حاولوا جميعاً نسيانه.
كريستيان إريكسن اللاعب الهادئ الذي لا يعرف ضجيج الإعلام ولم نعتد على وجوده بين التريندات أو أن يتابع العالم أخباره بهذا الشكل، صاحب الـ29 ربيعاً لاعب خط منتصف نادي إنتر ميلان، الذي اعتادت جماهير الكرة على رؤيته راكضاً طول الملعب وعرضه، وليس من اللاعبين الذين تعتاد على رؤيتهم متعبين أو مصابين حتى، ولكن لا كبير فوق إرادة الخالق مهما كثرت الفحوصات وتطور العلم، فلن يستطيع إلا أن يكون مجرد سبب لتنفيذ إرادته.
مشهد سقوط جسد إريكسن أعاد إلى أذهان الجميع عدة كوابيس عن لاعبين سقطت أجسادهم على المستطيل الأخضر ولم تعاود الوقوف مجدداً، أو حتى من ماتوا خارج الملعب أو حتى أثناء نومهم! فلم يمضِ كثيرٌ من الوقت وبالتحديد في مارس/آذار 2018 حينما استيقظنا على هذا الخبر المفزع، أن النجم الإيطالي دافيد أستوري قد توفي أثناء نومه. فأثناء إقامة ناديه فيرونتينا بأحد الفنادق استعداداً لمباراة في الدوري استيقظ الجميع عدا دافيد، الذي أعلن عن وفاته في البيان الرسمي "بأن النادي مصدوم ويعلن بكل أسى بأن قائد الفريق قد توفي"، فليس من المعتاد على الرياضيين وخصوصاً لاعبي كرة القدم أن تكون أخبار وفاتهم فجأة بهذا الشكل.
ومن المشاهد الصعبة أيضاً على مشجعي كرة القدم، في 8 يوليو/تموز 2017، حين سقط اللاعب الهولندي عبدالحق نوري، أبرز موهبة في أياكس في هذا الوقت، وكان من المتنبأ لهم بحظ وافر في المستقبل بين أندية أوروبا الكبرى، ولكن في إحدى المباريات الودية سقط عبدالحق مغمى عليه في الملعب، وسقطت أحلامه معه. كما عبّر عن هذا أخوه قائلاً: "أحلامنا كانت في السماء وبعدها أصبحت أحلامنا أن يرمش لنا أو يحرك إصبعه أو يبتسم"، وهذا بعدما أصيب بتلف دائم بالدماغ، بمشهد وصف أنه عودة من الموت بطريقة أسطورية، مثل ما وصفت مسيرته فأصبح الأسطورة اليافعة التي أبكت العالم.
وجميعنا بالطبع سنتذكر ذلك المشهد في يونيو/حزيران 2003، وفي كأس القارات في هذا الوقت، وفي أوج فترات المنتخب الكاميروني الذي قدم بطولة قوية وفاز على البرازيل وتركيا، وكان من بين لاعبيه مارك فيفيان فويه، مارك الذي عرفه الجميع بأخلاقه الحميدة، صاحب الشخصية القوية والهزلية المازحة، الذي كان من أقوى لاعبي الكاميرون بدنياً في ذلك الوقت، ولكن في الدور نصف النهائي من البطولة ذاتها وأمام منتخب كولومبيا، وقبل نهايه المباراة بعشرين دقيقة فوجئ العالم أجمع بسقوط مارك دون أي تدخل، ظن الجميع حينها أنها ربما آلام في العضلات نظراً للإجهاد بعد تلك البطولة الماراثونية، ولكن كان هناك أمر ما مختلف، ظل الطاقم الطبي يحاول إفاقة مارك لمدة خمسٍ وأربعين دقيقه بلا أية استجابة، وفي خلال تلك الدقائق شاهد الجميع زملاء مارك يبكون، حتى لاعبو كولومبيا لم يتمالكوا أنفسهم في انتظار أية ردة فعل إيجابية تبعث فيهم الأمل، ولكن بعد كل المحاولات أعلن الطاقم الطبي رسمياً وفاته على أرض الملعب، بسبب تضخم في عضلة القلب، ليعلن بعدها -وحتى الآن- نادي مانشستر سيتي منع ارتداء القميص رقم 23 كنوع من التكريم للكاميروني.
وبالتأكيد ستتذكر جميع الجماهير العربية هذا الخبر الذي صدم الجميع، بوفاة لاعب النادي الأهلي والمنتخب المصري محمد عبدالوهاب بعدما سقط في التدريب مغشياً عليه، وتلقت الجماهير صدمة لن تنساها، في أغسطس/آب 2006، بعدما سمعت عن ذلك الخبر، وقالوا إنه إثر أزمة قلبية فارق على إثرها حياته وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وفي بداية مشواره الكروي وتألقه في الملاعب، ولكن فجأة وبدون مقدمات سقط دون أي احتكاك على أرض الملعب، لينقل بعدها للمشفى الذي أكد وفاته بمجرد توقيع الكشف عليه.
بعد هذا الحادث بعام، وأيضاً مع النادي الأهلي، تحديداً في يونيو/حزيران 2007، مباراة للفريق الأحمر أمام طلائع الجيش في كأس مصر، إذ سقط اللاعب محمد صديق مدافع النادي الأهلي في مشهد لن ينساه كل مشجعي الكرة المصرية، بعدما سقط بتدخل في كرة مشتركة أمام المرمى ليصاب بارتجاج في المخ، وغيبوبة، وظلّ ممدداً على الأرض لفترة توقفت خلالها قلوب الجميع، كل من في الملعب أو حتى أمام الشاشات غلبه الصمت أو البكاء لمدة دقائق، بعدما تذكر الجميع مشهد محمد عبدالوهاب حتى كان القدر رحيماً، واستطاع الفريق الطبي في الملعب، والحمد لله، التعامل بشكل احترافي، ونقل اللاعب إلى المستشفى لتلقي العلاج، وبعدها تماثل للشفاء بشكل رائع وعاد للملاعب لفترة طويلة.
لذلك في النهاية ندعو، وكل تمنياتنا وكل دعمنا لإيركسن، بالتماثل للشفاء في أقرب وقت ممكن، حتى يعود للملاعب بأفضل حال، وتعود الكرة إلى أقدامه مجدداً، ولنعترف في كل مرةٍ أنها أكبر من مجرد كرة قدم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.