نظام الاحتلال الإسرائيلي يقترب من نهايته

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/10 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/10 الساعة 11:04 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

ردَّ الخاسران في حرب غزة، إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على المظاهرات التي اندلعت في القدس ورام الله وجميع أنحاء الضفة الغربية المحتلَّة، خلال أيام الحرب الأحد عشر، باستخدام أقصى درجات القوة. ثم استعادوا "الهدوء" إلى الأحياء الفلسطينية في البلدات والقرى في إسرائيل والضفة الغربية المحتلَّة من خلال حملة اعتقالات موسعة.

في آخر إحصاء، اعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 2100 فلسطيني داخل إسرائيل، وأكثر من 1800 في الضفة الغربية المحتلَّة. وعلاوة على ذلك، أفادت منظمة "محامون من أجل العدالة"، ومقرها رام الله، بأن أمن السلطة الفلسطينية اعتقل 20 فلسطينياً، معظمهم بتهمة "إثارة الفتنة" و"التشهير" ضد السلطة الفلسطينية. 

أنشأت الشرطة الإسرائيلية في "الناصرة"، ما أطلقت عليه مركز "عدالة" لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، "غرفة تعذيب". وبحسب ما ورد، فقد اقتيد المعتقلون إلى غرفةٍ على الجانب الأيسر من ممر مدخل المحطة، وأُجبِروا على الجلوس على الأرض مُكبَّلي الأيدي خافضين رؤوسهم نحو الأرض. 

ثم، كما ذكر مركز "عدالة": "بدأ رجال الشرطة بضربهم في أجسادهم، بالركلات والهراوات، وضرب رؤوسهم بالجدران أو الأبواب، وأكثر من ذلك. وعمد الضباط إلى جرح المعتقلين وإرهابهم، ومن تجرَّأ على رفع رأسه كان يتعرَّض للمزيد من الضرب من قِبَلِ الضباط. وبحسب ما أُفيد، كانت أرضية الغرفة مُغطَّاة بالدماء من الضرب". 

وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمُحرَّرين الفلسطينيين، فإن الاعتقالات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد "ترافقت مع اعتداءاتٍ وحشية، بما في ذلك الشتائم والضرب وتخريب محتويات منازل المواطنين وممتلكاتهم". 

لكن إسرائيل لم تنجح، ولا السلطة الفلسطينية، حتى الآن في استعادة النظام بالطريقة "الطبيعية" التي اعتادوا عليها. هذا لأنهما لا يجدان أي "وضع طبيعي" يعودون إليه، فقد تغيَّر شيءٌ ما بشكلٍ جذري. 

انهيار أسطورة الدولتين 

إن الوضع الراهن، الذي خدم المصالح التوسُّعية لإسرائيل على مدار عقود وكذا مصالح داعميها الغربيين، الذين رعوا أسطورة حل الدولتين، إنما هو وضعٌ آخذٌ في الانهيار. 

الوضع الراهن يتألَّف من دورةٍ متفجِّرة: إخلاءات فلسطينية، واستيطان يهودي، وحملات قصفٍ قصيرة لتقليم مخالب المقاومة الفلسطينية، ومحادثات تنتزع تنازلاتٍ تراكمية من القيادة الفلسطينية لتمهِّد الطريق أمام المزيد من الاستيطان، بينما مفاوضو السلطة الفلسطينية قد استسلموا بالفعل. 

قبل وقتٍ طويل من تبني نتنياهو خطة إلحاق المستوطنات في القدس الشرقية المحتلَّة، كان المفاوض الفلسطيني الراحل صائب عريقات قد عَرَضَ على نظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني "القدس الأكبر في التاريخ". 

إن الوضع الطبيعي للاحتلال يقترب من نهايته. وعلى الجانب الفلسطيني والإسرائيلي على حدٍّ سواء، يجري هذا الانهيار في الوقت نفسه في عملياتٍ مرتبطةٍ ببعضها، لكن لا تزال كلٌّ منها مستقلةً عن الأخرى. 

بعد أربعة انتخاباتٍ غير حاسمة، صارت إسرائيل نفسها في حالة غليان. رئيس الوزراء المُكلَّف، نفتالي بينيت، ونائبه في حزب يمينا أييليت شاكيد، حصلا على حمايةٍ أمنية إضافية من الشرطة، بينما حذَّرَ رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، "الشاباك"، من أن التحريض المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدِّي إلى "أعمال عنف". 

تُرصَد أوجه التشابه مع اغتيال إسحق رابين -لكن على عكس تلك الأيام، حين كانت إسرائيل يهيمن عليها حزبان رئيسيان، "الليكود" و"العمل"، فإن الكنيست اليوم منقسمٌ إلى أحزابٍ صغيرة مختلفة، أكبرها "الليكود"، الذي حصل على 30 مقعداً في الانتخابات الأخيرة. 

إسرائيل تقترب من التفكك

يجري التحريض من قِبَلِ الجوقة المحيطة برئيس الوزراء المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو. قال حاجي بِن أرتسي، شقيق سارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء، إن نية بينيت في الشراكة مع يائير لابيد، الوسطي، تتوافق مع التعريف التوراتي لـ"الخيانة". وأوقَفَ يائير، نجل نتنياهو، حسابي إنستغرام وتويتر خاصته مؤقتاً بعد أن نشر عنوان منزل نير أورباخ، عضو الكنيست من حزب "يمينا". 

إسرائيل
ليفين رئيس الكنيست الإسرائيلي/ الموقع الرسمي للكنيست

وفي أصداءٍ لرفض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالهزيمة، قال نتنياهو إن إسرائيل تشهد "أكبر تزوير انتخابي في التاريخ". ويتعامل نتنياهو مع الإطاحة الوشيكة لحكومته كتهديدٍ وجودي على إسرائيل نفسها، حتى أنه يستدعي قصة النبي موسى، إذ عوقِبَ أولئك الذين عارضوه عندما انشقَّت الأرض وابتلعهم البحر. 

أحداث كارثية مماثلة تنتظر إسرائيل نفسها. وصف نتنياهو الحكومة الجديدة بقيادة بينيت اليميني المتطرِّف بأنها "حكومة يسارية خطيرة"، يدعمها "مؤيِّدو الإرهاب" الذين لن يكونوا قادرين على مواجهة أعداء إسرائيل، مثل إيران. 

وقال المحلِّل السياسي المخضرم والمعلِّق في موقع Middle East Eye البريطاني، ميرون رابوبورت، إنه بينما بنى نتنياهو قاعدته السياسية على الاستقطاب الشديد، فإن خطاب الكراهية ينخر الآن في اليمين الإسرائيلي نفسه. 

قال رابوبورت، مشيراً إلى أن نتنياهو يعتقد أن طريقته الوحيدة للحفاظ على السلطة هي وصف بينيت بالخائن، بينما في الوقت نفسه يهدِّد أنصاره أعضاء الكنيست بالقتل: "التحريض أمرٌ عدوانيٌّ جداً جداً، لكن المثير للاهتمام هو أن خطاب الاستقطاب هذا قد دخل إلى المعسكر الصحيح". وأضاف: "لأنهم ينحدرون من نفس المعسكر اليميني، وكانوا قريبين من بعضهم البعض، فإن الشعور بالخيانة والغضب أقوى". 

وأشار معلِّقٌ آخر في الموقع نفسه، وهو أورلي نوي، إلى أن "نتنياهو كسر كلَّ ما كان يُعتَبَر مملوكاً للدولة، مثل نظام العدالة والشرطة. وهذا يعني فوضى كاملة في جميع الأنظمة. لقد حطَّمَ كلَّ الأدوات التي حافظت على الدولة اليهودية، والآن نشهد ثمار عمله". 

ما فعله أبو مازن هو إفراغ فتح من أيِّ معنى أو غرض أو أيِّ نضالٍ من أجل الحرية والتحرير

بالنسبة لأوريت مالكا ستروك، عضو الكنيست عن الحزب الصهيوني الديني، إذا نجح نتنياهو في تدمير الحكومة الائتلافية قبل أداء اليمين، فإن إسرائيل نفسها ستصبح دولةً فاشلة. وقالت: "نصف الإسرائيليين الذين صوَّتوا لحكومة التغيير سيعتقدون أن حكم نتنياهو غير شرعي، في وضعٍ قريبٍ من نظرة الفلسطينيين إلى النظام في إسرائيل". وأضافت: "إسرائيل ستقترب من التفكُّك، لذلك نحن في لحظةٍ مأساوية. إذا حاول منع تغيير الحكومة، أعتقد أن المؤسَّسات قوية بما يكفي للتداخل مع نتنياهو، لكن هذا غير مؤكَّد. إنه وقتٌ مأساوي للغاية، وقد يتضرَّر أعضاء الكنيست جرَّائه". 

انهيار القيادة 

انهيار القيادة السياسية على الجانب الفلسطيني في رام الله لا يقل عن نظيره الإسرائيلي. تحاول قيادة السلطة الفلسطينية بشكلٍ عام، والرئيس محمود عباس على وجه الخصوص، كبت موجة من الغضب على جميع المستويات داخل "فتح". 

قال أحد الموالين لفتح، والذي كان في وقتٍ ما يشغل منصباً رفيع المستوى، وتحدَّثَ شريطة عدم الكشف عن هويته، لموقع Middle East Eye: "أتباع فتح غاضبون جداً. ما تفعله حماس الآن هو ما فعلته في الانتفاضة الأولى. تؤمن فتح بالنضال ضد الاحتلال والتحرير والكفاح المسلَّح. لكن ما فعله أبو مازن هو إفراغ فتح من أيِّ معنى أو غرض أو أيِّ نضالٍ من أجل الحرية والتحرير". 

وأضاف: "أعضاء التنظيم في فتح على الأرض ليسوا سعداءً بأبو مازن وجوقته. تريد القيادة الإبقاء على الوضع الراهن لأنهم يريدون المال. يريدون الحفاظ على استثماراتهم في صفقات الأراضي، ويريدون الإبقاء على الاحتلال كما هو لأن بدونه لا دور لهم". 

معظم هذا الإحباط الداخلي يعيش كالنار تحت الرماد، لكن البعض منه يخرج إلى العلن. طُرِدَ ناصر القدوة، العضو السابق في اللجنة المركزية لحركة فتح، والممثِّل الفلسطيني لدى الأمم المتحدة ووزارة الخارجية، من حركة فتح، لرفضه الترشُّح لقائمةٍ يرأسها الرئيس الفلسطيني، لكنه لا يزال يعتبر نفسه "فتحاوياً حتى النخاع"، وهو ابن شقيق الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. 

سألته عمَّا إذا كان عباس، البالغ من العمر 85 عاماً، لا يزال مناسباً لقيادة شعبه بعد تأجيل ما كان يمكن أن يكون أول انتخابات فلسطينية بعد 14 عاماً، فأجاب القدوة: "حسناً، لا أرغب في إضفاء الطابع الشخصي على الأمور، لكنني أعتقد أن الوضع الحالي لا يمكن تحمُّله. نحن بحاجةٍ إلى التغيير، والتغيير في رأيي يعني تغيير الأشخاص والشخصيات، وتغيير السياسات، وكذلك تغيير المواقف. إن الاستمرار بهذا الحال لن يؤدِّي إلا إلى المزيد من المشكلات والمزيد من الكوارث على الشعب الفلسطيني". 

وليس لدى القدوة أدنى شكٍ في أن قائمته كانت لتحقِّق نتائج أفضل من عباس لو كانت الانتخابات قد عُقِدَت بالفعل. ولو أعقب ذلك انتخابات رئاسية، وطرح مروان البرغوثي اسمه من السجن الإسرائيلي، لكان قد فاز. 

إخفاقات عباس 

علامةٌ أخرى على استنزاف سلطة عباس ودنو أجلها كانت الرسالة الأخيرة التي كتبها أكاديميون فلسطينيون بارزون يدعونه فيها إلى التنحي. حصلت الرسالة منذ ذلك الحين على أكثر من ثلاثة آلاف توقيع. كانت تلك بالطبع أكثر من مجرد رسالة. كانت بدايةً لحملة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. 

أشارت الرسالة إلى أن عباس كان أهم غائب خلال الأحداث الأخيرة، بما في ذلك انتفاضة القدس ضد عمليات الإخلاء في حيِّ الشيخ جرَّاح، واقتحام المستوطنين المُسلَّحين للمسجد الأقصى.

ونصت الرسالة على التالي: "بعد نهاية المعركة، أضاف عباس إخفاقاً آخر إلى سجله السياسي بفشله في إظهار أي تضامن عملي مع معاناة الشعب الفلسطيني. ولم يكترث حتى بزيارة أسر الشهداء في غزة والضفة الغربية. إذ كانت أمامه فرصةٌ ذهبية لزيارة قطاع غزة، واستغلال الفرصة باعتبارها بدايةً لإنهاء الانقسام، لكنه كشف بدلاً من ذلك عن حجم الشلل الذاتي الذي وضع الرئيس نفسه فيه".

ليس لدى عباس شيءٌ يقوله للفلسطينيين لأنه لم يُحقق شيئاً من أجلهم. إذ لم تحقق ثلاثة عقود من المحادثات -التي تلت الاعتراف بإسرائيل- شيئاً سوى تفكيك كافة المؤسسات الفلسطينية

يقود جيلٌ جديد من الفلسطينيين هذا التغيير بكل قوة. إذ وُلِدوا بعد أوسلو، وهم منفصلون تماماً عن رام الله وقياداتها. لدرجة أنّ رام الله، التي تُعتبر بمثابة تل أبيب الضفة الغربية المحتلة، شهدت تظاهرات لآلاف الفلسطينيين في إهانةٍ واضحة لرئيسها الصامت الغائب. وهذه حقيقةٌ مؤلمة لأنها حقيقية، وليست حركة حماس هي السبب فيها. يعتبر هذا الجيل نفسه شعباً واحداً من النهر إلى البحر. وبينما يطلب عباس الإذن من إسرائيل في كل مرة يتحرك خلالها بفريقه الأمني داخل الضفة المحتلة، يأتي هذا الجيل ليتحدى القيود ولا يحصر نفسه بالجدران ونقاط التفتيش الأمنية التي تفرضها قوات الاحتلال. والمقدسيون وفلسطينيو 1948 لا يخضعون لسيطرة عباس، ناهيك عن سيطرة حركة فتح أو منظمة التحرير الفلسطينية.

رسالةٌ واضحة

ليس لدى عباس شيءٌ يقوله للفلسطينيين لأنه لم يُحقق شيئاً من أجلهم. إذ لم تحقق ثلاثة عقود من المحادثات -التي تلت الاعتراف بإسرائيل- شيئاً سوى تفكيك كافة المؤسسات الفلسطينية المنخرطة في الحوار: المجلس الوطني الفلسطيني، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمجلس المركزي.

حيث تساءل بيان الأكاديميين الفلسطينيين: "لدينا الآن الحق لنقف ونتساءل: ما هي النتيجة؟ وما الذي حققه الرئيس لشعبه؟ وما هي الحقوق التي حصلت عليها؟".

ويجب أن يرحل عباس، وإن كان ذلك لحفظ سمعة وإرث حركة فتح باعتبارها منظمة تحرير. ولن ينقذه الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته توني بلينكن، ولن تنقذه كذلك كافة أموال الضرائب وكل المزايا الأخرى التي تمنحها له إسرائيل.

والرسالة واضحة بالنسبة لبايدن وبلينكن: لقد ولّت أيام اختيار قيادة للشعب الفلسطيني مقدماً عن طريق مرشح يلقى استحسانهم واستحسان إسرائيل. وأسرع طريقة لإنهاء الصراع الآن هي بالسماح للقيادة بتجديد نفسها وتمثيل الشعب الفلسطيني.

لكن عباس والقيادة الحالية للسلطة الفلسطينية بالكامل ليس بإمكانهم تحقيق ذلك. والإبقاء عليهم في السلطة هو إبقاءٌ على أحد المقومات الأساسية للاحتلال الإسرائيلي.

– هذا الموضوع مُترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديفيد هيرست
كاتب صحفي بريطاني
ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً
تحميل المزيد