بغض النظر عن تركيبتها، سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 إلى النفاذ إلى القارة الإفريقية، وبناء علاقات متشعبة مع دولها، بغية إعطاء انطباع دولي بأن دولة الاحتلال طبيعية كبقية دول العالم، وثمة أسباب إسرائيلية كامنة لبناء علاقات مع دول القارة الإفريقية، في المقدمة منها الأهمية الاستراتيجية لتلك الدول، وخصوصاً حوض النيل، بغية استغلال مياهه من جهة، والضغط على مصر والسودان، وابتزازهما سياسياً من جهة أخرى.
أهداف إسرائيلية استراتيجية
هناك دوافع إسرائيلية اقتصادية للاهتمام بدول إفريقيا لما تحتويه من موارد طبيعية، مثل الماس والذهب والخشب والنفط الذي يتركّز بشكل أساسي في نيجيريا وأنغولا، فضلاً عن إمكانية جعل إفريقيا الذي يصل عدد سكانها إلى مليار ومئتي مليون نسمة سوقاً استهلاكياً للصادرات من السلع الإسرائيلية.
وفي الوقت التي تراجعت فيه أرقام الهجرة اليهودية من أوروبا وأمريكا إلى فلسطين المحتلة مقارنة بعقد التسعينات من القرن المنصرم، اهتمت المؤسسات الإسرائيلية خلال العقدين الأخيرين بيهود إفريقيا، حيث يوجد عدد كبير منهم في كل من إثيوبيا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي وكينيا؛ وتسعى إسرائيل إلى تهيئة الظروف لاجتذاب الآلاف منهم، واستغلال من تبقى للضغط على الدول الإفريقية، واستمالتها لدعم إسرائيل في المحافل الدولية، لإسقاط مشاريع القرارات الدولية التي تدين الممارسات والسياسات الإسرائيلية الاحتلالية العنصرية إزاء الشعب الفلسطيني، حيث لإفريقيا ثقل كبير في المنظمة الدولية.
وتمكّنت إسرائيل من بناء علاقات متشعبة مع دول كثيرة في إفريقيا، بالاعتماد، بشكل أساسي، على مشاريع "المركز الدولي للتعاون الإسرائيلي"، بغية نقل المعلومات التكنولوجية وتنمية الموارد البشرية. وتهدف النشاطات إلى تعزيز القدرات المهنية من خلال الدمج بين البعدين، النظري والعملي، والدمج بين البحث العلمي وتطبيق المشروع على أرض الواقع، وتكييف تكنولوجيات جديدة لتلبية أولويات التطوير في تلك الدول، عبر التعاون مع وزاراتٍ مختلفةٍ، ومعاهد مهنية وأكاديمية ومراكز بحث في إسرائيل. ويعمل "المركز الدولي للتعاون" بالشراكة مع دول إفريقية، يمر اقتصادها بفترة انتقالية لمواجهة التحديات التنموية في مجالاتٍ، مثل الحد من الفقر، تقديم الخدمات الصحية الأساسية، ضمان الغذاء، التربية في سنوات الطفولة المبكرة، مكافحة التصحر، تحقيق المساواة بين الجنسين، شركات صغيرة ومتوسطة الحجم وتطوير متكامل للمناطق الريفية.
اتجاهات العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية
يلحظ المتابع للشأن الإسرائيلي أن العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية شهدت تحولاتٍ عديدة منذ عام 1948، فتوالت اعترافات الدول الإفريقية بإسرائيل حتى بلغت ذروتها في عام 1963، حيث تمّ افتتاح 23 سفارة إسرائيلية في إفريقيا، وتراجعت تلك العلاقات بعد العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في حزيران/يونيو 1967، ما لبثت أن تحسنت بعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس المحتلة عام 1977، لكنها لم تلبّ الطموحات الإسرائيلية. والثابت أن اتجاهات تطور العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية ارتبطت، بشكل وثيق، بمنحى الصراع العربي – الإسرائيلي، فالمقاطعة الدبلوماسية الإفريقية لإسرائيل، في السبعينيات ومعظم سنوات الثمانينيات، ثم العودة السريعة لهذه العلاقات، منذ بداية عقد التسعينيات، ارتبطت بحدثين مهمين، أولهما حرب أكتوبر 1973، والثاني انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في نهاية عام 1991، فضلاً عن اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل في الثالث عشر أيلول/سبتمبر من عام 1993.
يتجاوز مجموع سكان القارة الإفريقية ملياراً ومئتي مليون نسمة، تريدهم إسرائيل هدفاً لصادراتها السلعية، واستطاعت إسرائيل بناء علاقات مع 45 دولة إفريقية حتى بداية العام الحالي 2021 . في ظل الاستراتيجية التي عبّر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة، والقاضية بتوجيه سياسته الخارجية لتحقيق هدف التغلغل في إفريقيا، وتقوية العلاقات الإسرائيلية مع دول إفريقية عبر البوابة الاقتصادية، بواسطة خطة لتعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين؛ دعت إسرائيل الشركات المحلية إلى استغلال الموارد، وتوسيع صادراتها إلى إفريقيا. وتبعاً لذلك، تمت زيارات مكوكية لشخصيات إسرائيلية وفي مقدمتها نتنياهو للقارة الإفريقية، لدول عديدة وفي مقدمتها إثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا، وقدم وعوداً حينها بدعم مشاريع التنمية وتحديث الزراعة والتحوّل التكنولوجي والتعليم والصحة.
وتعمل وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية، من خلال عدّة قنوات، لإيجاد صيغ تعامل وعلاقات جديدة في إفريقيا، منها افتتاح ملحقيات تجارية تتبع وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية في عاصمة غانا، أكرا، وفي نيروبي وفي كينيا، إضافةً إلى الملحقية التجارية القديمة في جنوب إفريقيا. ويحظى توسيع رقعة العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية باهتمام إسرائيلي كبير، وخصوصاً مع الدول التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل في عقد السبعينيات.
وبشكل عام، تريد إسرائيل من علاقاتها مع الدول الإفريقية تحقيق عدة أهداف؛ في مقدمتها توسيع رقعة علاقاتها الدبلوماسية مع هذه الدول، إضافة إلى فتح أسواق جديدة للشركات الإسرائيلية، وكسر تأييد تلك الدول للقضية الفلسطينية في مؤسسات الأمم المتحدة، في مقابل ذلك تأمل الدول الإفريقية أن تسهم علاقاتها مع إسرائيل في الحصول على المعرفة وتطوير قطاع الزراعة بالدرجة الأولى، والأهم من ذلك إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيسي لإسرائيل دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.