حماس منقطع النظير قبل عقدها.. فهل تخدم الانتخابات المهنية بالمغرب مصالح الشغيلة التعليمية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/10 الساعة 13:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/10 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
صورة من داخل إحدى الفصول الدراسية العربية / تعبيرية

لا حديث هذه الأيام في أوساط الموظفين والعمال عامة، ومنهم الموظفين التعليميين، إلا عن انتخابات اللجان الثنائية متساوية الأعضاء، حيث استنفرت النقابات كل جهودها في حملتها الانتخابية من أجل الظفر بثقة نساء ورجال التعليم. وقد بلغت تعبئتها مستويات قياسية بفعل استثمارها طفرة مواقع التواصل الاجتماعي التي ضاعفت من فرص الاحتكاك بين مختلف النقابيين، ما أدى، في بعض الحالات، إلى التشنج والتراشق العنيف فيما بينهم بسبب موجة الاستقطاب الحاد لأصوات "الشغيلة التعليمية" بعد أن كانت فيما سبق تمر دون أن تعيرها الغالبية منها أي اهتمام. 

فهل تتناسب الضجة المثارة حول هذه الانتخابات مع قيمتها الفعلية؟ وهل تشكل فرصة لإحداث التغيير في أوساط موظفي وزارة التربية الوطنية والقطع مع معاناتهم حقاً؟

حماس غير مبرر

الواقع أننا بالنظر للاختصاصات التي يحظى بها أعضاء اللجان الثنائية لا نجد ما يبرر تلك الحماسة منقطعة النظير للانتخابات المرتقبة التي يخيل للبعض أنهم أمام طوق نجاة سينتشل الشغيلة من واقعها الهشّ. فيما أن منتخبيها هم في الحقيقة مجرد هيئة ناخبة لا تسفر إلا عن تمثيلية صورية في مجالس مثل المجلس الأعلى للوظيفة العمومية والمجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد. فحتى لو افترضنا إمكانية الانسجام بين مختلف ممثلي الشغيلة، وهذا غالباً لا يتحقق فإن إحداث أي تغيير ملموس غير وارد في تلك المؤسستين، فإذا لم تفلح تقارير مجلس بمستوى المجلس الأعلى للحسابات المتحدثة عن اختلالات صندوق التقاعد في استنفار مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية في تقويم وضعه ومحاسبة المتسبب في تلك الاختلالات، فكيف سيملك بضعة أفراد هذا إن افترضنا تحقق شرط النزاهة في من تم اختيارهم لتمثيل الشغيلة فيه القدرة على إصلاحه؟

كذلك الحال بالنسبة لمجلس المستشارين فهو مؤسسة للأعيان التي لم تنتصر يوماً لقضايا الشغيلة وقضايا المواطنين، وسيظل قانون التقاعد وصمة عار على نوابه الذين قاموا بتمريره شأنه شأن عدد من القوانين المجهزة على حقوق المغاربة ومكتسباتهم، ومن العبث التفكير في إحداث أي خرق في هذه المؤسسة المتحكم في تركيبتها والمصممة من أجل ترويض ممثلي الشغيلة وإبعادهم عن الفئات التي يحسبون عليها بفعل ما يتيحه دخوله من ريع التعويضات والامتيازات الذي يقتل الحسّ النضالي فيهم، تماماً كما يصنع ريع الهيأتين المذكورتين سابقاً وإن بدرجة أقل. 

الدفاع عن الشغيلة

تبقى نقطة الدفاع عن الشغيلة من التعسفات التي تطالها هي أبرز ما يتم التركيز عليه للتدليل على أهمية المشاركة في انتخابات اللجان الثنائية، ولئن أقررنا بأهمية الحؤول دون استفراد الإدارة بالمدرسين وباقي موظفي الوزارة في المجالس التأديبية إلا أن الملاحظ أن الدفاع عن المعروضين عليها يتأثر بشكل كبير بمعايير الانتماء للعشيرة النقابية وبغياب التناغم بين ممثلي الشغيلة، ما يجعل موقف ممثلي الإدارة أقوى، هذا بالنسبة للحالات البسيطة التي تناسلت مؤخراً بعد أن أصبحت مسطرة الإحالة على تلك المجالس تفعل لأهون سبب بحق من لا ظهر له ولا سند، وهو ما يسائل تلك النقابات عن أدوارها في مواجهة الشطط بحق ضحايا التعسف الإداري ولجمه في مهده قبل أن تتم جرجرتهم إلى المجالس التأديبية، كما تصنع بوسائلها الضاغطة على الإدارة مع المنخرطين فيها. 

أما حين تكون خلفية ملف المحالين على المجالس التأديبية نضالية أو سياسية فإن الغالب أن صوت النقابي يخمد ولا يملك أن يواجه الداخلية وأن يتحدى إرادتها، وكلنا يتذكر فضيحة المجالس التأديبية الصورية التي عقدت للعشرات من الأساتذة المجازين، حيث كان يعلم المعروضون عليها مسبقاً بالعقوبة المقررة لهم قبل اجتيازهم لها، بل إن من ممثلي الشغيلة التعليمية من لم يكتف بتزكية القرار السلطوي الفوقي فتماهوا مع الإدارة حتى تحولوا إلى إداريين أكثر من الإدارة، ولنتذكر أيضاً قرارات الإعفاء الشهيرة لعدد من أطر وزارة التربية الوطنية التي فعلت دون احترام لأية مساطير قانونية حين كانت لغة الإملاءات أكبر من تلك اللجان وصلاحياتها المحدودة. 

خاتمة 

نؤكد هنا أننا لا نضع كل النقابيين في سلة واحدة إلا أن المعضلة تكمن في الملعب الذي يفرض عليهم اللعب فيه وقواعده التي تشل حركة الشرفاء منهم وتستنزفهم في سجالات عقيمة وتعرض صفهم للاختراق بتشجيعها على الريع الذي يضعف الكثيرون منهم أمامه، ناهيك عن التقطيع الانتخابي الذي يهندس مسبقاً الخريطة ويجعل اليد العليا في الضبط وفي التحكم للوزارة ما يجعلهم يغرقون في دوامة لا أول لها ولا آخر. 

لا نعول كثيراً على انتخابات اللجان الثنائية ونعتقد أنها جعجعة بلا طحين وحرف لبوصلة نساء ورجال التعليم وبيع للوهم لهم، ذلك أن أفضل أشكال الحماية للشغيلة التعليمية هي تلك التي تسفر عنها حركاتها الاحتجاجية، فما يأتي بالنضال الميداني وبالالتحام بالجماهير لا يأتي به الانغماس في المؤسسات واللجان المسيجة، حيث إن كل المكتسبات التي حصلت عليها مؤخراً أتى بها فعلها النضالي بعد أن فرضت أجندتها على الجميع دون حاجة لحوار مباشر مع أي طرف رسمي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أنس السبطي
كاتب رأي مغربي
كاتب رأي مغربي
تحميل المزيد