كفتاة مسلمة أشعر بالفخر الكبير تجاه تعاليم الإسلام عامة وأمور الزواج خاصة، فحين أتدبر فيها أشعر بالعزة والفخر وكيف أن الله رفع شأني ومكانتي، قدرني وحفظ حقي وأعطى رسالة لخاطبي أنك ستحمل مسؤولية عظيمة، بالزواج من امرأةٍ حرص عليها خالقها وكرمها بحفظ حقوقها، كذلك حين أرى أن الشرع يقر أن يتولى الزوج إعداد كل أمور البيت استقبالا لحياة زوجية جديدة أشعر حينها بمدى أهمية قوامة الرجل وقدرته على تحمل مسئولية الزواج ونفقاته وقيامه على أدق أمور بيته، فالقوامة والرجولة والأخلاق الحسنة هي شروط الاختيار الحسن للزوج، وكذلك التيسير على الزوج وعدم مطالبته بما فوق طاقته إضافة لحسن أخلاق الزوجة وتحليها بالدين وما إلى ذلك من جمال وحسب ونسب كلها أمور مطلوبة لحسن اختيار الزوجة وقيام حياة زوجية سعيدة، لكن الواقع اليوم غير المعادلة وقلب الموازين وانقسم الناس فرقا متعددة، أحدهم يغالي بالمهر والمتطلبات والشروط، والآخر ييسر حد التفريط بحق كريمته، وثالث يطبق الشرع دون العرف فيزوج بمهر دون قائمة، ورابع يلتزم بالشرع والمهر مع التيسير، وبين هذا وذاك اختلف تطبيق كل فرد للزواج وتعاليمه كما يتفاوت الناس في تطبيق كل شيء في الدين والحياة، فما العمل إذَن؟
أصل الحكاية..
يبقى تساؤل يثار حول هذا الأمر، وهو "كيف حفظ والد العروس حق ابنته من دون القائمة؟"، فيا ترى هل طبق الشرع فقط دون العرف وقبل المهر أو الصداق المسمى بينهم عاجله وآجله؟ ألم يقم بالمساهمة في تجهيز البيت مما تعارف عليه المجتمع المصري- بأن تشارك العروس بشراء جزء من أثاث البيت والأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية-؟ ألم يفعل ذلك والد العروس والتزم بالشرع فقط وأخذ المهر على أن تذهب العروس لبيت زوجها مجهزا بما يقتدر عليه؟ أم أنه طبق جزءا من الشرع بقبول المهر وإلغاء القائمة، وطبق جزءاً من العرف بالمساهمة في تجهيز البيت دون كتابة قائمة تحفظ حقها وثوقاً منه في أمانة الزوج بشكل معنوي شفهي فقط؟! في الحقيقة لا أدري كيف تصرف الوالد، ولكني رجحت التفكير المنطقي بأنه طبق الشرع دون العرف -مع أن العرف جزء من الشرع-، ولكن الموضوع شائك ويحتاج تفصيلا فدعونا نستطرد ذلك الأمر معاً.
جولة حول العالم
بنقاش مع الأصدقاء حول العالم عن عادات الزواج لديهم فنجد أن جميع الدول العربية الغنية والفقيرة منها أن عُرفهم يطابق الشرع في أمر المهر أو الصداق دون زيادةٍ أو نقصان، وليس لديهم ما يعرف بالقائمة كما تعارف عليها المجتمع المصري، فالعريس مسؤول عن تجهيز البيت بكل ما فيه، كما أنه يقدم المهر للعروس بشكل أساسي، ثم له أن يقدم لها ما شاء زيادةً على ذلك من هدايا أو غيره، وليست العروس مطالبةً بشيء سوى أن تذهب بحقيبة ملابسها إلى بيت زوجها، ولكن في المقابل ليس عليها أن تشترط على الزوج شيئا في البيت أو تحدد ما يجب عليه الإتيان به أو إلزامه بـ"ماركة" معينة لأي شيء ولا تثقل عليه، وبهذا تتم أمور العرس بخير ومن زاد على ذلك بشيء ففضل منه وكرم.
أما في الدول الأجنبية أو في مجتمعات الغربة والمهجر، فيكون الأمر مختلفاً بعض الشيء فالمسلمون هناك يطبقون الأمر من زاوية الشريعة، وصار ذلك عرفهم هناك، وكذلك جرى العرف أن يتم الأمر بينهما بالتشارك في تأسيس البيت، أو يوكل الأمر كله على الزوج، وفي الغالب لا تكلف المرأة بشيء ولا يكلف الزوج ما لا يطيق.
بين يُسر الدين وعُسر الواقع
تختلف عادات الزواج في المجتمع المصري تماما عن كل دول العالم، شرقه وغربه، بل يختلف واقع تجهيزات وعادات الزواج داخل المجتمع المصري نفسه حسب كل محافظة أو منطقة بها؛ فالمدينة تختلف عن الريف، والصعيد يختلف عن الدلتا، وفى زمن الستينيات يختلف الأمر عن الألفية الحالية، وزمن الأجداد والآباء يختلف عن الأبناء.
فقديماً تزوج كثيرٌ من أهلنا بالشرع دون الدخول في تعقيدات مجتمعية كثيرة وعرف مستحدث، فكان الزوج يعد كل شيء قدر استطاعته، وغالبا ما كان يتم الزواج مع الأسرة في غرفة ببيت العائلة كعريس في بداية حياته إلى أن يمن الله عليه ويوسع رزقه ويستطيع شراء شقة سكنية أو بيت منفصل أو بناء شقة في ممتلكات الأسرة، فكان التيسير والبساطة عنوان الزواج، والرضا مفتاح سعادة الأسرة، ويتم الزواج وتعم الفرحة بأبسط التكاليف، وكان للحب قيمته الكبيرة ولكلمة الرجال وزنها، فيعرف الشاب الذي سعى وكدَّ هنا وهناك معنى وقيمة كل حجر وفلس وضعه لبناء بيته والزواج بحبيبته، فلا يفرط بها، ولا يسمح بهدم عشه الزوجي بتلك السهولة التي نراها اليوم من مشكلات زوجية وطلاق ملأ أرجاء محكمة الأسرة، وكانت المرأة تدرك قيمة زوجها وتعرف معنى بناء البيت وكيفية المحافظة عليه والصبر على المشاق والوقوف بجانب زوجها في كفاحه وحياته، وسعادتها تكتمل بالاجتماع على مائدة الطعام- المطهو على "البابور" ذو الشرائط حيث لا بوتاجاز حينها- التي تضم كل أطفالها في المساء -على نور "اللمبة الجاز"- حيث لا كهرباء، ولا إنترنت يفرق اجتماع الأسرة. بأبسط الإمكانات كانت تقوم الأسرة وتستمر الحياة بهدوء وسعادة ودون تفاصيل كثيرة وشروط كبيرة.
الزواج لمن استطاع إليه سبيلا
ولكن الواقع اليوم يختلف كثيرا، فاستحدثت الكثير من الأمور في العرف المصري حتى صار الزواج لمن استطاع إليه سبيلا، شروط ومتطلبات أثقلت كاهل الشباب، صعبت الحلال وصار انتهاك الحرمات أيسر مع قلة المروءة والدين وانتشار الإباحية في كل مكان، ونسأل الله العافية للشباب ولا ندعو أبدا إلى التعذر بتلك الحجج إذا صعب الزواج ولكن علينا التحلي بالصبر والانشغال بالطاعات وطرق أبواب بيوت أخرى تيسر الزواج ولا تفرض ما لم ينزل الله به من سلطان على الشاب المتقدم لخطبة كريمتهم الدرة المصون.
فصارت الأسَر اليوم تتسابق فيمن يفوز بجرامات ذهب أكثر أثناء شراء الشبكة التي هي "هدية" في الأساس من الخاطب لخطيبته، واشتراط مهر أو صداق أعلى من بنت الجيران والصديقات، على أن تقوم معركة "الستائر والسجاد" لتنتهي الخطبة أو الزواج برمته بسبب "مذبحة القائمة" والتي يكون الخلاف فيها على عدم كتابة غطاء الحلة "التيفال" وطقم "البايركس" الذي ثمنه "عشرومية ألف جنيه" وبنتكم عندكم وابننا عندنا ويا دار ما دخلك شر، كأفضل سيناريو متوقع لإنهاء الأمر.
مَن يدفع أكثر؟
فلماذا أحدث المجتمع عادات ليست حتى من الجاهلية؟ فتطالَب العروس بتقاسم تكاليف الزواج وإعداد البيت مع العريس في كل شيء، النصف بالنصف، هو عليه البيت والأثاث، وهي ملزمة بالأجهزة الكهربائية ومحتويات المنزل من أدوات ومفروشات، هو يشتري الستائر، وهي تشتري السجاد، وهكذا في دائرة مفرغة، بل الأدهى من ذلك أننا نجد بعض المناطق المصرية تتسابق في عدد بعض لوازم البيت، فمثلا لابد أن تشتري العروس اثني عشر طاقما من المفروشات، وثلاث مبردات، وعدد اثنين من "الغسالات" وهكذا، أعداد لا حصر لها وكل عام يزيد الأمر سوءاً لنجد الأُسًر مدينةً بأموال طائلة، وأمهات غارمات بسبب جهاز ابنتهم العروس ينتهي الأمر بالسجن للأم لعدم قدرتها على دفع المستحقات المالية التي استدانتها، أو الاستيلاء على أرض الوالد الذي قام برهنها مقابل المال كي يشتري مستلزمات البيت لابنته العروس، وتكتب القوائم ذات الصفحات العديدة، التي تُقضى الليالي الطوال لكتابة كل شيء فيها دون نسيانه، وفي النهاية لا تعلم العروس أين تضع كل هذه الأدوات في بيتها ذي الثلاث غرف على أفضل تقدير، لتجد أنها في النهاية حتى لم تُرضِ فضول الناس والمجتمع، الذين بالفعل خرجوا من بيتها يتحدثون عن "طقم الأركوبال" الذي لم يأتِ من بلاد ما وراء النهر مثل كل بنات الحي، ولم تسلم العروس من عيون الحاسدين والحاقدين لتجد "النيش" قد سجد شكرا لله بكل ما فيه واستراح من عناء العرض والقيل والقال.
ناهيك عن العرس وتكاليف يوم الزفاف واستئجار فستان الزفاف وصالة العرس وكل تلك الترتيبات التي يحدث فيها الكثير والكثير مما لا تحمد عقباه ولا يسع المقال لذكره، ويحتاج لمجلدات وأمهات الكتب كي يوفى حقه! فيا ترى هل تحققت السعادة في البيوت بكل هذه المغالاة؟ وهل وجد الزوجان البركة والهناء وراحة البال في حياتهم بعد كل هذا الكم الهائل من التكاليف والإعدادات؟!
ما لنا.. وما علينا
وحتى نكون منصفين أحب أن أضيف رأى الدكتور مصطفى طلعت عفيفي وزير الأوقاف الأسبق: "بدايةً أؤكد على أن هذه الأشياء مستحدثة، ولم يكن لها وجود في عصور الإسلام الأولى، ومعها كذلك مسألة مؤخر الصداق دون تحديد مدة معينة لتسديده، والذي هو معروف في ديننا أن يسر مهر المرأة دليل على بركة الزواج بها، وأنه لو كانت المغالاة في المهور مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما كان يحدث قبل ذلك هو أن الرجل يمنح المرأة مهرا يقل أو يكثر، ويقوم بإعداد بيت الزوجية بما هو ميسر دون أن تكلف المرأة أو وليها بأي شيء من هذا ولم يكن هناك ما يسمى بمؤخر الصداق أو قائمة منقولات، وكان الزواج ميسورا للجميع فقيرا كان الزوجُ أو غنياً".
رسالةٌ إلى من يهمه الأمر
في الختام أتوجه بدعوة كريمة إلى جميع الأسر في مصر خاصةً وفي العالم كله عامة بالعودة إلى تعاليم ديننا السمحاء والتيسير على الشباب في أمور الزواج دون إفراط أو تفريط، فإلى والد العروس أو وليها سواء كان أباً أو أخاً أو عمّاً.. لا تغالِ في الشروط بما لا يطيقه المتقدم لخطبة كريمتك، ولا تيسر حد التفريط في حقها فلا تطالبه بشيء أو لا تكتب حقها حفظا وصيانة لها، فخير الأمور الوسط وديننا يسر، وأيسرهن مهرا أكثرهن بركة، التزم بالشرع والعرف الذي هو جزء منه لكن في حدود المقبول الذي يستطيعه الخاطب، واكتب ما تعارف عليه المجتمع بالقائمة حفظا لحق كريمتك، فمن يؤتمن على العرض يطالب بالمال وبالتقوى وبحفظ هذه الأمانة وأدائها والقيام على رعايتها وأداء كامل واجباتها وهذا دليل خلقه وقوامته ولا ينقص منه أو منك شيء، فاحفظ حق كريمتك بالتوثيق فالشرع لا يخضع للعواطف، وكن رحيما بزوجها وعامله كابنك وكلفه بما يطيق راجيا بذلك رضا الله والتيسير على المسلم "والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.