رئيس مجلس النواب العراقي الحالي محمد الحلبوسي نجح منذ بداية عام 2020 تقريباً بتحويل محافظة الأنبار إلى جزيرة من الاستقرار النسبي، وسط المحافظات العراقية، التي تقع في غرب البلاد، تلك التي باتت تعرف في أدبيات الميديا بـ"المحافظات المحررة".
طقس الاستقرار الذي صنعه الرئيس النيابي لازمته كرات من "صاعقة الإعمار"، التي ضربت الأنبار، أكبر محافظات العراق من حيث المساحة. الأهم أن شرارات تلك الصواعق الإعمارية – التعيين في مؤسسات الدولة – أصابت البشر أيضاً، ولم تقتصر على الحجر.
المنافسون لصانع الصواعق النيابي، من الأحزاب العتيقة، والفرقاء السياسيين المزمنين، حاولوا بأصابع تصريحاتهم أن يفقؤوا العيون المعجبة به. اختصر ما قالوه بالجملة التالية: إنه معمر جزيرة المرور (تعرف عراقياً بـ"الجزرة الوسطية").
بدأت الحرب برايات "عزم"
تحالف "عزم" مكون من ثمانية أحزاب قوية، يقودها ثمانية من القباطنة الأقوياء، مثل خميس الخنجر وخالد العبيدي. هذا التحالف السياسي أعلن عن ولادته في محافظة ديالى بطريقة مغامرة. زاعماً أن الحرس الشخصي لأحد قباطنة "عزم"، قد تعرض إلى محاولة اغتيال. لا أحد يستطيع مقاومة إغراء الإعلان عن نفسه بطلاً في بيئة أمنية خطرة، مثل أم البرتقال -تسمية أخرى لمحافظة ديالى- خاصةً أن محاولة الاغتيال السياسي لـ"عزم" كانت بالمدفعية الثقيلة، التي تصلح لضرب ما تعتقد "عزم" أنه واحد من أهم معاقل التمويل المالي، لسياسات الرئيس النيابي الإعمارية.
الهدف الأساسي كان صندوق إعمار المناطق العراقية المتضررة. هذا الجسد العراقي الرسمي يعمل كوسيط بين الوزارات العراقية، والجهات الأجنبية المانحة، لتمويل المناطق العراقية التي أصيبت بنكبة "داعش".
رئيس الصندوق، من الممكن أن نصوره كجندي محترف في عائلة "الكرابلة" السياسيين – جمال ومحمد الكربولي – بدءاً من وزارة الصناعة، مروراً بوزارة التجارة، وصولاً إلى هذا الصندوق، الذي أفضل تسميته "افتح يا سمسم.. جاء سياسيو العراق"!
رئيس الصندوق، هو أيضاً "المتهم هالي" -نسبةً إلى مذنب هالي الشهير، الذي يلقي تحيته على سكان الأرض كل ست وسبعين سنة- فهو نفس رقم ملفات الفساد، التي تلاحق رئيسه.
"عزم" وجهت رسالةً حاذقة وعملية الطابع لرئيس الحكومة، متهمةً رئيس الصندوق بالحرص على تدفق أموال الصندوق، لصالح جهة سياسية معينة. لم تشر من قريب أو بعيد، إلى رصيد التهم الذي يمتلكه، فهذا التحالف يحتاج بدوره، أن يسجل لمرشحيه بعض الإنجازات، بأموال المانحين.
الحلبوسي، رأس تحالف "تقدم"، كان مصغياً برهافة شديدة لمدفعية تحالف "عزم". لكن بيّن في لقاء معه أن المانحين مثلاً لم يقدموا سوى واحد بالمئة مما كان مفترضاً بهم تقديمه.
تحالف "سائرون"، سفه من جانبه الأفواه السياسية، التي بدأت بالصراخ عن مصير فائض ما يباع من براميل نفطية، على اعتبار أن رأس الفرق بين سعره في ديباجة الموازنة، والسوق العالمية، قد نطح الخمسة والعشرين دولاراً أمريكياً. لم يفت "سائرون" التذكير أيضاً، لكن بالدينار العراقي، إن العجز المالي في موازنة 2021 مازال على حاله، والحديث عن بحبوحة مالية، مجرد دعاية انتخابية.
رئيس الحكومة صرح وبالتزامن مع "سائرون" ضرورة بدء دوران عجلة إعمار مدينة الصدر، والتي سبق أن أصدر أمر ديواني بالرقم (57)، لأجل بناء تسعين ألف وحدة سكنية، كهدف أساسي وإلخ من مدارس ومستشفيات.
لا أدري إن كان رئيس الحكومة سيطلب من الزعيم الصدري الأموال التي صرفت، على بناء مرقد لبيت الصدر من أموال الدولة. ذهبت التصريحات وبالوثائق، إلى إنها وصلت عتبة أربعة وأربعين مليون دولار أمريكي، فالأولى ألا يأكل الأموات ما تبقى من الأحياء!
وما زالت مقارع "الفتح" و"البناء" تقرع طبولها
حرب الإعمار الباردة هذه، ليس غرضها، أن تجمع الأصوات الانتخابية في أشولة الأحزاب المستفيدة، فقط. هي ربما ستكون فيصلاً بين فريقين؛ فريق إيران، وفريق المجتمع الدولي برئاسة واشنطن. الفريق الفائز، سيكون مسؤولاً كذلك عن تزكية ما يمكن استخدامه من الفريق الآخر.
تحالف "البناء" بدأ مثلاً في الأيام الماضية بإعادة القرع على طبول التحذير من "داعش"، بائتلاف "دولة القانون"، تحالف "الفتح"، ومن ثم تحالف "البناء"، وهكذا دواليك.
كل التحذيرات انطلقت معظمها من أعضاء في لجنة الأمن والدفاع النيابية، ويتبعون هذه الجهات السياسية. حرصت وسائل الإعلام العراقية، التي نشرت تحذيراتهم، على عدم الإشارة إلا بشكل نادر.. أندر من الفيل الأبيض، إلى خلفياتهم الحزبية.
الصراع الظاهر، هو بالطبع، بين رئيس "عزم" خميس الخنجر، الذي من الممكن أن نعتبره من أثمن المقتنيات "السنية"، للميليشيات الإيرانية، في المرحلة القادمة.
مشاركته في تحالف "البناء" تضمن لهذه الإيرانية – تعرف حالياً بالفصائل الولائية – أن تشغله كرافعة حظ لا بأس بها، للبقاء في محافظات (ديالى، صلاح الدين، الرمادي، والموصل)، وبالتالي تثبيت حضور طهران في المناطق الحدودية الحيوية من هذه المحافظات.
تصريحات "البناء" و"الفتح" -عن طريق المكونات الحزبية للتحالفين- لم تترك شيئاً في نفسها.. "داعش"، الخروقات العسكرية التركية، وحتى تنقل القطعات العسكرية. كمثال، نائب ينتمي إلى تحالف "البناء"، ومن فريق الخنجر السياسي، اعترض خلال الأيام الماضية على قرار القائد العام للقوات المسلحة، بإصدار أوامر تنقلات للقطعات العسكرية العراقية، من ديالى إلى الأنبار. كانت حجته عدم ضمان معرفة الفرقة العسكرية البديلة بجغرافيا المنطقة، وبالتالي حدوث فراغات أمنية. رد فعل رئيس تحالف "تقدم"، كان واضحاً خلال مؤتمر انتخابي له: من يعبث بأمن محافظاتنا سنكسر ظهره بالقانون.
يحق لي أن أسأل بعدها: ما الذي سيستفيده أبوخطاب مثلاً من فوز أي فريق، وهو عراقي يسكن في مدينة الكرمة -واحدة من مدن محافظة الأنبار- وخريج كلية الاقتصاد، لكنه يعمل جامع نفايات؟!
ما الذي سيدخل جيبه من صواعق الإعمار في محافظته، التي لم تفلح إلا بفتح أبواب التعيين لعشيرة رئيس المجلس النيابي وعشيرة حليفه المحافظ الحالي والسابق؟