ليبيا والإمارات.. هل تنبت بذرة الديمقراطية الليبية في الصحراء الانتخابية الإماراتية؟

تم النشر: 2021/06/07 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/07 الساعة 18:45 بتوقيت غرينتش
الأناضول

مثلما تسأل النرويج عن خبرتها في تربية وتهجين الأبل، أو مالي عن تجربها في زراعة الأسماك في المحيطات، هو ذاته مثلما تتعاون خارجية حكومة الوحدة الوطنية في مجال الانتخابات وتعزيز الديمقراطية مع دولة الإمارات العربية المتحدة. 

مؤخراً زار السيد محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، رفقة وزير الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أبوظبي عاصمة الإمارات المتحدة، وبغض النظر عن سوء التنسيق وتبعية الوزيرة -وظيفياً- للحكومة ورئيسها وذهابها مع رئيس المجلس الرئاسي، وبصرف النظر حول موعد الزيارة الذي كان يوم ذكرى النكسة وهزيمة 67 وضياع سيناء والضفة والجولان، وذكرى مشاركة الإمارات في حصار قطر وذكرى هزيمة العدوان على طرابلس وتحرير المنطقة الغربية بالكامل من عدوان شاركت فيه الإمارات نفسها. فإننا لن نغض الطرف عن سبب الزيارة المعلن وهو دعم الإمارات في العملية السياسية في ليبيا ومساهمتها في إنجاح الانتخابات.

علاقة الإمارات بالانتخابات

ما إن استفقت من الصدمة التي صعقت بها بعد الخبر الذي قرأته في وكالات أنباء محلية، وأكده لي وكالات أنباء عربية تابعة للإمارات ولم أجده على موقع وزارة الخارجية الليبية، والذي ذكر نصاً في إحدى فقراته "كما استعرض الجانبان تطورات الأوضاع على الساحة الليبية وأهمية دعم حكومة الوحدة الوطنية خلال قيادتها المرحلة الانتقالية والتحضير للانتخابات المقررة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021″، حتى بدأت أبحث عن علاقة الإمارات.

تكونت الإمارات التي كانت تسمى قديماً بساحل القراصنة وساحل عمان بعد نحو عشرين سنة من استقلال ليبيا باتحادٍ قاده الشيخ زايد آل نهيان، أمير إمارة أبوظبي مع ست إمارات هي دبي، ويعود حكمها لآل مكتوم وعجمان والفجيرة والعين والشارقة وأم القيوين ورأس الخيمة، على أن تكون العاصمة أبوظبي ورئاسة البلاد لأمراء أبوظبي من آل نهيان ولتكن رئاسة الحكومة لشيوخ إمارة دبي من آل مكتوم. 

بالنظر للمؤسسات والسلطات الكلاسيكية المتعارف عليها في دول العالم، فإن الإمارات لا تمتلك مجلساً للنواب، كما يتعارف عليه في كل الدول إنما هو مجلس يطلق عليه المجلس الوطني الاتحادي، وهو بمهام استشارية فقط دون تدخل مباشر في قرارات قادة البلاد، ويأتي في سلم السلطة في المرتبة الخامسة بعد المجلس الأعلى للاتحاد ورئيس الاتحاد ونائبيه كذلك مجلس وزراء الاتحاد ورابعاً المجلس الوطني الاتحادي.

يتكون المجلس الوطني الاتحادي من أربعين عضواً يُنتخب نصفهم فقط، ولا يتم انتخابهم من عامة الشعب! بل من قبل هيئة انتخابية – من حاشية أمير الإمارة – في كل إمارةٍ من الإمارات السبع، ويتم تعيين النصف الآخر من قبل أمير الإمارة.

بدورها تنتقل إمارة الإمارة بالتوريث ولا تجرى عليها انتخابات كذلك رئاسة البلاد هي حكر لأمراء أبوظبي من آل نهيان يتوارثونها، بينما يتولى أمراء إمارة دبي من آل مكتوم رئاسة الحكومة بالتوريث دون أي اختلال لهذا التوازن.

الإمارات تمتلك دستوراً غير مستفتى عليه من الشعب أساساً ولم تخض لا تجربة عَرضِه ولا كتابته ولا مناقشته فهو أشبه بدستور حكم قبيلة من زمن الدول المعاصرة، ومما لا شك فيه أن الإمارات منذ تأسيسها لم تتعاقد لتوريد حبر انتخابي ولا على صناديق اقتراع، لأنها لم تحتجها، ويبدو أنها لن تحتاجها مستقبلاً، فأين هي تلك التجربة الإماراتية في تعزيز الديمقراطيات أو المساهمة في إنجاح انتخابات التي من الممكن أن تستفيد منها ليبيا.

دور الإمارات عربياً وإقليمياً

دور الإمارات عربياً وإقليمياً في تجربة الانتخابات أو تعزيز الديمقراطية ليس بحاجة لتوضيح أو تفصيل، ففي مصر دعمت الإمارات وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي لفترة أولى من 4 سنوات ثم لثانية، ثم عدل الدستور ليحكم ست سنوات دون عدد معين لمرات الترشح، أما اليمن فتشكلت فيها قوة عسكرية وتيار انفصالي سياسي قضى على أحلام اليمنيين بدولة موحدة فأضحت الشرعية المنتخبة بين مطرقة الحوثيين وسندان الانفصاليين.

في السودان ليس الوضع أحسن حالاً فهي تُحكم عقب الثورة بمجلس سيادي نصفه تقريباً عسكري، وفي سوريا فهي في اتصال مباشر مع بشار الأسد أسوأ دكتاتور معاصر وربما في كل تاريخ سوريا، ناهيك عن اتفاق التطبيع مع إسرائيل وما تبعه من موقف مخزٍ ضد القضية الفلسطينية والقدس وغزة وتبرك السفير الإماراتي بحاخام صهيوني وطلبه الاستعانة بحكمته، وتمنى لهم أن يعودوا أقوى بعد عدوانهم الفاشي الأخير على قطاع غزة وأحياء مدينة القدس الشريفة.

علاقة ليبيا بالإمارات في عهد فبراير

كانت الإمارات من الدول التي سارعت في المشاركة في عملية فجر الأوديسا التي قادها حلف شمال الأطلسي لحماية المدنيين في ليبيا، وما إن انتهت الحرب حتى بدأ الاستقطاب السياسي بين الأطراف السياسية الليبية المتنازعة والتي تحولت بعد الانقلاب العسكري في مصر إلى مواجهة عسكرية دعمت فيها الإمارات تيار الكرامة بكل ما أوتيت من سبل، ولكنها حققت نجاحاً نسبياً آنذاك مع تورط في مذبحة في حرب فجر ليبيا بقصفها قوات فجر ليبيا ومقتل 30 شاباً في طرابلس.

زيارات المسؤولين الليبيين للإمارات لم تنقطع حتى كان أغربها زيارة وفدٍ من حكومة الإنقاذ مطلع عام 2015 للإمارات بقيادة وزير الشؤون الاجتماعية وقتها سميرة الفرجاني لمحاولة تغيير موقف الإمارات من حكومة الإنقاذ، هذا وقدم الوفد نسخة من تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2014 الذي يتحدث عن فساد في حكومة علي زيدان، ولكن الزيارة لم تؤت أكلها واعترفت الإمارات بالحكومة المؤقتة.

أيضاً زيارات فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المتكررة لأبوظبي ومحاولة ثنيها عن سعيها إسعار النار في ليبيا، والتي انتهت بحرب دموية على أسوار طرابلس تتحمل فيها الإمارات المسؤولية عن مقتل أكثر من 30 طالباً من طلاب الكلية العسكرية الذين قتلوا في تجمع بطائرة مسيرة اشترتها الإمارات من الصين ويقودها خبراء إماراتيون، إضافة لسجل من الجرائم سيسجل بأحرف من قذارة في سجلات تاريخ هذا البلد.

بعد أن نالت حكومة الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الثقة من البرلمان عجل بزيارة الإمارات مجدداً دون توضيح لأسباب الزيارة ونتائجها في جولة اعتبرت خليجية، لكنها كانت للكويت والإمارات فقط ودون أن يصطحب المنقوش معه، ثم مؤخراً يزور محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي المسمى هو ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ويتحدثون حول الانتخابات ودور الإمارات في دعمها.

مما لا شك فيه أن الدور الإماراتي في ليبيا كان سلبياً ومصطفاً في كل المناحي، وأن تحركات السيدة وزيرة الخارجية غير موفقة إلى حد كبير، لكن أن تقدم لليبيين مبرراً تافهاً وسمجاً بهذا المستوى، وتصرح بأن الزيارة كانت لغرض دفع الإمارات حول المساهمة في إنجاح الانتخابات، فهذا يعد استهزاء بالشعب الليبي ونخبه التي تعي جيداً أن ليبيا التي ستنتخب في 2021 انتخاباتها البرلمانية والرئاسية، ستكون هذه المرة التاسعة لها منذ الاستقلال، في مقابل كون الإمارات بلا تجربة انتخابية أساساً. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالعزيز الغناي
محلل سياسي ومهتم بالشأن العربي والإقليمي
طالب دراسات عليا قسم إدارة مشروعات هندسية، مواليد 1987 مدينة مصراتة في ليبيا، حالياً أعمل كمهندس مدني، كاتب مهتم بالشأن العام، شاركتُ كمستشار لفريق صياغة الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات عن مدينة مصراتة.
تحميل المزيد