تواجد اللاعب الدولي الجزائري هشام بوداوي، نجم نادي "نيس" الفرنسي، منذ الخميس الماضي بالمركز الرياضي لسيدي موسى بالجزائر العاصمة، استعداداً للبداية الرسمية لمعسكر منتخب الجزائر، الذي انطلق يوم الإثنين الماضي 31 مايو/ أيار، والذي تتخلله 3 مباريات ودية، أمام كلٍّ من موريتانيا ومالي وتونس، استعداداً للتصفيات الإفريقية لمونديال قطر 2022 لكرة القدم.
قد يبدو هذا الخبر عادياً للجمهور العربي الواسع، ولكن من المؤكد أنّه ليس كذلك للمتتبع لشؤون الكرة الجزائرية، وعليه ولكي أشبع فضول المهتمين بالموضوع فإني أسرد لهم القصة باختصار.
خريج أكاديمية بارادو
ولد هشام بوداوي يوم 23 سبتمبر/أيلول 1999، بمدينة بشار بالجنوب الغربي الجزائري، وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم في سن مبكرة ضمن فرق صغيرة بمسقط رأسه، قبل أن يلفت أنظار كشافي أكاديمية نادي "بارادو" خلال دورة كروية ودية جرت في عام 2012 ببلدية حيدرة بالجزائر العاصمة.
وتم صقل الموهبة الكروية للطفل هشام ضمن أكاديمية "بارادو"، المعروفة بحسن تكوينها للاعبين وتصديرها للاعبين الجزائريين الشباب، على غرار رامي بن سبعيني، النجم الحالي لنادي "بوروسيا مونشنغلادباخ" الألماني، وزميله يوسف عطال، الظهير الأيمن لفريق "نيس" الفرنسي.
وسار بوداوي على درب رامي ويوسف، بحيث انتقل لنادي "نيس" الفرنسي يوم 2 سبتمبر/أيلول 2019، في أغلى صفقة في تاريخ نادي "بارادو"، بلغت قيمتها 4 ملايين يورو، وذلك بعدما أسهم في تتويج منتخب الجزائر بلقب كأس أمم إفريقيا لكرة القدم في صيف 2019 بمصر، حيث شارك لاعباً أساسياً في مباراة دور المجموعات أمام تنزانيا (3-0)، ولاعباً بديلاً لمدة 8 دقائق في لقاء الدور ثمن النهائي أمام غينيا (3-0).
وكانت بداية بوداوي مع "نيس" متواضعة في موسمه الأول (2019-2020)، حيث اكتفى بالظهور في 13 مباراة رسمية فقط، سجل خلالها هدفين وصنع هدفين آخرين، لكنه نجح في فرض وجوده ضمن التشكيلة الأساسية لفريق الجنوب الفرنسي في الموسم المنقضي (2020- 2021)، فشارك في 29 مباراة في كل المسابقات المحلية والقارية، مُسجلاً 4 أهداف ومانحاً تمريرتين حاسمتين.
فكّر في الانتحار بسبب سفره للأراضي المحتلة
ومن بين هذه المباريات الـ27 كانت هناك مباراة أسالت الكثير من الحبر وأحدثت ضجة كبيرة بالجزائر، والتي خاضها بالأراضي المحتلة بين فريقه "نيس" ونادي "بئر سبع" الصهيوني، يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، لحساب دور المجموعات لمسابقة الدوري الأوروبي لكرة القدم.
وفي حين نجا مواطنه يوسف عطال من المأزق ولم يسافر إلى فلسطين المحتلة بسبب معاناته من إصابة في ذلك الوقت، فإنّ هشام بوداوي لم يجد أي حل لتفادي الرحلة المشؤومة، ليفتح بذلك المجال واسعاً أمام انتقادات بني جلدته، والتي بلغت حد الشتم علناً على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، واتُّهم من طرف عدد كبير من الجزائريين بـ"الخيانة"، خاصة أنّ تلك الرحلة قد تزامنت مع انتشار "موضة" التطبيع، التي لجأت إليها بعض الدول العربية، والتي عارضتها الجزائر الرسمية والشعبية.
وفي خضم تلك الحملة الشرسة التي تعرض لها بوداوي، والتي أدخلته حسب أحد أشقائه في أزمة نفسية حادة جعلته يفكر في الانتحار، فإنّ الاتحاد الجزائري لكرة القدم ومدرب منتخب "الخضر" جمال بلماضي لم يحركا ساكناً، ولم يعلقا على الزيارة، ولم يدافعا أيضاً عن اللاعب الشاب، ما فُهم من طرف البعض بأنّ هشام قد دخل قائمة "المغضوب عليهم"، وبات ممنوعاً ولو إلى حين من التواجد مع المنتخب الوطني.
وقد تأجلت معرفة صحة معاقبة هشام بوداوي من طرف الهيئات الرياضية الجزائرية عندما تعرض اللاعب إلى إصابة قوية، في مطلع شهر مارس/آذار الماضي، وبالتالي فإنّ عدم استدعائه لمعسكر منتخب "محاربي الصحراء" في ذلك الشهر، والذي تخللته مباراتان رسميتان أمام زامبيا وزيمبابوي، في إطار تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2021، لم يكن معلوماً إن كان بسبب الإصابة أو العقوبة غير المعلنة.
لاعبون جزائريون آخرون سبقوه لزيارة الكيان الصهيوني
تواجد هشام بوداوي ضمن قائمة الـ30 لاعباً التي حددها جمال بلماضي للمشاركة في معسكر منتخب الجزائر، لشهر يونيو/حزيران 2021، يؤكد أنّ ابن منطقة الساورة لم يكن معاقباً، بل كان فقط "متروكاً لحاله"، إذ لم يسبق للجزائر أن عاقبت لاعبين زاروا الكيان الصهيوني في إطار عملهم مع أنديتهم الأوروبية المختلفة، على غرار رشيد غزال في عام 2012، مع نادي "ليون" الفرنسي، أو إسحاق بلفوضيل وسفير تايدر مع منتخب فرنسا للشباب لأقل من 20 عاماً، في سنة 2011.
قد يقول البعض: "نعم هؤلاء اللاعبون دخلوا الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن بجواز سفر فرنسي، ولم يكونوا حينها لاعبين دوليين جزائريين، فأرد عليهم: نعم صحيح، ولكن كان بإمكان الجزائر وضع اللاعبين الثلاثة ضمن القائمة السوداء، وليس مثلما حدث من بعد حيث تم استدعاؤهم، دون أي حرج، للدفاع عن ألوان المنتخب الوطني الجزائري.
هشام بوداوي لم يكن معاقباً، وقد تسامح معه المدرب بلماضي، المعروف بمنحه فرصاً جديدة للاعبين "المذنبين"، مثلما حدث مع هاريس بن قبلة، متوسط ميدان نادي "بريست" الفرنسي، الذي أبعده من المنتخب عشية انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019 بمصر، بسبب قضية أخلاقية، لكنه أعاده إلى صفوف الفريق بعد 4 أشهر فقط من الحادثة.
بوداوي يبلغ من العمر 21 عاماً فقط، ويرى فيه الكثير من الاختصاصيين "المايسترو" المستقبلي لخط وسط ميدان منتخب الجزائر، فلندعه يعمل، ولندعه يمر، ولنسامحه جميعاً على "خطئه"، خاصة أنّه قد أبدى مؤخراً تضامنه "علناً" مع فلسطين، أثناء الاعتداء الصهيوني الأخير على غزة، على غرار معظم زملائه في منتخب "محاربي الصحراء".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.