حفلة هلع الثانوية العامة تقترب.. فما رأي المختصين في خديعة “حشائش السافانا”؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/02 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/02 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
امتحانات الثانوية العامة في مصر

منكوش الشعر، خائف، قلق، يتصنع الابتسامة قليلاً، حوله يتجمع أبوه وأمه وإخوته، يمسك هاتفه الذي حُرم منه طيلة العام، يبحث عن حياته ومستقبله على موقع وزارة التربية والتعليم، يبحث عن نتيجته في الثانوية العامة المصيرية، الخديعة الكبرى، كما سيعلم هو نفسه في القريب العاجل. أعلن الوزير عن موعد ظهور النتيجة، لكنها لم تظهر بعد، ولم يتصل الوزير للتهنئة، لا بأس ربما منعته مشاغله عن عرضها.

بجانب بطل قصتنا يقف أخوه التوأم رفيق الدراسة والخديعة، الاثنان يترقبان بخوف المستقبل الغامض، يفقدان السيطرة على أعصابهما، يتولى الأبوان المهمة الصعبة، كل منهما بهاتف ورقم جلوس مختلف، وأحلام كثيرة وكبيرة، بعد لحظات يقف الوالدان، وعلى ملامحهما تظهر عبارة "جارٍ التحميل"، يقفز الأب من الفرحة، وتسقط الأم من الصدمة.

صاحب الشعر المنكوش حصل على 85% وفقد حلمه في دخول كلية الهندسة، بينما اقتنص توأمه 99.7% وحجز المقعد الأول في كلية الطب بجامعة القاهرة، المنزل في حيرة الآن، لا يقوى على السعادة ولا يمتلك ما يكفي من الحزن، في كل الأحوال أحدهما سيظلم، حدث كل شيء وعكسه، فرحة وحزن ودموع وابتسامات، توقعات بحياة مفروشة بالورود بعد المجموع الكبير، وخيبة أمل وخوف من مستقبل مليء بالصعاب والفشل. يسود الصمت طويلاً، ولا ينهيه سوى سؤال ابنهم الصغير صاحب الـ8 سنوات، "بابا بابا.. انت تعرف حشائش السافانا موجودة فين؟"

بعد إذن الدولة والمجتمع والناس

تتعامل الأسرة المصرية مع مندوبها في الثانوية العامة، ولأسباب اقتصادية واجتماعية وغيرها، بخليط من المشاعر والاستراتيجيات المتضاربة، حب واهتمام ورعاية، تخويف وضغط وترهيب في آن واحد وبنسب متقاربة. ما ينتج عنه العديد من المشاكل النفسية للطالب في كل فترات الدراسة وقبلها، وبعدها بشكل غير آدمي بالمرة، يقف ابنهم المختار حائراً وسط هذا الخليط الغريب، وبين شغفه الخاص وطموحات الأسرة والعائلة وربما المدينة.

يشعر المسكين أن مصر تقف الآن كلها في الميادين، تنتظر أن يحقق لها الآمال ويفتح لها الأبواب، مصر صاحبة السبعة آلاف سنة حضارة والأهرامات وأبو الهول وشارع فيصل، تنتظر إنجاز صاحب الـ17 عاماً، لتغني له وتتغنى به طول العمر، هكذا تصل الصورة للمسكين الصغير، بينما الأمر أبسط من ذلك.

البحث عن معجزة

بدايةً مصر تحتاج معجزة وليس إنجازاً، وهو نفسه لا يحتاج كل هذه الضغوط النفسية، ولا يحتاج أن يحصل على 101%، وغير متشوق لسماع صوت الوزير في مكالمة تهنئة باردة، فقط يريد أن يفعل ما يحب وما يشعر أنه خُلق من أجله، يتمنى أن يعبر عن إبداعه المدفون بعد إذن الأسرة المصرية والدولة والوزير والمجتمع والناس، وبوسترات وحش الكيمياء وفارس التاريخ، فقط يريد أن يفعل ما يحب، حتى يحب الحياة على هذا الكوكب الكئيب.

الباحثان "كاثرين أسبري" و"روبوت بلومين"، يوضحان في كتابهما "التعليم والجينات" طرق التعامل الخاطئ للمجتمع مع أفراده الصغار، والخسارة الكبيرة التي يتعرض لها كل مجتمع لا يؤمن بالمواهب والمهارات لدى أفراده. ويشرحان الطرق الأمثل للتعامل مع الطلبة على وجه التحديد، حتى يحقق المجتمع استفادة أكبر وأفضل من القدرات والطاقات التي يملكها. 

صور لطلاب الثانوية العامة في مصر/ مواقع التواصل
صور لطلاب الثانوية العامة في مصر/ مواقع التواصل

"المجتمع الذي يُسلِّم بوجود تشكيلة واسعة من المهارات والمواهب ويكافِئُها، من المرجح أن يجني الثمار؛ فعندما كنَّا أطفالاً تعلَّمنا أن الحلقات والدوائر على أطراف أصابعنا تجعلنا فريدين؛ فالتفرُّد مدهش ومبهج. إلا أن النظام التعليمي الحالي غالباً ما يحاوِلُ وَأْدَ هذا التفرُّد وإخراجَ شبابٍ منسوخين من الآخرين، أي أشخاص غير متوافقين مع مواقعهم في بيئتهم، بل إن أبسط فهم لعلم الوراثة يُطلِعنا على أن المدارس ستخدم تلاميذها والمجتمع بشكلٍ أفضل، بتطوير مواهبهم واهتماماتهم المتفردة". 

كيف يفتك كابوس الثانوية العامة بنا جميعاً؟

تتطور الأمور بشكل مخيف وملحوظ في أحيان كثيرة، فغير الآثار النفسية لتلك المرحلة يصاب العديد من الطلبة بأمراض عضوية نتيجة الضغط العصبي الواقع عليهم، والاكتئاب والخوف من الفشل والخذلان يدفع العديد منهم للإقدام على الانتحار. وفي الموسم الدراسي الماضي حدثت العديد من تلك الحالات ولقي بعضهم حتفه، بوسائل عدة، منها القفز من أعلى البنايات، والمواد السامة، والقفز في نهر النيل، حتى أصبح الانتحار ظاهرة طبيعية مصاحبة لفترة الامتحانات وإعلان نتيجة الثانوية العامة، ونتعامل معها كما نتعامل مع ركلات الجزاء المهدرة في المباريات الودية.

الأكثر غرابة أن الآثار النفسية السلبية للثانوية العامة لا تتوقف على مرحلة الامتحانات أو حتى المرحلة الثانوية برمتها، ولا على الطلبة فقط، لكن الأمر أعمق وأخطر، فكل أسرة وعائلة لديها طالب في السنة النهائية للثانوية، تتعرض لحالة القلق والفزع والضغط طوال تلك الفترة، والطالب نفسه بالتأكيد يعاني كامل المعاناة، لكن فترة الامتحانات خاصة يعاني المجتمع المصري بكامله، فكل من خاض تلك التجربة المريرة يشعر خلالها أنه مستهدف، ويجب عليه تجهيز الأقلام والمسطرة ويضبط المنبه حتى لا يغفل عن ميعاد الامتحان، ويضيع مستقبله المشرق، حتى لو كان مدير بنك في الأربعينيات، أو محامياً يترافع أمام أعتى القضاة بلا خوف.

في كتابه "أحاديث إلى الشباب"، يحدثنا سلامة موسى عن النظرة الخاطئة تجاه التعليم والشهادات الدراسية، وعن الفجوة بين سوق العمل والمنظومة التعليمية، "هذه الحماسة للنجاح في الامتحانات قد أسرف فيها الشبان، وإسرافهم قد بعث فيهم القلق الذي يتجاوز حدود الاهتمام المعقول، فإن الخيبة في الامتحانات ليست خيبة في الحياة، وميدان الأعمال الحرة أوسع وأكثر استيعاباً للموظفين من ميدان العمل الحكومي، وهذه الأعمال الحرة لا تحتاج إلى الشهادات".

عزيزي الطالب.. لا حشائش سافانا بعد اليوم

يتلخص حال منظومة التعليم المصرية ببساطة في عبارة "مفيش أكل بس إيه رأيك في السيستم؟"، نستطيع أن نحذف كلمة أكل ونضع بدلاً منها كلمة تعليم. تلك هي الحقيقة، نتظاهر جميعاً بأن هناك تعليماً حقيقياً يستحق هذا الكم من الجهد المادي والمعنوي، الدولة تعتبر أن لديها منظومة تعليمية قيمة، والأسر المصرية تتظاهر بأن أبناءها ينخرطون داخل تلك المنظومة الرائعة، والأبناء أفضل من يمثل الدور بإتقان، في دولة يقول رأس النظام فيها "يعمل إيه التعليم في وطن ضايع؟".

تضيع أجيال وأعمار من ثروة هذه البقعة من الأرض في معرفة أين تنتشر حشائش السافانا، وما الفائدة التي تقدمها للكوكب، وعما كان يحب أن يأكله طه حسين، مناهج كاملة وكتب وخبراء بلا ضرورة ومن دون فائدة، كما يوضح أندرو روبنسون في كتابه "العبقرية": من المستغرب للغاية مدى ضآلة التأثير الذي مارسته المدرسة -حتى المدرسة الثانوية- على حياة الأشخاص المبدعين، تأثير المدرسة كان هو التهديد بإخماد جذوة الشغف والفضول".

 تشعر أن المطلوب فقط إضاعة مزيد من الوقت، وإشغال هؤلاء الشباب بشيء ما، حتى تبتعد الدولة عن وجع الدماغ، وفي كل مرحلة تختلف الوسيلة، ثانوية عامة، دراسة جامعية في كليات لا تستحق كل هذا الوقت، تظن الدولة أنها تخدع الشباب بسنوات الجامعة الطوال، بينما الطلبة لا يهتمون في أغلب الكليات، خاصة النظرية، إلا قبل الامتحانات ببضعة أيام، والمنظومة التعليمية ترى ذلك وتعيه، لكن تغض الطرف عنه، كأن الأمر صيغة توافقية بين المنظومة والشباب، تنتهي تلك المرحلة بلا فائدة تذكر سوى ورقة مزركشة لا تسمن ولا تغني من جوع في سوق العمل المتوحش.

صديقي الطالب، كل الناجحين من حولك غالباً لا يعرفون شيئاً عن حشائش السافانا.

يقول جلال عامر،"مهما كانت نتيجة الثانوية العامة لا تبكِ واتّعظ من نتيجة الثورة".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال فتيان
مدون مصري
مدون مصري
تحميل المزيد