يتسمون باللامبالاة والسخف.. هل تعرف مواصفات جيل الألفينات؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/01 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/01 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش
iStock

جيل الألفينات أو بالمسمى الشمولي الأدق الذي يوصف الحالة والنشأة "بذور الحرية"، وهو الجيل الذي تبدأ مواليده من منتصف التسعينات وتنتهي مع مطلع الربيع العربي. 

وهناك اعتقاد سائد يُصر على حصر الجيل في بوتقة "اللامبالاة والسخف" ليندرج تحت مسمى جيل التيك توك والكثير الكثير من المسميات التي تقلل من شأن الجيل، وهذا إن دل فهو دال على شيء واحد وهو أن من ساهم في ترويج ذلك المفهوم عن الجيل ما هو إلا ذو رؤية سطحية بحتة، ونحن هنا في خضم التعرف على "جيل الألفينات" من خلال رؤية أحد المنتمين لذاك الجيل واستناداً لمقولة "أهل مكة أدرى بشعابها".

ولتوضيح التقسيم والتصنيف السائد العالمي، فهناك ثلاثة أجيال منخرطة وبقوة في المجتمعات بشكل عام:

الجيل الأول : أو الجيل "X" كما تم تصنيفه وهو الجيل الذي تبدأ مواليده من منتصف الستينات وينتهي مع بداية الثمانينات.

الجيل الثاني : الجيل "y" أو جيل الألفية "جيل ثورة يناير المجيدة" الذي تبدأ مواليده من مطلع الثمانينات إنتهاءً بأواخر التسعينات.

الجيل الثالث: أو الجيل "Z" هم الجيل المقصود هنا في السطور الأولى.

وبمراجعة تاريخ الحقبة الزمنية التي نشأ فيها جيل الألفينات نجد اضطرابات مجتمعية وسياسية في الشأن العربي والعالمي بسبب نشوب صراعات وكوارث وثورات وكل ما يضرب بالسلم العام العالمي عرض الحائط، وكل ما كان سبباً بشكل أو بآخر في حدوث تغير جذري وحقيقي في مفهوم الشعوب وأيضاً تغير في سياسات الأنظمة وتقاليدها.

تعددت وكثرت الأسئلة والتكهنات المتمحورة حول الجيل بل والمخالطات أيضاً وكل هذا في سبيل فهم أيديولوجية الموروث الشرعي للمجتمع المصري. 

والمشكلة تكمن هنا في إن كنت من الجيل "X" أو حتى من جيل يناير وطرحت تلك الأسئلة وفرض تلك التكهنات لفهم كيف سيتعامل الموروث الجديد مع الوضع، فوجب أن تسأل نفسك بعض الأسئلة المهمة  ماذا سيرث هذا الجيل؟

فهل الميراث سيكون المعاناة والشقاء والديون المتراكمة بل والاضطرابات على الساحة المصرية من الديمقراطية المنعدمة إلى المجتمع الذي تخشى الإناث من الانخراط فيه نظراً لانعدام الأمان، أم أنه سيرث الرفاه الحق والديمقراطية السوية والأمان التام والدولة ذات السيادة الدولية التي يتمتع أفراد شعبها بكافة حقوقه المشروعة؟ وما هو دورك في هذا الميراث؟ وكيف ستحاول دعم الجيل تجنباً للوقوع في أخطائك السابقة؟ وبالطبع سأترك لك الإجابة. 

بذور الحرية

اسم لم يخلق عبثاً بل كان الأدق في وصف الحالة والنشأة التي ساهم في تكوينها أبناء يناير، فمع بداية الثورة المجيدة كان الوعي الجزئي لجيل الألفينات بدأ في النمو ليساهم الحراك في خلق بذور الفكرة التي طالب وضحى الشباب من أجلها. 

فرغم انقلاب الموازين ظلت البذرة أو الفكرة في وجدان الجيل الجديد لتكبر بداخلهم كلما مر الزمان وتتشكل لتواكب العصر، لكن ظلت مبادئها ومضمونها كما هي.. وهذا يفسر دوافع الحراك القائم من الجيل في السطور القادمة.

ومن ذاك المنطلق نستطيع القول بأريحية:

 "إن الفكرة خالدة لا تموت.. تعبر بين حواري الأزمنة وتتناقلها الأجيال.. تسطع بسطوع الحق إذا كانت عليه، وتفنى للعدم إن كانت على باطل". 

 مع توضيح أن ثورة يناير لم تكن وليدة اللحظة بل هي نتيجة تراكمات لأحداث وأفكار ومبادئ سابقة انتقلت من جيل تلو الآخر حتى جاء أبناء يناير لإقامة الثورة المجيدة.  

وهذا جزء مهم من تكوين الوعي لدى جيل الألفينات، أما الجزء الآخر المتعلق بالدعم والتضامن مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية فلم يكن له سبب ملموس أو حدث ما نستطيع من خلاله فهم ما ترتب عليه، لكن في الحقيقة ومن رأي شخصي بحت بأن كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية قد خُلق في وجدان هذا الجيل والأجيال التي سبقته تأكيداً واستكمالاً "للرواية المقدسة" التي استبشرت بنصر الفلسطينيين، والنصر لن يكون نصراً إلا بوجود داعمين، فلم تركع أجيالهم للمحتل ولم تكف أجيالنا عن إعلاء القضية الفلسطينية وجميعهم في رباط حتى يوم الدين.

الحراك

وبعد مرور فترة ليست بهينة من الزمن بدأ جيل الألفينات أو جزء لا يستهان به في التوغل والاحتكاك بالمجتمع وقضاياه، معلناً قدومه وبقوة على الساحة المصرية لإحداث تغيير حقيقي ربما يبدو واهياً للوهلة الأولى، لكن إن أمعنت عقلك لتجدنهم قد أحدثوا حِراكاً  تاركين خلفهم الأثر الدال على وجودهِم.

في عام ٢٠١٩ يوم ١ مارس/آذار خرج العشرات من المجموعات الشعبية الصغيرة في بعض محافظات الجمهورية احتجاجاً على "حادث قطار محطة رمسيس" الذي وقع في يوم الخميس الموافق ٢٩ فبراير/شباط، يعني قبل الاحتجاج بيوم واحد، لتضم المجموعات أفراداً من جيل الألفينات، وسرعان ما تم فض تلك التجمعات من قبل قوات الشرطة وبذلك يصبح أول حِراك سياسي على الأرض للجيل. 

والجدير بالذكر أنه في صباح يوم الجمعة تم إلقاء القبض على المواطن "أحمد محيي" الذي رفع ورقة تطالب "برحيل القيادة" في قلب ميدان التحرير.

أما عن الحِراك الثاني فكان من نفس العام في شهر مايو/أيار ففي يوم ١٩ تظاهر طالبات الصف الأول الثانوي أمام مديرية التربية والتعليم بمحافظة الإسماعيلية احتجاجاً منهن على فشل "منظومة التابلت" والسقوط المتكرر للنظام مروراً ليوم ٢١ من نفس الشهر احتج الطلاب أمام الوزارة بمحافظة القاهرة وقنا وطنطا والإسكندرية انتهاءً باحتجاج طلاب محافظة المنوفية وجميعهم/ن على نفس السبب وهو فشل المنظومة التعليمية الجديدة. 

والجدير بالذكر هنا أيضاً أنه تم التعامل معهم/ن بعنف واعتقال من قبل قوات الشرطة وخصوصاً في محافظة القاهرة ليخلد التاريخ ثاني حِراك لهذا الجيل.

 أما عن الحِراك الثالث فكان إبان احتجاجات ٢٠ سبتمبر/أيلول الأول والثاني "٢٠١٩/٢٠٢"، الذي وصل عدد الذين تم اعتقالهم في الحِراك الأول من الجيل الجديد حوالي ٢٨٠ شخصاً تتراوح أعمارهم أقل من ١٨ حتى ٢٥ ربيعاً وذلك في إحصاء نشره "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" وفي الحِراك الثاني كانت الأعداد أقرب لسابقتها.

وهذا إن دل على شيء فهو دال على أن حِراك ٢٠ سبتمبر/أيلول الأول والثاني هو المشهد الأقوى من بين كل ما مضى معلناً قدوم هذا الجيل لإحداث طفرة على الساحة المصرية وأيضاً إثبات لفشل منهج "الاستقطاب" والتدليس التاريخي الذي سعى الكثيرون من أصحاب المصالح لفرضهما وزرعهما في وجدان هذا الجيل.

وتوثيقاً لأول مشهد يظهر فيه احتكاك بين جيل الألفية وجيل الألفينات أثناء الحِراك الأول ترددت بين رواد التواصل الاجتماعي مقولة "عواجيز يناير" نكاية في جيل يناير، لأنهم لم ينضموا أو يدعموا الحِراك ليعتبره البعض تقصيراً أو استعلاء على من قاموا بالحِراك بسبب فرضية أنهم لا ينتمون لأيديولوجيتهم/ن وليسوا على شاكلتهم/ن بشكل أو بآخر. 

لكن الموقف الإيجابي هنا أن أغلب جيل يناير كان له رد فعل على هذه الإشكالية بتوضيح الموقف واحتواء غضب الفئات الأخرى ليتم ردم أو تجاوز خلق فجوة بين الجيلين، وذلك يبشر بانعدام حدوث فجوة بينهما كما التي حدثت بين جيل يناير والأجيال السابقة له.

الأبرز

ولم يكف الجيل فقط عن إحداث حِراك سياسي بل شهد بروز شخصيات كادحة ومؤثرة وشهيرة لتصنع طفرة كبيرة في مجالات شتى، وأيضاً منهم من كان سبباً في نشوب حِراك اجتماعي على أرض الواقع والسوشيال ميديا، فعلى سبيل المثال قضية محمود البنا المُلقب بشهيد الشهامة وقضية محمد عيد شهيد التذكرة، هما منتميان لهذا الجيل وأيضاً المساهمان في تحويل قضاياهم من حالة فردية اعتيادية إلى تريند/رأي عام هم الجيل ذاته، ومن المستحيل إنكار أو تجاوز أن تلك القضايا كان لها صدى واسع ومؤثر وأيضاً ساهمت في فتح قضايا هامة لمناقشتها.

مصطفى محمد لاعب كرة القدم من ناشئي نادي الزمالك وحالياً في نادي "غلطة سراي" وأيضاً شارك مع منتخب مصر للشباب في التصفيات لبطولة إفريقيا ليحرز هدفاً أمام المنتخب الأنجولي، وهو أيضاً من الجيل.

نضال أدهم  influencer وصانعة محتوى تثقيفي لديها مئات الآلاف من المتابعين على السوشيال ميديا وأيضاً شاركت في برنامج "جعفر تك" في حوار معني بحقوق المرأة مع بعض النسويات العرب وهي من الجيل أيضاً.

عمر وليد البحيري طالب مصري فاز بالمركز الرابع على مستوى العالم وبالمركز الأول على المستوى العربي في مجال "الهندسة البيئية" ضمن تصفيات مسابقة "إنتل أيسيف ٢٠٢١" المعرض الدولي للعلوم والهندسة بالولايات المتحدة لابتكاره جهازاً يعمل على معالجة تلوث المياه.

Wegz أحد أبناء هذا الجيل وهو مغني راب مصري ذاع صيته في السنوات الأخيرة محدثاً طفرة في المجال بسبب  تمكنه من خلق "tracks" معبرة عن حالة الشباب عامة والجيل بشكل خاص مستعيناً بموسيقى مواكبة وتتماشى مع الذوق الحالي لهذا الجيل ويصبح من ضمن أهم "Rappers" في مصر وواجهة لإعلانات الشركات العملاقة.

وهناك الكثير من الأمثلة والشخصيات البارزة من هذا الجيل الذين رغم تضاؤل الفرص المتاحة وصعوبة فرض السردية الجديد على المجتمع والدولة، لكن يظل أغلب هذا الجيل يحاول ويحاول حتى يصل إلى المبتغى المنشود وربما غداً أو بعد غد أو في الأعوام القليلة القادمة سنكون هناك على القمة لنفرض سرديتنا ممسكين بزمام الأمور، فقط مجرد وقت لاستكمال الوعي الجمعي للجيل. 

"ولنكن نحن أبناء الجيل والوطن الواحد القشة التي ستقصم ظهر كل الأوغاد الذين أفسدوا في ذلك الوطن.. فلنكن نحن القادة لا  المقتادين.. فلننشر في الوطن سلاماً لا صراعاً يزج بنا جميعاً للتهلكة.. نحمل الورود لا الحجارة فنحن في النهاية أخصام.. وإن أصر القدر على نشوب الصراع فلتكن أرواحنا فداءً ولتسق دماؤنا الأرض المقدسة لتنبت وروداً تحمل أسمى رسالة.. فبرداً وسلاماً على السابقين واللاحقين في رحاب الوطن المجيد".

توقعات

١_ سيحمل هذا الجيل سرديات جديدة مختلفة تماماً عن سابقتها في الشأن السياسي والمجتمعي.

٢_ ستصبح ردود الفعل مختلفة والرؤية  للأمور أيضاً مع إيضاح أنه من الصعب التأثير على هذا الجيل.

٣ _ أي حِراك سياسي أو مجتمعي سيختلف جذرياً عن سابقيه من طرق وأساليب أصبحت رتيبة.

٤_ يتوقع عدم حدوث فجوة بين جيل الألفية وجيل الألفينات لتقاربهم في وجهات النظر والرغبات.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد جاد
كاتب مصري
مدون سياسي مستقل وعضو منظمة العفو الدولية
تحميل المزيد