قصة حياة الحارس السنغالي إدوارد ميندي، بطل أوروبا مع نادي تشيلسي الإنجليزي ملهمة للغاية، سيناريو حياة ميندي نسخة من سيناريو حياة كريس غاردنر بطريقة أخرى، لكن من هو كريس غاردنر، وما قصته؟
عام 1981، في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، كان مندوب المبيعات كريس غراندر يستثمر أمواله في أجهزة ماسحات عظام ضوئية محمولة، لكنه كان يعاني لبيع تلك الأجهزة، ما كان يضعه في ضائقة مادية تلو الأخرى، ما أثار غضب زوجته ليندا، بسبب عدم قدرته على سد احتياجات أسرته المالية، ما دفع ليندا في النهاية إلى هجر زوجها وابنها كريستوفر والانتقال للعمل في مدينة نيويورك.
بقيت حياة كريس عسيرة ومسيرته متعثرة، وصل به الحال أن طرد من شقته، وبات هو وابنه في المراحيض العامة، وفي كنائس فتحت أبوابها للاجئين. بعد فترة استأجر شقة أخرى ولم يستطع سداد الإيجار فهرب مع ابنه منها، ظل يركض في الحياة ركض الوحوش في البرية، من أجل البحث عن حياة كريمة، حتى جاء موعد لقائه بجاي تويستل.
خلال رحلة تاكسي مشتركة بينهما تمكن كريس من إثارة إعجاب جاي تويستل، مدير شركة "دين ويتر" بعدما فك لغز مكعب روبك، ما دفع تويستل إلى إعطاء كريس غراندر فرصة التقدم لوظيفة سمسار بالبورصة، واستطاع كريس كسب ثقة لجنة المقابلة للوظيفة، وحصل على فرصة العمل بدون أجر لمدة 6 أشهر حتى يثبت جدارته، ثم بعد ذلك يعمل بصفة دائمة مع الشركة.
أحكم كريس قبضته على الفرصة، حاول أن يتفوق على كل زملائه في التدريب، وأثناء ذلك كان يواجه بعض الصعوبات الحياتية، حتى تمكن من بيع جهاز من الأجهزة التي يسوق لها، ما حسن وضعه المالي نوعاً ما، وتمكن في النهاية من إثبات جدارته، ونال إشادة تويستل وحصل على الوظيفة. بعد سنوات من العمل والخبرة استطاع كريس بناء شركته الخاصة، وأصبح من أنجح وأغنى رجال الأعمال في أمريكا، جاء من تحت الصفر بأميال إلي هنا، لأنه لم يفقد أمله وعزيمته أبداً.
ربما تكون سمعت بتلك القصة من قبل، أو رأيتها على إحدى القنوات أو مواقع الأفلام، نعم هي قصة فيلم "The pursuit of happiness" بطولة الممثل ويل سميث، الذي يجسد دور كريس غراندر في الفيلم.
حكاية إدوارد ميندي
إذا اندمجت في حكاية كريس وأعجبتك فهناك كريس آخر.. إدوارد ميندي.
ولد ميندي في الأول من مارس/آذار عام 1992، في مونتيفيلييرز في فرنسا، لأم سنغالية ولأب من غينيا بيساو، بدأ رحلته مع كرة القدم بالانضمام إلى أكاديمية الشباب لنادي لوهافر في الثالثة عشرة من عمره، ولم يتم الاعتماد عليه كثيراً في الأكاديمية، لكنه بدأ مسيرته الاحترافية مع نادي تشيربورغ في دوري الدرجة الثالثة الفرنسي، وظل مع الفريق من 2011 إلى 2014، حتى هبط الفريق إلى دوري الدرجة الرابعة الفرنسي.
رفقة الفريق، كانت مشاركات ميندي محدودة، قد تكون معدومة، حتى قرر تشيربورغ التخلي عن ميندي، فطلب الأخير من وكيل أعماله أن يجد له نادياً في أسرع وقت ممكن، لأنه أصبح بلا عمل، لكن وكيله لم يردّ أبداً على رسائله حتى أغقلت نافذة الانتقالات وبقي ميندي بلا نادٍ. صيف عام 2014 كان أصعب الأوقات التي مرت على السنغالي في حياته.
عاد إدوراد ميندي إلى مدينة لوهافر، وبدأ في التدريب مرة أخرى مع نادي طفولته، كان يتدرب مع الفريق الاحتياطي في لوهافر في الصباح، ثم يذهب لصالة الألعاب الرياضية، أو يذهب للتدريب على إيقاف التسديدات مع أخيه بعد الظهر في أحد الحقول، كان يتلقى إعانات بطالة في ذلك الوقت من الحكومة الفرنسية، لكنها لم تكن كافية لسد احتياجات أسرته.
يقول ميندي عن تلك الفترة "عام واحد بدون كرة قدم هو وقت طويل بشكل لا يصدق، وكان لدي الكثير والكثير من الشكوك خلال تلك الفترة".
مكالمة هاتفية أم نفس أوكسجين
ظل إدوارد ميندي هكذا حتى جاء صيف 2015، وصلته مكالمة هاتفية بمثابة نفس أوكسجين، كانت سبباً في عودته إلى الحياة الكروية من جديد. عرض عليه فيها أن يكون الحارس الرابع لنادي مارسيليا الفرنسي، لم يفوت الفرصة وذهب إلى هناك وأبقى صديقته في لوهافر، قال ميندي عن تلك الفترة "عندما ذهبت إلى هناك كان عليّ أن أعطي كل ما لدي للحصول على فرصة الانضمام إلى ذلك النادي، ولحسن الحظ نجح الأمر، وعندما حدث ذلك تنفست الصعداء".
لم يكن الحارس الأول في نادي الجنوب، بل كان يلعب مع فريق مارسيليا الرديف، ظل هناك لمدة عام، ثم حاول البحث عن فرصة اللعب في تشكيلة أساسية، فانتقل إلى نادي ستاد ريمس في دوري الدرجة الثانية الفرنسي، لم يكن أساسياً هناك، حتى استطاع حل لغز مكعب روبيك.
يوهان كاراسكو حارس ستاد ريمس الأساسي يتحصل على بطاقة حمراء ويتم إيقافه، وأخذ مكانه إدوارد ميندي، كأول فرصة له للعب مع الفريق في مباراة رسمية، وقتها أثبت جدارته عندما استطاع أن يخرج بشباك نظيفة في ثلاث مباريات من مبارياته السبع التالية، وفي الموسم التالي فرض ميندي نفسه كأساسي مع الفريق، وساعد الفريق في الحصول على دوري الدرجة الثانية الفرنسي موسم 2017/2018 والصعود إلى دوري الدرجة الأولى الفرنسي.
حتى جاء يوم 6 أغسطس/آب 2019، الذي أعلن فيه نادي ستاد رين التعاقد مع الحارس السنغالي ميندي مقابل مبلغ غير مذكور، ليلعب موسماً واحداً فقط مع رين، أقنع خلاله المدير الرياضي لنادي تشيلسي بيتر تشيك، ليجلبه إلى لندن، يذكر أن تشيك كان لاعباً سابقاً لستاد رين أيضاً، قال ميندي عن تلك الفترة "نعم لقد أدركت أن بيتر تشيك كان يشاهد مبارياتي، إنه لمن دواعي سروري أن أسمع أنه كان يراقبني، ويقول إنه يحب ملفي الشخصي والطريقة التي كنت أؤدي بها، الآن الأمر متروك لي لسداد ثمن اهتمامهم بي".
تعاقد تشيلسي مع ميندي مقابل 28 مليون دولار، بعد أن قدم الحارس الأساسي السابق كيبا مع الفريق في أول مواسمه سجلاً دفاعياً سيئاً جداً، حيث وصل معدل استقبال الفريق للأهداف حوالي 1.5 هدف كل مباراة.
لذا لعب ميندي كأساسي هذا العام، وكان سبب كبيراً في تحقيق الفريق لقب دوري أبطال أوروبا الثاني في تاريخه. وطبقاً لموقع Fbref، كان من المتوقع لإدوارد ميندي أن يستقبل 5.7 هدف في بطولة دوري أبطال أوروبا طبقاً لإحصائيات الـPsxG، وهي إحصائية الأهداف المتوقع استقبالها بناءً على التسديدات التي تلقاها الحارس على مرماه ونسبة خطورتها طبقاً لمعايير معقدة، هذا يعني أنه استقبل ما يقرب من نصف المتوقع له، حيث استقبلت شباك ميندي 3 أهداف فقط خلال 12 مباراة في دوري أبطال أوروبا 2020/2021، بمعدل 0.25 هدف في المباراة الواحدة، لكي يعادل الرقم القياسي للحارس الكوستاريكي كيلور نافاس، كأكثر حارس محافظة على نظافة شباكه في البطولة، بالإضافة لأنه أصبح أول حارس إفريقي يتواجد في نهائي دوري أبطال أوروبا ويتوج به.
نجح ميندي في أن يكون كريس غاردنر كرة القدم، المكالمة التي جاءت به إلى مارسيليا، هي رحلة التاكسي المشتركة التي جمعت غاردنر بجاي تويستل، طرد يوهان كاراسكو في ستاد ريمس ربما هو حل لغز مكعب روبيك، وربما بيتير تشيك هو نفسه جاي تويستل، لكن زوجة ميندي لم تكن أبداً كليندا، لم تتركه، بل ظلت بجانبه في الوقت الذي كان بدون نادٍ، كانت وطنه عندما طرد من وطن كرة القدم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.