الخِطبة أو كما نقولها بالعامية المقتبسة من الفصحى "الخطوبة".. هل فكرت يوماً كم هو صعب أن يقرر الإنسان أن يشارك حياته كلها مع إنسان جديد، من سرير نومه، إلى اسم طِفله، إلى ماذا سنفعل إن لم يكفينا راتب التقاعد مع شخص آخر؟ حياته وتجاربه وطباعه وحتى عقده النفسية وكل تفاصيله تختلف عنك، فكيف ستدق بابه وتدعوه إلى حياتك؟
في البداية أريد أن أنوه لفرق صغير، ولكن أثره كبير بين البلدان العربية أو حتى في مدن وقرى الدولة ذاتها، هناك بيئات تسير العادات بها وفقاً لما يسمى الخطبة الشرعية، وهي أن يتقدم الشاب إلى الفتاة، ويتم تحديد فترة للتعارف بما يسمى "قراءة الفاتحة" وإشهار الخطبة دون عقد رسمي، فإن توافقا ووُجد بينهما القبول تم العقد، ومن ثم الزواج.
وهناك بيئات تكون الخطبة فيها مباشرة قبل التعارف، بحيث يتقدم الشاب للفتاة ويُسأل عنه في مدينته وعمله، ثم يجلس مع الفتاة مرة أو اثنتين، ثم يتم العقد خلال أيام، وكتب الكتاب، وتسمى "فترة الخطوبة"، وبعدها حفل زواج، دون فترة كافية لخطبة دون ارتباطات بعقد ونحوه، وبغض النظر عن رأي الفتاة.
الفرق في الطريقتين ليس ترتيب الخطوات فقط، ففي الحالة الأولى إن لم يتم الوفاق بين الشاب والفتاة فبإمكانهما القطعية، دون أن يترتب على أحدهما أي مسؤولية للآخر، ولا يصبحان واقعين تحت مسمى "الطلاق"، عكس الحالة الثانية، التي إذا انتهت بفشل تصبح الفتاة مطلقة، ويصبح الشاب مطلقاً.
ونرى عدداً من جيل الشباب الجديد يُقبل على الخطبة بهذه الطريقة، إما بسبب عادات بلدهم أو حماية من الحصول على كلمة مطلقة مجاناً، فصار الإقبال عليها أكثر لفهم الشريك المستقبلي بوعي ودراسة شخصيته قبل اتخاذ القرار النهائي، خاصة أننا ما زلنا نعاني في مجتمعاتنا من النظرة الدونية للمطلقة ونبذها، وتأخير فرص زواجها، ومن الممكن أن يتبادر لأحدهم سؤال من ناحية الخلوة، الخطبة دون عقد لا تعنى الخلوة الكاملة بها، إنما تكون في بيت أهل الفتاة، وعلى مرأى من العائلة، هي فقط جلسات متكررة بينهما لفترة ما، لا أريد التوسع أكثر من ذلك في تفاصيل الخطبة بعقد أو بدون، فهي كما ذكرنا تعود للبيئات المختلفة والعادات، ما أود التطرق إليه هو كيف أضعنا دبلة الخطوبة في المقهى؟
يتقدم شاب جيد الشكل والراتب لفتاة جيدة بنظره ونظر أهله، وفي أيام قليلة يتحولان من شخصين طبيعيين إلى كتل عاطفية تسير على الأرض، لا يحركهما إلا العاطفة الدسمة، وكثير من الزبد على البصر، لا أقول إن العاطفة والمشاعر يجب أن تُقصى، بل على العكس، الزواج ليس إلا التقاء أرواح وكما قال النبي "حتى يؤدم بينهما"، أي تدوم المودة والعاطفة مثل الماء والطين، إنما أقصد العاطفة الواعية، والتعارف المنطقي الذي يبصر الطريق المستقبلي، وهل الحياة بيننا ممكنة؟ هل هناك أرضية مشتركة نستطيع أن نقيم عليها بيتاً وننجب الأطفال ونضمن لهم حياة كريمة وصحية!
الكثير من جلسات الخاطبين وأفكارهم وخططهم في الخطوبة ليست إلا كما يقول المثل الشعبي "ضحك على الدقون"، تذهب أهم لحظاتهم إلى اللعب والغزل، وإلى أي مطعم سنذهب اليوم، وإلى أي أغنية سنستمع الليلة، وكم فستاناً سنشتري؟ وأحاديث بلهاء، وربما تصل إلى الكذب والبطولات المصطنعة والتمثيل والقفز عن أي مشكلة بالدلال والاعتذار السريع دون الوقوف وفهم الأسباب لعدم تكرار الخطأ.
لا يعني أن تتحول هذه الفترة إلى برنامج تحقيق أو تحليل سياسي، إنما استغلال الفترة للتعرف "الحقيقي"، والتفاهم ودراسة الشخصية دون قناع، ويتطلب هذا الأمر وعياً كاملاً منهما حول "لماذا نحن نريد الزواج"؟، هل للتكاثر فقط؟ هل لأن الأهل يريدون ذلك؟ هل خوفاً من خرافة قطار العنوسة؟ أم لأننا أدركنا مفهوم الشراكة والحب وبناء البيوت، وتصالحنا مع العيوب ونريد بناء جسور بيننا لنكمل الطريق؟ هل لأن الأرواح حقاً التقت؟!
فترة الخطوبة ليست لتحديث الصور الشخصية على الفيسبوك وتغيير الحالة إلى Engagement ليتفاعل عليها الأهل والأصدقاء بـ"لايك" و"أحببته"، وعمل check in مع خطيبي في المقاهي، لربما أتفهم هذه التصرفات من البعض، فهناك من يعيش بفجع عاطفي ووحدة مخيفة، وبمجرد أن يرتبط تغيب كل منطقيته، ويصبح كطفل مزهو بثوب العيد، وأيضاً بعض الأشخاص الذين لا يهمهم الزواج كأسرة صحية وعلاقة مريحة وهدفهم فقط حفلة وفستان، فلا يهتمون لإجلاس المنطق معهما أثناء التعارف، حتى إنهم يخافون من جلوسه لكي لا يقطع عليهم هذه الفرصة، وبعد أن تنتهي هذه الليالي العسلية ويذوب الثلج، سيصطدمون بالواقع، وتبدأ الأسئلة: كيف أوقعت نفسي مع هذا الشخص؟ وكيف لم أنتبه لكل هذا؟
فعلينا أن نعي الفكرة من الزواج، ونتثقف بها، وأن نختار الأفضل لنا ولأطفالنا، صحيح أن الإنسان لا يُكشف بشكل كامل إلا بعد سنوات كثيرة من العِشرة، لكن هناك مؤشرات يمكن الأخذ بها في هذه الفترة، علينا إعمال العقل الذي أنعم الله علينا به في أهم قرار مفصلي في حياتنا، ادرس شريكك واطرح مواضيع كثيرة، اسأله عن آرائه في كل الأمور "اجتماعية وسياسية ودينية"، حاول أن تتحرى ثقافته ومدى قدرته على التفكير، والأهم مدى تقبله للآخر، وكيف هي سعة صدره للمختلف عنه، وكم هو متصالح مع عيوبك؟ واسأل نفسك دائماً هل زواجي من هذا الشخص سينقلنا نحن الاثنين لمرحلة أفضل مما نحن عليه الآن على جميع المستويات؟ فلا حاجة لك في زواج يرجعك للوراء، ويهدم آمالك في حياة مريحة، وتذكر أن ضريبة الانفصال في الخطوبة أقل بكثير من الانفصال بعد الزواج وهدم بيت فيه أطفال!
الزواج نعمة من الله، والحياة صعبة، وعلى المرء أن يجد من يستعين به عليها وعلى وحدته، فأحسنوا الاختيار، واستغلوا الخِطبة، فالندم شعور مُر، وفعلاً.. يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا.. ولكن…
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.