انطلقت فجر اليوم الاحتفالات الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار وإعلان نهاية العدوان على غزة، بعد أحد عشر يوماً من حرب شرسة ومختلفة عن غيرها في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، استشهد فيها قرابة 230 فلسطينياً وما يقرب من ألفي مصاب ومئات من البيوت التي هُدّمت. مُني الجانب الإسرائيلي والمعتِّم في التصريح عن خسائره بسقوط 12 قتيلاً، بالإضافة لخسائر تقدر بمئات الملايين من الأوراق الخضراء. خرجت المسيرات الفلسطينية بعد وقف الحرب بالتكبير والتهليل احتفالاً بانتصار المقاومة وإقامة صلاة النصر في المساجد، في حدث من النوادر العربية في العصر الحديث.
وكعادة كل نهاية حرب بانتصار المقاومة، يسأل بعضهم عن مدى دقة وصف الأمر بـ"الانتصار"، فوجب التذكير أن الانتصارات ليست بتحقيق أكبر قدر من الخسائر المادية من طرف معركة على الطرف الآخر دون النظر للخسائر الاستراتيجية والنفسية والاقتصادية والسياسية التي قد يحسم بها الطرف الأضعف مادياً الصراع لصالحه، وهذا ما حدث في هذه الحرب.
ومن أبرز نتائج هذا الانتصار
- فشل هدف إسرائيل الاستراتيجي بتصفية رأس المقاومة محمد ضيف، باعتراف إعلام العدو نفسه، فشل تكرر 4 مرات خلال أيام الحرب.
- لأول مرة منذ بسط حركة حماس سيطرتها على قطاع غزة، لا يشتعل فتيل الحرب في القطاع المحاصر، بل اشتعل كردة رد فعل على انتهاكات المحتل في حي الشيخ جراح والقدس. هنا المقاومة تبسط سلطتها خارج غزة، ما يعني أن المحتل سيفكر قبل أي انتهاك في كل فلسطين لوجود من سيقف له.
- توحد كل فلسطين وتوحد الرايات التي كثيراً ما تناحرت والوقوف في صف المقاومة، وظهور هتافات من كل فلسطين تدعو للوحدة ونبذ التعصب للخنادق الحركية، أبرزها هتافات الضفة "ياللي بتحكي انقسام.. فتح بتهتف للقسام".
- توحد العرب بقوة من المحيط إلى الخليج على قضيتهم الأولى (فلسطين) بشكل لم يحدث في السابق، ظهر ذلك أثناء الحرب بصعود هاشتاجات "فلسطين_قضيتي"، "أنقذوا حي الشيخ جراح"، "غزة تحت القصف"، كـ"تريند" في مواقع التواصل الاجتماعي طوال أيام الحرب الأحد عشر.
- ظهور المقاومة أقوى مما كانت عليه في حرب 2014 بشكل فاجأ الصديق قبل العدو، بكونها ترد ضربة بضربة، وضربة المقاومة أصبحت أبعد مدى وأكثر عدداً وفتكاً.
- إجبار المقاومة المحتل على وقف إطلاق النار من طرف واحد.
- حصد تضامن من مشاهير العالم والمنظمات الغربية مع فلسطين بشكل أوسع لم يحدث من قبل.
- إظهار الوجه القبيح للمحتل كقاتل أطفال عبر نجاح الكاميرا في الوصول لأماكن القصف التي يدعي أنها أماكن عسكرية وهي بيوت مدنية ومؤسسات ثقافية.
- هزيمة الخطاب التطبيعي المتصهين وفضح المتعاونين مع الصهاينة، باستهجان الشعوب وإبداء مقتهم ورفضهم للمطبعين مع الكيان الصهيوني وتحرك بعض الدول السريع بمحاولات قانونية لتجريم التطبيع كما في الحالة التونسية.
- وضوح دولة الكيان الإسرائيلي ككيان غير آمن للحياة.
- وفود العراقيين والأردنيين واللبنانيين المتضامنة مع فلسطين على حدود الأراضي المحتلة أشعرت إسرائيل أن كل إنفاقها على مدار السنوات للتطبيع الشعبي ولجعل كيانها منفصلاً عن الداخل الفلسطيني والخارجي ومعاهداتها للسلام أصبحت هدراً في أيام حربها على غزة المعدودة.
- إظهار المقاومة كواجهة للشعب الفلسطيني وصوته وقوته الرادعة ليس فقط في غزة ولكن في كل فلسطين وخاصة للقدس والأحياء المهددة بالتهجير، ما يجعل المقاومة هي صوت الشعب المجمع عليه.
- خروج المقاومة أقوى بعد توحد فصائلها وعمل لجان عمليات مشتركة يجعل فرصة الوحدة الفلسطينية قوية وحتمية.
- جهود إعادة الإعمار المصرية والعربية لتضميد جراح غزة يعيد القضية الفلسطينية لأولويات الحكومات والشعوب العربية.
- جلب وإظهار المزيد من التضامن الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجعل ما يحدث في فلسطين "تريند يومياً" خلال أيام الحرب، وفر فرصاً لا تعد بالتعريف بأصول القضية للأجيال الجديدة، ويجبر سياسات مواقع التواصل الاجتماعي على إعادة النظر في موقفها من نقد سلوك الاحتلال.
- إظهار قوة الإعلام العربي المحترف في نقل الأحداث على الأرض مباشرة على مدار اليوم، يجعلنا نثق في القدرات الإعلامية التي تجعلنا نزهد في القنوات ووسائل الإعلام المتصهينة ويكشف زيفها أو تفريطها.
- انتصار الدبلوماسية العربية خاصة المصرية، جعل الصورة تظهر أكثر كما كانت، أن مصر لا تترك فلسطين وحدها.
- فقدان إسرائيل كثيراً من أسهمها كواجهة للاستثمار الاقتصادي، بعد أن باتت أرضاً مهددة بصواريخ المقاومة، وبدء التعامل معها ولو جزئياً كعبء على العالم الغربي الراعي لدولة الكيان الصهيوني.
- المظاهرات الحاشدة التي خرجت متضامنة مع فلسطين في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الغربية جعلت شعوب وحكومات تلك الدول تسمع لصوت مختلف عن صوت دولة الاحتلال.
- بعد حرب 2021 أصبحت كل فلسطين واحدة، ما يحدث في الشيخ جراح يكون له رد فعل من غزة، وما يحدث في غزة يكون له رد فعل في اللد والقدس؛ ما يعيد لفلسطين تواصلها رغم أنف الحواجز والحصار.
- استهداف المقاومة لكل مطارات إسرائيل ووقف كل خطوطها الجوية لأيام مع وصول صواريخ المقاومة في قلب تل أبيب العاصمة، أوقع أسطورة إسرائيل الأمنية بما فيها القبة الحديدية. مما سيجعل قوافل المستوطنين الصهاينة الجدد في موقف تردد قبل مغادرتهم بلادهم، الأمر الذي قد يكتب تفكك إسرائيل.
هذه الانتصارات غير المسبوقة تجعل فلسطين ومقاومتها اليوم موحدة، قوية، حاشدة، مسموعة الصوت، نبضها حزناً وفرحاً عابر الحدود والقارات، انتصارات وجب العمل عليها من اليوم واستثمارها لتكبر وتكثر وتنتشر وتستمر، انتصارات تستحق هذا التثمير لأنها جعلت التحرير ممكناً وربما قريباً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.