وهكذا انتصر المكر المنظم على الخير الشارد

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/21 الساعة 11:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/21 الساعة 11:53 بتوقيت غرينتش

بعد أن نجح ثوار الغابة في تحديد إقامة الذئب لمعاقبته بسبب انتهاكاته وجرائمه في مشهد حيواني بديع اصطفوا فيه جنباً إلى جنب. عكفت كل فئة على التخطيط وحدها وانفردت تتهيأ لحصد الغنائم الهائلة، ودخلت الغابة لأول مرّة في حالة احتراب أهلي مرير، صراعات، تحالفات، اقتتال، كان الشعار القائم "الكل يريد إسقاط الكل"، فالثور وأتباعه الذين لا يتعلمون من أخطائهم، لم يتجرؤوا على محاكمة الذئب اللعين الذي أذاقهم مُرّ وويلات عبر عقود، فكان ذلك محط نظر وتساؤل غريب كونهم القوة المنظمة الوحيدة على الساحة بعد الثورة! 

مرّت الأيام والتناحر لا يزال سيد المشهد العصيب، فأُشيع بين عموم الحيوانات أن الثور قد عقد اتفاقية سرية مع أتباع الذئب تضمّنت "الخروج الآمن للذئب وأتباعه من المحاكمة التي تطالب بها الغزالة وأتباعها، مقابل تمكين الثور من حكم الغابة بمفرده وإزاحة الغزلان". 

هنا، أعلنت الغزلان حالة الطوارئ وجمعت ذويها يُفكرون في الوضع الراهن، وكيفية خروجهم من هذا النفق المعتم قبل استيلاء الثور على مجريات الغابة، فساد بينهم الجدل حتى اختلفوا كدأبهم المعتاد، وحلّقت كل غزالة وحلفاؤها بأحلام منفردة، لكنها للأسف لا تبني غابة قوية. 

وفي خضم الصراعات التي لم تهدأ، ظهر على الساحة ثعلب وديع، يُداعب الجميع ويناغيهم ويتودّد إليهم، ومضى ينفرد بكل فئة على حدة، تارة بالغزلان الذين يطالبون بمحاكمة الذئب وحقوقهم المسلوبة، وأخرى بالثور الهائج المستميت على كرسي الغابة، وراح يكيل لكلا الفريقين الوعود أكيالاً من الوهم، بينما هم في أحلامهم الساذجة يعمهون. 

كان الثعلب الماكر يُشبه "الذئب"، آكل خيرات الغابة سلفاً، نفس الملامح، نفس التحايل، نفس المكر، لكن لا فائدة من فهم الثور والغزالة لهذه المكيدة، واستعانت كل فئة بقوتها وأتباعها في خطط الاستيلاء على الغابة، بينما الثعلب المترقب لحظة الانقضاض، كان أوعى وأذكى وأعمّ وأشمل منهم، وترك ما يحدث من مناوشات واتهامات متبادلة، وانصرف يتغزّل إلى الفيلة وباقي الحيوانات في انبساط كونهم الفئة الضاربة والقوة الراجحة لإتمام أي صفقة بمنتهى اليُسر. 

انكشفت الصفقات الخفية، وظهر تحالف الثعلب مع الثور مقابل تمكّنه من الغابة، وأول شروط هذه المؤامرة أن يُضحي بشركاء الأمس، الغزالة، فرضخ على الفور، وأقام الثعلب مجزرة بحق الغزلان لينتقم لحق صديق الأمس "الذئب"، فاستغاثت الغزلان بالثور وأتباعه لينجدوهم من المجزرة والمحرقة، لكنهم لاذوا بالصمت عن دمائهم وساوموا على حقوقهم وتجاهلوا مطالبهم، وبالفعل حكم الثور وأتباعه الغابة، فانقسمت الغابة إلى فئتين، الثور الذي له شرعية الحكم، والغزالة التي تطالب بدماء ذويها، فعمّت الفوضى أرجاء الغابة، كل يومٍ هما في تنازع مستمر، بينما الثعلب قد اكتفى بالفُرجة واحتاط هذه المرة من عاقبة سابقه "الذئب"، فأعاد الكرّة لسيرتها الأولى واستهلّ بالوعود للغزالة للانتقام من الثور والوقوف بجانبهم، وليزيد من حماستهم رغّبهم بالتمكين من الحكم، فيا لها من فرصة ثمينة "الحكم والانتقام" في آنٍ واحد! 

فلم يلبثوا سوى عشية، وجابوا ميادين الغابة ليثأروا لحقوقهم ويهتفوا من صميم قلوبهم دون وجل، هنا اكتملت خطة الثعلب وحانت لحظة الخلاص. فألمح بإشارة متفق عليها سلفاً إلى الفيلة اللاهثين للاستقرار بمشاركة الغزلان في مطالبهم والنزول إلى الميادين، ولم يقف دعم الثعلب الماكر عند هذا الحد، بل اغتنم هذا التوقيت السانح ونشر فرقة خبيثة من المندسّين يعيثون الفساد في الغابة، وأشاع بين جموع الحيوانات أن الثورة هي سبب هذا البلاء العظيم. 

ودارت المعركة.

فقست القلوب، وعمّ الكره، لتدور الدائرة ويتجرّع الثور وأتباعه من نفس الكأس العلقم، واستُحكمت ضدهم مجزرة هزّت الوجدان، فقُتل عدد منهم، وما تبقّى إمّا فرّ هارباً خارج حدود الغابة وإمّا أُسكنوا الزنازين. صفّق الجميع للثعلب لحمايته لأمن الغابة، فلم يمرّ طويلاً حتى فرض قبضته الدامية على الغابة بأكملها، وأول إنجازاته أنه تخلص من الغزالة وأتباعها، فشتّت مجموعاتها وشكّك في ولائهم للغابة، فاتهمهم بتسهيل المهمة لحيوانات شرسة لاقتحام الغابة وتنفيذ أجندات تخريبية. 

صدّقت الفيلة وباقي الحيوانات خديعة الثعلب، وراحوا يهتفون مجدداً لمكر ودهاء القائد "الثعلب" من الفتك بهؤلاء الخونة، بل ومكّنوه من حكم الغابة دون قانون يحمي حقوقهم، مردّدين بمفرداتٍ محفورة في أذهانهم: "لا بد من أن يحكم الغابة حاكم من الصفوة فهم أجدر وأحق، حتى لا ننزلق نحو الهاوية". 

ارتفعت أصوات الغزلان تُكذّب ادعاءات الثعلب، ولم تُذعن بعض الغزلان لكل هذه الافتراءات، وواجهت الثعلب في عقر داره لتدق ناقوس الخطر، وتنذر بوعظٍ للفيلة بأن قائدهم غدّار، وسيقتص منهم واحداً تلو الآخر كما انتقم من الذين قبلهم، لكن للأسف تأخرت النصيحة، وكذلك الوقت، ولم يُصدقهم حيوانٌ واحد ذو فطنة! 

فكانت المؤامرة كفيلة بوأد أحلام الثورة نهائياً، وتمّ القبض على هؤلاء الغزلان المتمرّدين، بينما الفيلة، ساروا كقطيع واحد خلف الثعلب يجوبون به طرقات الغابة.

فبين واهم ومتواطئ ومتفرج.. ضاع حلم الغابة!

تلاقى كل العملاء والخونة "هكذا وصفهم الثعلب والفيلة" في خندق واحد يلومون بعضهم بعضاً، وحتى الآن لم يتم وضع آلية للخروج من الأزمة، وما زالوا يلقون التهم على أنفسهم جزافاً. بينما الثعلب باشر استكمال نهضته المزعومة وهي إعادة تقسيم الغابة من جديد، فكان على اتصال دائم بالداعم الأساسي لكل حركاته من الخارج "الأسد العجوز"، قائد المنطقة المجاورة، فمدّه بقدرٍ كبير من القطيع لفرض المزيد من التحكّم، لكن الثعلب هذه المرة قد ربّى قطيعاً على يديه لا يعصونه ما أمرهم، فتبسم الأسد العجوز ضاحكاً لفعلته. 

وهكذا انتصر المكر المنظم على الخير الشارد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمود عبدالعزيز
محرر صحفي
حاصل على دبلوم في العلوم السياسية ودرجة باحث سياسي في مجال الإعلام، كما حصل على تمهيدي ماجستير من معهد الدراسات العربية، والآن في مرحلة التحضير للماجستير، وأعمل محرراً صحفياً في موقع إلكتروني.
تحميل المزيد