قصة العبد اليوناني الذي أنقذ أوروبا من غزو الفرس

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/19 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/20 الساعة 09:06 بتوقيت غرينتش
iStock

بين عامي 492 و490 قبل الميلاد، أطلق الإمبراطور الفارسي داريوس العظيم غضب مملكته على اليونان، رداً على مساندتهم لتمرد بعض المدن الواقعة تحت الحكم الفارسي، بالرغم من أنه تمكن من سحق التمرد سريعاً، فإنه قرر معاقبة اليونان، بالأخص مدينتي "أثينا وأسبارطة"، وفتح الطريق على مصراعيه لاحتلال باقي أوروبا، فيما عرف بـ"الغزو الفارسي الأول لليونان".

 بالرغم من تحقيقه بعض الانتصارات في البداية، واحتلال عدد كبير من المدن اليونانية، فإن أثينا أخضعت جيوس الفرس في انتصار حاسم، في معركة "ماراثون"، انتهت به الحملة الأولى، وهربت أثينا وحلفاؤها من غضب الإمبراطور، حتى عاد ابنه خشايارشا الأول Xerxes، بالغزو الثاني لليونان في 480 قبل الميلاد، في حرب فاز بها نظرياً من قبل بدايتها، لكنّ عبداً يونانياً أطاح بكل خططه وانتصاراته.

رؤيا من الآلهة

بتلك الفترة امتدت الإمبراطورية الفارسية في مساحات شاسعة، من الهند وآسيا الوسطى إلى أوزبكستان الآن، وفي شمال أفريقيا ومصر إلى ليبيا وإثيوبيا وشرق البحر المتوسط، وعلى سواحل اليونان وما حولها، وتم إنشاء عدة مدن كبيرة كعواصم مختلفة في كل قطاع من المملكة، وبعد أن نجح خشايارشا في سحق تمرد في مصر، حول أنظاره إلى اليونان وأثينا.

كان لاحتلال أثينا عدة أهداف مختلفة، منها توسيع أكبر إمبراطورية في العالم وقتها، والقوة العظمى الوحيدة تقريباً، والقضاء على المدن اليونانية الديمقراطية، التي هددت السيادة الفارسية وشجعت المدن الأخرى على التمرد، ورغبة خشايارشا في الانتقام لهزيمة والده، لكن السبب الأهم هو رسالة من الآلهة.

عندما عرض الإمبراطور فكرة الغزو على قادته ومجلسه، رحبوا جميعاً بالفكرة وساندوا رغبته، إلا عمه الذي حذره من خطر تكرار كارثة والده من قبل، وفي النهاية استمع الإمبراطور لنصيحة عمه، وهجر مخططه لغزو اليونان، حتى جاءته رؤيا الآلهة.

أثناء نوم خشايارشا تلك الليلة، زاره طيف من الآلهة حثه على الحرب، وبشره بالانتصار العظيم، لكنه لم يلق لذلك بالاً، حتى عاد الطيف في اليوم التالي وحذره بالخراب، إذا لم يهاجم اليونان، حتى استدعى عمه وأعطاه ملابس الإمبراطور، وجعله ينام في السرير الملكي، وإذا عاد الطيف فهو فعلاً من الآلهة.

وبالفعل عاد الطيف مجدداً، كما تقول الأسطورة، وحذر العم بالهلاك إذا استمر في التدخل وتعطيل الغزو، فهرع العم إلى الإمبراطور وأخبره، وبدأ التجهيز للحرب.

غزو اليونان الثاني

حشد الفرس جيش جرار لم يشهده العالم من قبل، ضم تقريباً 1: 5 مليون مقاتل يُقال إنهم شربوا أنهاراً كاملة أثناء عبورهم، طبقاً للمصادر القديمة وهيرودوت، لكن حديثاً يُعتقد أن العدد الأقرب كان 200000: 500000، مع أسطول بحري ضخم ضم ما يزيد عن 1200 قطعة بحرية.

حقق الفرس إنجازاً هندسياً خرافياً، ببناء جسرين بطول كلي بلغ 1200 متر، على مضيق الدردنيل الذي يفصل بين آسيا أوروبا، لكن عاصفة أدت لدمار الجسور الأولية، مما أرسل الإمبراطور لنوبة غضب، وأمر بجلد النهر عقاباً له، وتم البناء من جديد، وأصيبت اليونان بالذعر.

في الطريق، خضعت المدن اليونانية بسهولة، ولم يجد الفرس أي مقاومة تذكر، ما عدا مدينتي أثينا وأسبارطة، اللتين أخذتا على عاتقهما مواجهة المحتل الأجنبي من جديد، بالرغم من العداوة التاريخية بينهما.

انطلق ملك إسبارطة 'ليونيداس' بجيشه لقطع الطريق على الفرس، بينما خرج أسطول أثينا لتعطيل الأسطول الفارسي، ونجحوا في صد الهجوم البحري، بينما قام ملك إسبارطة بالملحمة الأسطورية مع نخبة جيشه، الـ300 مقاتل المصورة في الفيلم الشهير، واوقع خسائر فادحة بجيش الإمبراطور في معركة Thermopylae، حتى قام أحد الخونة من اليونان، بإرشاد الفرس إلى طريق مختصر يمكنهم من محاصرة ملك إسبارطة، ولم تفلح الإمدادات القادمة في المساعدة.

أما أثينا بقيادة 'ثيميستوكليس' فنجحت في تحقيق بعض الانتصارات البحرية، ولحسن حظهم أصابت عواصف عاتية الفرس، ودمرت عدداً من سفنهم، لكن الأعداد الضخمة كانت في صالح العدو، والطريق إلى أثينا ممهد للغزو، والحرب تقترب من نهايتها بهزيمة اليونان، وسقوط أوروبا في يد المحتل الشرقي.

وبالتالي تم هجر أثينا والمدن حولها، وتراجع اليونانيون إلى مدينة 'سلاميس'، فيما دخل الفرس أثينا وأشعلوا النيران في أهم مدن أوروبا، وذبحوا كل من بقي هناك ورفض المغادرة، وتم تدمير المدينة بالكامل، وأدرك قائد أثينا أن المعركة الفاصلة ستكون في البحر، واستغل كبرياء الإمبراطور وثقته بالفوز، بإرسال عبد غير مجرى الحرب تماماً.

عبد أنقذ أوروبا من الخراب

بالرغم من العواصف وسوء الطقس، فإن الفرس امتلكوا أربعة أضعاف السفن اليونانية، وأي معركة بحرية مفتوحة، ستنتهي بانتصار الفرس لا محالة، كذلك في حالة انسحاب اليونان من البحار إلى الأرض، وانتظار معركة حاسمة، ستظل الغلبة لمئات الآلاف من الجنود المدربين في الشرق، أمام المواطنين اليونانيين الذين مثلوا معظم الجيش، ولأن المعجزات نادرة الحدوث، فكان الدهاء المناورة الأخيرة.

اختبأ الأسطول اليوناني في مدخل مضيق بحري، مترددين عن الحل الأمثل، بينما أرسل الإمبراطور جزءاً من أسطوله المصري ليحاصر اليونان من الخلف، ويضمن الانتصار لا محالة، كل ما كان عليه فعله، فقط الانتظار.

حتى ظهر في معسكره صباح أحد الأيام، عبد يوناني يسمى 'سيسناس Sicinnus'، قد هرب من خدمة سيده قائد جيش أثينا، وأراد نقل معلومات للإمبراطور لينتقم منه.

حكى العبد عن الانقسام بين اليونانيين، وانخفاض الروح المعنوية، ورغبة أكبر سفن أثينا في الانضمام إلى الفرس، طمعاً في المكافأة وفي سبيل العفو، لسبب ما اقتنع الإمبراطور، وقرر المهاجمة سريعاً واستغلال تشتت العدو، وإنهاء الحرب سريعاً، فيما ظن أنه صيد سهل، بالرغم من أن هذا العبد اختفى تماماً في الليل، ولم يتم العثور عليه مجدداً.

وبالفعل أمر الإمبراطور بتحرك الأسطول فوراً، ومهاجمة المعبر الضيق حيث الأسطول اليوناني، في البحر بين اليونان ومدينة سلاميس، فيما سيُعرف بمعركة 'سلاميس Salamis'.

بدلاً من أسطول يوناني مفكك ومنقسم، وقفت السفن بأكملها في تشكيل منظم، مستعدة للمهاجمة في أي لحظة، واستغلوا ضخامة السفن الفارسية وصعوبة التحرك والالتفاف في المياه الضيقة، وبدأوا في صدم السفن العملاقة وإغراقها، وقامت مذبحة لجيش الإمبراطور، ثم هرعت سفن الفرس للهروب ومغادرة المعركة، حتى التعزيزات القادمة فشلت في تنظيم صفوفها، ووقعت ضحية للهجومات المباشرة.

حتى السفن المصرية في الخلف، أصابتها عاصفة عنيفة دمرت معظمها، ووقف خشايارشا على عرشه يشاهد المعركة من بعيد، ويرى حلمه في احتلال اليونان ينتهي، ولا شيء يستطيع فعله أمام ذلك.

فقد الفرس أكثر من 200 من أفضل السفن في البحرية الفارسية، والآلاف من البحارة والجنود المخضرمين، وحتى شقيق الإمبراطور سقط في المعركة، ومعظم البحارة الذين غرقت سفنهم لم يستطيعوا السباحة وغرقوا، والذين وصلوا إلى شواطئ اليونان، قتلهم اليونانيون فوراً، أما السفن الفارسية التي تمكنت من الانسحاب لم تكن في أي شكل لمواصلة المعركة أو أي حرب.

بدون الأسطول، فقد الجيش الفارسي الضخم إمداداته، والأسوأ من ذلك، مع سيطرة اليونان على البحر، يمكنهم ببساطة الإبحار شمالاً وتدمير الجسر الذي كان خط التراجع الوحيد للفرس، مما يسترك قوة كبيرة في شمال اليونان معزولة عن الفرس، لكن الإمبراطور قاد معظم جيشه سريعاً خارج اليونان قبل أن يتضور جوعاً في مكانه، أما الجيش المتبقي فظل محاصراً هناك، حتى هُزم في العام التالي عام في مدينة Platea.

وبهذا فشل غزو الفرس لليونان للمرة الثانية، لأن الإمبراطور تخلى عن خطته واستراتيجيته، واستمع لكلمة العبد ووقع في الفخ، بينما كان الانتصار بين يديه، لو انتصرت بلاد فارس، لأصبحت اليونان مهد الثقافة الغربية مجرد مقاطعة فارسية فقيرة، خاصة أن خشايارشا كان مصمماً على تدمير اليونان ومعاقبتها، لا احتلالها فقط، ولتغير العالم والتاريخ تماماً، بما في ذلك تاريخ صعود الديمقراطية والفلسفة اليونانية، وربما لم تقم الإمبراطورية الرومانية، وربما حتى تغيرت ظروف المسيحية، ولم يكن الإسكندر الأكبر ليغزو الفرس، ويقضي على عظمة وهيمنة الإمبراطورية، ولتغير العالم كلياً عما هو اليوم، أما العبد فحصل على حريته بعد الحرب، مكافأة له وعاش ما تبقى من حياته في اليونان، وأصبح من الأغنياء.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمرو عدوي
مدون مصري مهتم بالتاريخ
مدون مصري مهتم بالتاريخ الأوروبي والعصور الوسطى، والاساطير القديمة والميثولوجي
تحميل المزيد