فلسطين ونبتة أبي.. حياة قادمة من بعد الموت

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/18 الساعة 08:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/18 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش
iStock

في بيت أبي، رحمه الله، كان لدينا شرفتان، وضعنا في إحداها أشياءنا القديمة وكنا لا ندخلها مطلقاً إلا للضرورة القصوى. من يستجم في شرفة قد ملأتها الكراكيب وردمها الغبارعن آخرها!

نسينا الشرفة ونسينا نبتة ريحان أهداها لنا شخص عزيز علي أبي فيها، وذات يوم دخل أبي الشرفة يبحث عن أحد أدواته القديمة، فوجد نبتة الريحان، وجدها ذبلت وماتت.

حزن أبي على نبتته، وأخذ عهداً على نفسه ألا ينسى النبتة أبدا وداوم على سقياها كل يوم. ولم يكتف بذلك فحسب، بل طلب منا أن نرتب الشرفة، ونزيل الكراكيب وننظف الشرفة لأجل النبتة. وفعلنا على مضض. وظل أبي يسقي نبتة الريحان أياماً ثم أسابيع ثم شهوراً، ولا جدوى، لا شيء ينبت.

وكلما ذكرنا أبي بسقاية النبتة، فعلنا ولكن بداخلنا عجب، لم نستمر في فعل الأشياء التي لا جدوى منها؟

وذات يوم، كنت عائدة مكفهرة الوجه من زخم العمل وزخم الحياة، كنت في غاية التعب وربما الغيظ والقهر من يوم بائس في عملي السابق، وإذا بأبي يناديني في سرعة، تعالي، انظري ماذا وجدت؟!

كانت طاقتي في اتجاه واحد، لا أعتقد أن طاقتي وقتها كانت تتسع لأي فرح أو بهجة، ولكني لبيت نداءه وذهبت حيث يشير، لأجد نبتة الريحان قد أزهرت وأينعت وانبجس منها عود أخضر رفيع ودقيق جداً. سبحان الله كان مشهداً مبهجاً بحق!

رغم بساطة ما حدث، إلا أن رؤية النبتة كان له أثر السحر في نفسي، بل في أنفسنا جميعاً، وبعد أن كنا نسقيها على مضض، أصبحت أنا وإخوتي نتبارى من يسقها أولاً.

وترعرعت نبتتنا وكبرت وأهدتنا ظلاً ظليلاً وريحاً طيباً في شرفتنا، وبدأ الجيران ينظرون إليها بإعجاب وانبهار، وكنا نهديهم منها فروعاً يزرعونها ويشهدون نموها ويفرحون لنبتها.

وهكذا تدوم الأشياء بدوام السقيا، وتدوم الذكرى بدوام التذكرة ويدوم الشرف بحسن النبت.

أحباءنا في كل مكان لا تستكثروا السُقيا على ما ذبل من نبتكم. إن داومتم على السُقيا، أينعت نباتاتكم ودامت جذوركم.

أما عمن يفضلون المواقف الحيادية في القضايا الفاصلة، فهم يذكرونني بحارس مالكوم إكس الخاص، مالكوم إكس زعيم حركة الحريات للسود بأمريكا، تم قتله في الحادي والعشرين من فبراير/شباط عام 1965. تخلى حلفاؤه عنه جعل منه صيداً سهلاً.

تخلى عنه أكبر حلفائه بعدما اغتيل الرئيس الأمريكي، فعلق مالكوم إكس تعليقاً لم يعجب الغالبية من الأمريكان البيض. وضعته آراؤه نصب عين كارهيه، فتركوه يُقتل على أيدي المتشددين من أتباعه، على مسمع ومرأى من حارسه الخاص. في صور أحد الأفلام التسجيلية عن مقتل مالكوم إكس، تظهر صور حارسه الخاص وقد وقف واجماً وقت اغتيال مالكوم. وقف لم يحرك ساكناً، كان واقفاً في وجوم دون حراك، وقف ناظراً محل الكاميرا وذهوله منعه من اللحاق بحليفه مالكوم، ربما لم يعِ وقتها أن خيانته لمالكوم سوف تودي بحياته. السكوت في  وقت الفصل الحق شعبة من شعب النفاق وخيانة لمن وثقوا بنا.

أحباءنا المرابطين في القدس، أنتم شرف أمتنا، الجاليات العربية في كل بقاع الأرض تدعو الله لنصرتكم. قلوبنا معكم، حفظكم الله ورعاكم. لا يضركم من خذلكم.

فيديو

من أحبائكم من شتى أنحاء الأرض

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شامة عمران
مُترجمة تعيش بأمريكا
تحميل المزيد