وجبة خفافيش شهية وعزلة غير منتهية.. العيد في زمن الوباء

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/15 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/15 الساعة 13:43 بتوقيت غرينتش
أدى مئات الباكستانيين، صباح الأحد، صلاة عيد الفطر في مسجد الملك الفيصل، بالعاصمة إسلام آباد، بعد انقطاع طويل عن المساجد ضمن تدابير مكافحة فيروس كورونا

للعام الثاني علی التوالي يتزامن قدوم شهر رمضان المعظم مع عيد القيامة المجيد وعيد الفطر المبارك، في ظل وجود فيروس كورونا اللعين الذي مازال يقتنص الأرواح ويصيب الملايين حول العالم يومياً، حتی في ظل صدور اللقاحات المضادة للفيروس والإجراءات الاحترازية التي تعتمدها بعض الدول للتقليل من خطر الإصابة بالعدوی.

تأتي الموجة الثالثة للفيروس أشد فتكاً وأكثر تحولاً لتجتث أرواح الناس من الأرض وتصعد بها للسماء.

إحصائيات وأرقام

حتی الآن، بلغ عدد المصابين بفيروس كورونا حول العالم أكثر من 156 مليوناً حول العالم، بينهم 92.6 مليون تم شفاؤهم، بينما يبلغ عدد الوفيات أكثر من 3 ملايين حالة وفاة، تتصدر الولايات المتحدة ترتيب الدول التي سجلت أكبر عدد إصابة وتليها الهند. ولعل هذه الأرقام تخبرنا بشدة موجات الفيروس ومدی قدرته علی التطور والتغير، ورغم ذلك نجد الكثيرين حول العالم يتساهلون في التعامل مع الإجراءات الاحترازية، ما يجعلهم كالقنابل الموقوتة المعرضة للانفجار ونشر العدوی.

الوضع الحالي في مصر

في الفترة الحالية بلغ عدد المصابين في مصر بفيروس كورونا، حسب جريدة "المصري اليوم" المصرية، بتاريخ 30 أبريل (نيسان) 2021، "226531" من ضمنهم "170008" حالات تم شفاؤها، و13278 حالة وفاة، وهذه هي الأرقام الرسمية التي بالطبع لا يمكن أن تكون هي الأرقام الفعلية، بالأخذ في الاعتبار آلاف الحالات التي تطبق العزل المنزلي، وغيرهم ممن لم يتم تسجيلهم في البيانات الرسمية. تبدو الأرقام الكبيرة دليلاً واضحاً علی شدة الفيروس، وخصوصاً في موجته الثالثة، التي تؤكد كل التقارير العالمية كونها أشد فتكاً ومسببة لحالات وفاة أكبر من سابقتها.

ورغم طرح اللقاحات عالمياً فإن التشكك في قدرتها علی التحصين من الفيروس والتخوف والهلع الناتج عن آثارها الجانبية يجعل الكثيرين يعرضون عنها نهائياً وينشرون الأخبار العلمية عنها والزائفة لإبعاد الناس عنها.

الإجراءات الاحترازية المصرية

تم تطبيق عدة قرارات لتجنب ارتفاع أعداد المصابين بالفيروس. ففي مصر تعايش المصريون بشكل كبير مع الفيروس بشكل قهري بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، نتيجة الإجراءات الاحترازية التي اتُّخذت في الموجة الأولى والتي شملت حظر التجول لأكثر من 12 ساعة، وإغلاقاً تاماً للمحال التجارية باستثناء محلات البقالة والصيدليات، فإن المصريين في الوقت الحالي باتوا أكثر سعياً لجلب المال لتعويض الخسائر المادية، ولقلقهم من عودة الأوضاع علی ما كانت عليه في الموجة الأولی.

في الوقت الحالي يُثبت إصابة أكثر من ألف مواطن يومياً بالفيروس، وهو المثبت فقط في التقارير الحكومية، ومن المتوقع أن يكون هذا العدد جزءاً بسيطاً من العدد الفعلي كما هو مثبت عالمياً، حيث إن بيانات الصحة علی المستوی العالمي يصعب عليها تسجيل أرقام الإصابة بدقة كبيرة، بسبب إجراءات العزل المنزلي واعتماد بعض المصابين علی العيادات الخاصة، لإجراء مسحة تحديد الإصابة وغيرها، وبناءً علی ذلك تم اتخاذ عدة قرارات جديدة للحد من الإصابة، وكان علی رأسها إغلاق تام للمحلات التجارية والمولات والمقاهي والسينمات في تمام التاسعة مساءً يومياً، ولمدة أسبوعين من تاريخ السادس من مايو/أيار لعام 2021.

العيد في زمن الوباء

يأتي عيد الفطر المبارك للعام التالي علی التوالي في ظل انتشار الجائحة العالمية في موجتها الثالثة التي تحصد الأرواح بشكل أكبر من سابقتها. وفي مصر حيث البلد في أوضاع متأقلمة، هناك ارتفاع في عدد الحالات يومياً، ورغم ذلك هناك زحام غير طبيعي في الأسواق والمستشفيات والمولات التجارية والخيام الرمضانية قبل قرار الإغلاق جزئياً لتفادي انهيار الاقتصاد، ولكن الأوضاع الاقتصادية بشكل عام غير مطمئنة مع سقوط المستوی الاجتماعي للعديد من الناس من الطبقة المتوسطة إلی الطبقة الفقيرة.

عجلة الرأسمالية تدور بوتيرة جنونية، تدهس من لا يعملون لأكثر من 12 ساعة يومياً، تجبر الناس علی العمل حتی في العطلات الأسبوعية والرسمية، الكثيرون يعملون في أكثر من وظيفة لتسديد الفواتير التي ترتفع قيمتها بأسعار السوق العالمي!

تغيّرات عديدة سبَّبتها الجائحة، فبين خطر الإصابة بالفيروس وخطر الفقر يعيش المصريون أوقاتهم.

ورغم اللامبالاة التي تبدو علی الناس في الشارع يومياً من تجاهل قرارات الحكومة وعدم اتخاذ أي إجراءات احترازية فيما يشبه حفلة انتحار جماعي أعيش أنا بين هؤلاء، أتأثر بهم وأتعجب منهم، والغريب أنه عند أي حديث عن محاولات لتلقي جرعة اللقاح تجد رفضاً شديداً من الناس، رغم علمهم بارتفاع الحالات يومياً وعدم وجود أي مكان خال تقريباً في مستشفيات العزل، رغم اطّلاعهم علی تكاليف العلاج ورحلة -الكعب الدائر- التي قد يخوضها أي شخص للحصول علی أسطوانة أوكسجين أو أي نوع من العلاجات المستخدمة في بروتوكول العزل المنزلي، ورغم كل هذا نجد استهتاراً واضحاً، وكأن الناس في مجتمعنا فقدوا الرغبة في الحياة، وكأنهم يريدون إنهاء الرحلة علی الأرض دون أن يتكلفوا مشقة اختيار وسيلة انتحار مناسبة أو تكاليف طريقة -الموت الرحيم- المتبع في أغلب دول العالم.

نجد الحياة هنا أصبحت كئيبة وتبعث علی السأم والضجر. بالنسبة لي أنا لم أخلع القناع الطبي من علی وجهي منذ بداية الجائحة منذ أكثر من عام، يسخر مني الجميع ويقولون إنني مصاب بوسواس قهري، لا أكذبهم، ولكني كلما حاولت شرح الوضع الصحي في مصر ودول العالم مقابل تفشي الفيروس تقابل كلماتي بالسخرية!

عزلة غير منتهية

بعد نهاية هذه الأيام التي أتمنی أن تنتهي سريعاً لا أظن أنني سأخلع القناع الطبي أو أقضي أغلب وقتي خارج البيت، أظن أنني سأحتفظ بنفس النظام وسأتخذ نفس التدابير الاحترازية، لن أمد يدي بالسلام إلا نادراً، وسيتبع هذا صوت رذاذ زجاجة الكحول، سأعدل وضع القناع علی وجهي، ثم أتذكر أن أعقم يدي مرة أخری. سأفضل البقاء في المنزل علی أي متعة قد أحصل عليها في الخارج، سأتذكر هذه الأيام التي تمر ثقيلة ومخيفة، وسأظل أردد بيني وبين نفسي أن أي متعة خارجية مشوبة بخطر الإصابة بالفيروس، وأن هذا قد يعرضني لتذوق الموت في كل مرة أحاول أن التقط أنفاسي، أو أبحث عن مستشفى ليستقبلني، أو عن أسطوانة أوكسجين تمنحني أنفاساً إضافية علی هذه الأرض.

في الوقت الحالي لا أقول إلا أن الإصابة ستتسبب في عذابي قبل موتي، وأنني سأری عائلتي في وضع لا يُحسدون عليه وهم يحاولون جمع تكاليف العلاج أو مشاهدتي وأنا أموت بطريقة بشعة، والسبب في هذا كله رغبة البعض في تناول وجبة خفافيش شهية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد