مبادرة “المطالب السبعة”.. هل يستجيب النظام المصري للضغوط المحلية والدولية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/11 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/11 الساعة 14:20 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي - رويترز

منذ بضعة أيام قدّمت خمس منظمات حقوقية مصرية (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان)، بياناً يحوي سبعة مطالب حقوقية وسياسية للنظام المصري. اعتبرت المنظمات في بيانها أن تلك المطالب بمثابة خطوات على النظام المصري السعي نحوها إذا كان لديه أي نوايا لإحداث انفراجة سياسية وحقوقية في الداخل المصري. فهل تلمس تلك المطالب الواقع المصري، وما مدى إمكانية استجابة النظام المصري وتفاعله مع تلك المبادرة؟

تعريف بالمنظمات

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: تعمل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية منذ عام 2002 على تعزيز وحماية الحقوق والحريات الأساسية في مصر. 

المفوضية المصرية للحقوق والحريات: تحمل المفوضية اسم "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" وتتخذ شعاراً لها "من أجل وطن يحمي إنسانيتنا"، وتتمتع بشخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة، وتمارس نشاطاً حقوقياً وتنموياً واجتماعياً ورقابياً، وتأسست عام 2013.

مؤسسة حرية الفكر والتعبير: مجموعة من المحامين والباحثين يعملون بمؤسسة قانونية مستقلة وفقاً لقانون المحاماة المصري نشأت عام 2006 تحت اسم مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وتتخذ من الدستور المصري والإعلان العالمي والمعاهدات الدولية مرجعية لها.

مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب: مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب، هو جمعية مصرية غير حكومية، أسست في أغسطس/آب 1993، كشركة مدنية غير هادفة للربح. في العام الأول بعد التأسيس اقتصر نشاط المركز على تأهيل ضحايا التعذيب نفسياً، وتزويدهم بالتقارير الطبية القانونية عند الحاجة.

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: مؤسسة قانونية تضم محامين وباحثين، يعملون في الدفاع عن حرية التعبير في مصر والعالم العربي، ولاسيما حرية الصحافة، باعتبارها بوابة التمكين من الحصول على باقي حقوق الإنسان، بدأت عملها عام 2004. 

مبادرة "المطالب السبعة"- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

المطالب السبعة

1- الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطياً أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية بالآلاف بسبب نشاطهم السلمي.

2- إنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة ووقف "تدوير" السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون.

3- رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 2017 بالمخالفة للدستور والمستخدمة في تعطيل كافة الحريات الأساسية وحقوق المحاكمة العادلة.

4- تأجيل تنفيذ جميع أحكام الإعدام الصادرة في قضايا جنائية أو سياسية وعرضها على لجنة مختصة للعفو الرئاسي قبل تنفيذها.

5- إنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني.

6- سحب مشروع قانون الأحوال الشخصية وإطلاق حوار مجتمعي بشأن قانون عادل للأسرة، يكفل الحقوق المتساوية للنساء.

7- رفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية، التي تجاوز عددها 600 موقع محجوب بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي. 

يمكننا هنا الثناء على المبادرة لواقعيّتها، فالمطالب السبعة تمثل الحد الأدنى من مستوى الهامش السياسي والحقوقي، عدا المطلب السادس وهو مطلب حقوقي اجتماعي، يخص قضية تشريع قانون الأحوال الشخصية، أي يعنى بتنظيم الأسرة المصرية، والتي تعتبره المنظمات إهداراً لحقّ المرأة المصرية، وقد تستجيب السلطة السياسيّة له قريباً، لأنه لا يعني استراتيجية السلطة في البقاء في الحكم. 

واقعية المبادرة

أما المطالب الأخرى فتُمثل الهامش الأدنى للحق السياسي والاجتماعي للمجتمع المصري، لكن ذلك من وجهة نظر المنظمات -التي تختلف كليّاً عن نظرة النظام-. نظرة تلك المنظمات مستمدّة من الإيمان بحق المصريين في الحرية والتعبير عن آرائهم والمشاركة الاجتماعية والسياسية، وهي نظرة واقعية وعقلانية كما يسمّيها الناشط اليساري المصري حسام الحملاوي. تحدّث الحملاوي في أكثر من لقاء على وجوب السعي من ناحية الناشطين والمنظمات، في خلق هامش سياسي/اجتماعي في الداخل المصري مرّة أُخرى، يتواجد فيه النشطاء والمثقفون المصريون لمناقشة ومعارضة النظام المصري الحالي في قراراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعود بالضرر على المصريين وتمس حياتهم اليومية، كالقبضة الأمنية المسلطة على الرقاب والألسنة أو السياسات الاقتصادية التي تتسبب في زيادة معدلات الفقر تآكل الطبقة الوسطى. ويقارن الحملاوي هذا الهامش المأمول إيجاده، بنظيره الذي خُلق في بداية الألفية إبان حكم المخلوع مبارك. ذلك الهامش ظلّ ينمو حتى تسبب في تكثيف الضغط على النظام وزيادة مكتسبات المعارضة، والذي أدّى مع مرور السنوات إلى انفجار يناير/كانون الثاني عام 2011.

ولكن كيف يرى النظام المصري ذلك الهامش، وهل يسمح بتواجده مرّة أُخرى؟

الهامش في عين النظام

منذ بيان 3 يوليو/تموز 2013 وحتى استقرار نظام الحكم في مصر، لم يسمح النظام المصري بوجود ذلك الهامش من المعارضة في مصر. تعامل النظام المصري مع جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها، تعامل صفري، طرف خاسر بشكل كامل، يجب استئصال شأفتهم. وهذا ما حدث بالفعل، فقد زجّ النظام المصري بعشرات الآلاف من أفرادها في السجون، ناهيك عن القتل الميداني الذي حدث أثناء التظاهرات والاعتصامات، وكمّ الأحكام بالسجن والإعدام التي صدرت ونُفذت في حقّهم. أما من توجّهوا ناحية الهامش الاحتجاجي من النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين وغيرهم ممّن حشدوا لتظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، لم يفلتوا من قبضة النظام الأمنية، فبدأ النظام في اعتقالهم والتوسع في إحكام القبضة الأمنية عليهم عن طريق المراقبات القانونية والمتابعات الشرطية وغير ذلك. 

عند النظر إلى الوراء أيضاً، إلى المبادرات والحلول التي عرضتها شخصيات رسمية وغير رسمية على النظام، مثل زياد بهاء الدين نائب رئيس وزراء حكومة حازم الببلاوي، والسياسي عبدالمنعم أبوالفتوح قبل اعتقاله، وأستاذ العلوم السياسية حسن نافعة قبل اعتقاله والإفراج عنّه مؤخراً، والأكاديمي سعد الدين إبراهيم، والمحامي والمفكر محمد سليم العوا، وزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، والقيادي السابق بالإخوان كمال الهلباوي، ومرشد الإخوان الحالي إبراهيم منير، والسفيرين السابقين عبدالله الأشعل ومعصوم مرزوق قبل اعتقال الثاني والإفراج عنه، تلك المبادرات كانت من أجل التوصّل إلى حلٍّ سياسي ومجتمعي ينهي حالة استبداد النظام وبداية انفراجة جديدة، وخلق هامش سياسي/اجتماعي يتنفس فيه المصريون، لكن قوبلت كلها من النظام بالقمع والرفض والتجاهل، لذا إمكانية تعاطي النظام المصري مع المطالب الحالية تظل غير واقعية، حتى وإن تفاءل الكثير بشأنها. 

هذا التفاؤل أتى مؤخراً على لسان الكثيرين منهم الحقوقي جورج إسحاق، وهو عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، حيث وصف المطالب السبعة بـ"العادلة"، بالإضافة إلى أنه يرجح حدوث انفراجة قريبة في الملف الحقوقي، خصوصاً مع زيارة الوفد الأمريكي إلى القاهرة، في مايو/أيار الجاري، حيث تضم الزيارة مسؤولين من وزارة الخارجية برفقة نظرائهم من الأمن القومي الأمريكي لمناقشة بعض القضايا، ومنها ملف تدهور حقوق الإنسان في مصر. 

لكن، تلك الزيارة ليست دليلاً كافياً أو خطوة عملية تفرض على النظام المصري انفراجة حقيقية، وليست ضمانة لتنفيذ "المطالب العادلة". منذ مَجيء جو بايدن إلى البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني الماضي، كثرت التصريحات على ألسنة الكثير من المسؤولين الأمريكيين أن الإدارة الجديدة لن تتهاون مع النظام المصري بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، لكن تظل تصريحات دوّى صداها في الوسائل الإعلامية فقط. على أرض الواقع تحافظ الإدارة الأمريكية على علاقتها الكاملة مع النظام المصري، غاضّة البصر عن ملف حقوق الإنسان، ولا تتخذ أي إجراءات فعلية بشأن الانتهاكات الواقعية، بل تعقد صفقات الأسلحة مع الجانب المصري، والتي تجني منها مئات الملايين من الدولارات. بدوره النظام المصري لم يخفف آلته القمعية بحق المصريين، وفي القلب منهم الناشطون السياسيون -حتى غير الإسلاميين إن اعتبرنا بعيداً عن الأخلاق أن الإسلاميين وجودهم صفري بالنسبة لمعادلة النظام- حتى مع الإفراج عن بعض السياسيين والصحفيين مثل القيادي بحزب الدستور خالد داود، وأستاذ السياسة بجامعة القاهرة حازم حسني، والصحفية سولافة مجدي، لم تتوقف الآلة القمعية والمحاكمات غير العادلة بحق آخرين، مثل الحكم بالسجن لمدة عام ونصف العام على الناشطة سناء سيف، واستمرار حبس آخرين مثل المحامي هيثم محمدين وزميلته ماهينور المصري وغيرهم. 

بالاقتراب أكثر من المطالب نجد أن المطالب رقم 5 و6 و7، في حالة سعي النظام للتخفيف والسماح بوجود هامش جزئي للحريات، ستكون تلك المطالب قيد المناقشة والعمل، لعدم إزعاجها السلطة بشكل كبير. فالمطلب الخامس يتمثل في إنهاء الملاحقات الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان، وإغلاق قضية 173 لسنة 2011، وهي قضية ضد الوجود المخالف للقانون لمنظمات المجتمع المدني، والمطلب السادس إلغاء قانون الأحوال الشخصية، وكما ذكرنا هو لا يؤثر على النظام السياسي في مصر، بل على العكس يسعى الرئيس السيسي دائماً لإبراز دور المرأة وأحقّيتها في المشاركة المجتمعية والسياسية، والمطلب السابع هو إلغاء حجب أكثر من 600 موقع إلكتروني في مصر، وهو أمر بالإمكان التقليل منه بتقليل عدد المواقع المحجوبة. 

 أما المطالب الأربعة الأولى، المتمثلة في إخراج السجناء السياسيين، وإنهاء مدة الحبس الاحتياطي المفتوح، ورفع حالة الطوارئ، وتأجيل تنفيذ الإعدامات الصادرة، هي مطالب من الصعب النقاش حولها في وجود النظام الحالي، الذي لن يسعى في إخراج آلاف المعتقلين المحبوسين احتياطياً، والمحكوم عليهم، لاسيّما الإسلاميين، فالمعادلة صفرية إلى الآن بين النظام وبينهم. بالإضافة إلى رفع حالة الطوارئ وإلغاء الحبس الاحتياطي المفتوح، وهي الحيّل القانونية التي شرّعها النظام بحجّة مواجهة الإرهاب والحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد.

عند تقييم المطالب السبعة يجب الوقوف أولاً عند نظرة النظام السياسي القائم لتلك المطالب من وجهة نظره هو التي برهنها للجميع خلال السنوات السابقة، لا من مدى مشروعيّتها من منظور الحرية أو إيجاد الهامش الديمقراطي، وبداية إصلاح سياسي وحقوقي. تظل أيضاً تلك المطالب أو التي سبقتها أو التي سوف تلحقها قيد إمكانية القوة، القوة المتمثلة في النظام، الذي يقرر بدوره متى يستجيب، متى يقمع، مع الثناء على السعي نحو إمكانية إيجاد وخلق هامش نضالي/إصلاحي يخفف من حدة القمع والاستبداد بحق المصريين. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبد الحليم
كاتب وباحث مصري في قضايا السياسةوالاجتماع
كاتب وباحث مصريّ، له العديد من المقالات والدراسات والتحقيقات المنشورة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة في عدد من المؤسّسات البحثية والمنابر العربية. مؤلّف كتابي «الحارة العربيّة» و«أجساد راقصة»، صدرت عن دار الجديد، بلبنان عام 2021.
تحميل المزيد