ما بين الأمير محمد بن سلمان وشاه إيران محمد رضا بهلوي ستة عشر من رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية وأكثر من ثلاثة وأربعين وزيراً للخارجية، لكن الثابت خلال تلك السنوات الثمانين هو أن سياسة الولايات المتحدة ثابتة من حيث التعامل؛ المصلحة الأمريكية فوق أي اعتبار حتى ولو على حساب مصالح الحلفاء.
يقول شاه إيران في مذكراته إنه أعطى الولايات المتحدة الأمريكية ما لم يعطها أي حليف، بما في ذلك إسرائيل، فحين أوقفت الدول العربية البترول للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، استمر الشاه في تصدير البترول الإيراني لدول الغرب، وفيما حارب العرب إسرائيل، مد شاه إيران علاقته معها، لا بل جعل من الأرض الإيرانية قاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية ضد الاتحاد السوفييتي، وبعد كل ذلك، يقول الشاه إنه انتظر من الولايات المتحدة أن تعامله كحليف حقيقي كما يعامل الحلفاءُ حلفاءهم ، فوجد أن وفد الخارجية الأمريكية الذي جاءه مع اندلاع الثورة الإسلامية يسأله متى تغادر؟
واشنطن والسعودية.. حب من طرف واحد
بعد الثورة الإسلامية في إيران، شكلت السعودية الدولة البديلة والحليف الاستراتيجي لواشنطن، وقدمت للسياسة الأمريكية في المنطقة الكثير، تعرضت لانتكاسة تلو الأخرى نتيجة التغيرات في السياسة الأمريكية، والتي صيغت دائماً بتراجع على الحساب السعودي في الساحات عند كل تقارب أمريكي لمصلحته إما مع إيران أو تركيا أو روسيا.
لكن ثابت أنه كان على المصلحة السعودية، فخسرت في الساحة العراقية، ثم في الساحة اللبنانية، وأخيراً في الساحة السورية، حتى نتج عن هذه التراجعات أن وصل الأمر للساحة اليمنية على حدودها الجنوبية، لم تنتظر من الولايات المتحدة أن تقوم بدورها كدولة حليفة والأقوى عسكرياً في العالم، فشنت حرباً بلا هوادة ضد الحوثيين، وشكلت تحالفاً دولياً، لم تقدم فيه الولايات المتحدة الدعم القادر على تغيير نتائج الحرب لمصلحة السعوديين.
طيف بايدن في الرياض
منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ارتفع منسوب القلق عند السعوديين، وهم العالمون بأن التغيير في السياسة الأمريكية نحو أي تقارب مع إيران في المنطقة سوف يكون على حسابهم، ولم يبقَ من حسابهم إلا الساحة اليمنية، فجاء الانسحاب الأمريكي من التحالف لدعم الشرعية اليمنية كمؤشر أول، ثم تبعه نشر التقرير الأمريكي للمخابرات المركزية الذي أكد دور الأمير محمد بن سلمان في قضية اغتيال الصحفي خاشقجي، وأخيراً عودة المفاوضات في فيينا بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
تقف السعودية اليوم، وهي تعلم أنها تخوض تجربة شاه إيران، ليس وقوفاً في الوسط، فإما أن تخوض تجربة رهان أخرى على السياسة الأمريكية وتنتظر أن تدفع الثمن، علماً أن الثمن هذه المرة سوف يكون الأغلى، وإما أن تذهب لتغير قواعد اللعب في المنطقة، فتسبح على مبدأ ميكافيلي لتجلس على الطاولة مع الإيراني، وتعيد العلاقات مع سوريا وتعود إلى الساحة اللبنانية والعراقية بشكل ونمط جديد أمله أن تستطيع عكس هذا الأمر بعودة الهدوء إلى حدودها الجنوبية.
قد يكون الجلوس السعودي-الإيراني على الطاولة للوصول إلى اتفاق يسبق الاتفاق النووي الإيراني في فيينا حاجة سعودية مُلحة، لكن السؤال الأبرز يبقى أن الوصول لاتفاق ما يحتاج من الفريقين، تقدم عناصر نجاح، فإذا استطاعت السعودية الوصول لحل يمني يؤمّن سلاماً لحدودها الجنوبية ويوقف الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة، فأي الساحات والمكتسبات ستكون من مصلحة الإيرانيين؟ خاصة أنهم على موعد مع الاتفاق النووي الذي سيضمن لهم حصةً، ليكونوا بذلك أكثر المستفيدين في المنطقة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.