الفلسطينيون باعوا أرضهم؟ حسناً تعالَ نرَ ذلك!
قبل عشرات السنين، استولت الصهيونية على ما يسمى بـ"أراضي الدولة"، وهي ببساطة و"بالبلدي" مجموع ما ورثته من المندوب السامي البريطاني بعد 48. الاحتلال بعد ذلك فرض سيطرته بأمر عسكري على أراضي الدولة التي كانت تحت سيطرة الحكومة الأردنية، وعيَّن "وصيّاً" يعيِّنه الحاكم العسكري، وهذا الوصِيُّ له الحق في تحديد أي الأراضي ينطبق عليها أراضي الدولة، ولو ثبت بعد ذلك "بحسن نية" أنها لم تكن كذلك لا يتغير الأمر وتبقى تحت سيطرة الاحتلال.
تلك القصة هي التي أسفرَتْ عن استيلائهم على 527 كيلومتراً مربعاً كانت تحت سيطرة الحكومة الأردنية قبل 67 في الضفة الغربية، ثم بعد ذلك 160 كيلومتراً مربعاً إضافية كانت تابعة للسلطات العثمانية إبان الخلافة العثمانية.
سنة 1996 صدر قانون هزلي جديد يقول فيما معناه إنه لو قال "حارس أملاك الحكومة" عن أي ملكية خاصة، إنها ملكية حكومية فسوف يتم اعتبارها كذلك "ما لم يثبت العكس"، يعني نقل حق الإثبات من الظالم الذي يبيع الأرض إلى المظلوم الذي يمتلك الأرض!
في هذا الوقت كان من الصعب جداً وجود حيازات ملكية لأسباب كثيرةٍ جداً، منها صعوبة تسجيل الأراضي من بعد 1948، بل ومن قبلها حتى، ناهيك عن قوانين تسويات الملكية المعقَّدة في خلال أول عشرين سنة من الاحتلال.
بعد ذلك بقليل تم تبديل مفهوم "الزراعة"، وتم إصدار قانون أن من "يدَّعي" امتلاكه أرضاً زراعية فعليه أن "يُثبت" زراعته لـ50% من مساحتها على الأقل، وإلا فإنها ستعتبر أراضي دولة.
وكالعادة.. أين ما يثبت؟
في الفترة من 1968 وحتى 1979 تم مصادرة 47 كيلومتراً مربعاً في الضفة الغربية "لأغراض عسكرية ضرورية"، وقالت المحكمة العليا الإسرائيلية (ركز مع المصطلحات بين الأقواس) إن الاستيلاء على "الأملاك الخاصة" بهدف بناء مستوطنات "مدنية" لا يتعارض مع مبادئ القانون الدولي العرفي، إذا كان هذا البناء يلبي احتياجات عسكرية.
ثم بعد ذلك تأتي أغراض بناء الطرق الالتفافية التي تسمح للمستوطنين الإسرائيليين بالسفر في الأراضي المحتلة، وبينها وبين إسرائيل "للحفاظ على نسيج الحياة الداخلي"، وتم تصنيف ذلك على أنه ضرورة أمنية مطلقة، ويا للعجب! غير مسموح للفلسطينيين باستخدامها.
هذا طبعاً غير قوانين الاستيلاء على الأراضي بغرض "المنفعة العامة"، ومن يقرر ذلك هو وزير المالية، الفكرة أن مصطلح النفع العام كان واسعاً جداً، فيشمل أرصفةً وعلاماتِ مرور وحتى مساحات خضراء، تخيل يُنتَزَع بيت أجدادك ليصبح مساحة خضراء، فقط! هكذا وصفها. وهذا كان من أكثر الأمور التي كانت نواة لبناء المستوطنات.
فعّلَت إسرائيل قانوناً سنة 1950 اسمه "أملاك الغائبين"، وهذا يعطي الحق لهم بالاستيلاء على ممتلكات كل من تم "تهجيره قسراً" بعد النكبة. وبسبب هذا القانون تم إنشاء 350 مستعمرة في الفترة من سنة 1948 حتى 1953، ولاحقاً تمت إضافة أراضي شرق القدس للقانون سنة 1967.
وينص القانون على أن يتم تعيين "حارس أملاك الغائبين" على يد وزير المالية الإسرائيلي لحصر هذه الأراضي وضمها للدولة. ويا للهزل.. القانون مستمر حتى "غياب حالة الطوارئ من الوجود"، يعني إلى الأبد. وحالة الطوارئ هذه مستمرةٌ من يومها حتى اللحظة!
ثم بعد ذلك عمل الاحتلال على تقييد انتفاع الفلسطينيين بأراضيهم بعدة طرق:
جدار الضم:
وهو جدارٌ تم إنشاؤه بمسافة 703 كيلومترات لمنع وصول العديد من المزارعين لأراضيهم إلا بتصريح دخول من الإدارة المدنية الإسرائيلية، والتصاريح بمدة محددة وتكون لصاحب الأرض فقط ويمنع اصطحاب عُمَّال مثلاً أو مزارعين آخرين.
منطقة التماس:
مناطق تم إنشاؤها سنة 2003 "داخل فلسطين" ولا يجوز لأي أحد البقاء هناك، والموجود داخلها يُخليها فوراً بالقوة. فمثلاً في منطقة غور الأردن والبحر الميت تم حظر 93% منها على الفلسطينيين بحجج استخدامها كمناطق عسكرية أو "محميات طبيعية".
وهذا طبعاً بخلاف المناطق العسكرية المغلقة التي يحق للحاكم العسكري تحديدها "بمزاجه"، وجانب كبير منها في الخليل وغور الأردن والضفة الغربية. وعقوبة دخولها خمس سنوات سجناً!
الحدائق والمحميات الطبيعية:
حوالي 340 كيلومتراً بهذا الوصف تم إعلانها بأمر عسكري من سلطة الطبيعة والحدائق الوطنية الإسرائيلية، بالإضافةِ لقوانين كثيرة شبيهة لا يتسع لها المكان هنا، معظمها في القدس وغزة، مثل المناطق العازلة البرية والمناطق العازلة البحرية وغيرها.
فنجد قوانين هدم المنازل لأسباب واهية تم وضعها من أيام الانتداب البريطاني، تتيح السيطرة على الممتلكات وهدمها حتى من دون محاكمة أو حتى توجيه تهمة. وما زلنا نرى ذلك حتى اليوم.
وقيل نصاً: "يجوز لأي قائد عسكري أن يهدم الدار أو البناية أو يتلف أي شيء مزروع أو نامٍ في الأرض". يعني يستيقظُ صباحاً ومزاجه أن يهدم بيتاً على رؤوس أصحابه اليوم، حسناً! فليفعَل بقوة "القانون".
واستكملت سلطات الاحتلال مصادرتها للأراضي بشكل عام "في الزحام"، ففي عام 1976 مثلاً قامت بالاستيلاء على 21 كيلومتراً تقريباً من أراضي الجليل، وعمليات هدم جماعية في بلدة قلنسوة في الداخل، المحتلة منذ 1948، وقيدت حركة البناء إلى أبعد حد في القرى والبلدات الفلسطينية، ثم جاء مشروع "برافر" لتهويد النقب وتهجير ما يقرب من 40 ألفاً من الفلسطينيين، والذي استهدف أكبر مساحة من الأرض، فمن أصل ألف كيلومتر كانت تمتلكها التجمعات العربية البدوية هناك لم يتبق سوى مئة كيلومتر.
أما المجازر:
فالجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قال في مايو/أيار 2019، إن عدد الشهداء منذ النكبةِ حتى الآن (بدون حساب شهداء الحروب)، يقارب مئة ألف، تم ذبحهم وجزرُهم في مجازرَ أزالتْ قرى كاملةً من الوجود بين شيخٍ وطفلٍ وامرأةٍ ومُسِنَّاتٍ ورجال، وعدد من تم تهجيرهم في 1948 يقارب 800 ألف فلسطيني، وعدد القرى المدمرة ساعتها فقط 531 قرية من أصل 774 في 71 مذبحة في أيام النكبة فقط.
أما حديثاً فلننظر لما يحدث في الأيام القليلة السابقة.
يقول الخبر الصحفي: إن المحكمة العليا للاحتلال تمهل العائلات الفلسطينية أصحاب حي الشيخ جراح مهلةً حتى الخميس القادم، للتوصل لاتفاق مع المستوطنين حول إخلاء منازلهم.
الخبر عبثي بشكل يصعب استيعابه، تخيَّل نفسكَ جالساً في بيتك الذي ورثته من عشرات بل ومئات السنين، حالاً تستعد للإفطار مثلاً، ووجدْتَ من يطرق البابَ ويقول لك: "بيتُك يلزمُني، اجمع أغراضَكَ وغادر"! ثم كي يتفضَّل عليك ويظهر بديمقراطيته للعالمين يعطيك مهلةً كي تتوصل لاتفاقٍ لتسليمه لمن يقتلك ويستبيحُك.
كنت أود أن أسرد كثيراً جداً بهذا الخصوص وعن هذه الجملة المقيتة الظالمة، لكن كما قلتُ، فقد رأيتُ أن أعطي بعض الإشارات فقط وعلى من يرغب في تكملة البحث والمعرفة أن يكمل.
دمتم بخير، ورفع الله قدر إخوتنا الفلسطينيين في الدارين وفرَّج عنهم وعنَّا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.