وُلِد لأسرة بسيطة وليس عروسة ماريونيت.. رياض محرز لا يرضى بالفقر!

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/05 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/05 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
رياض محرز (رويترز)

في عام 2019، قامت قناة BBC News العربية بفرض تساؤل مهم، كان السؤال يتحدث عن الضغوط النفسية المتكررة والظروف التي يترعرع فيها الشخص، والتي من خلالها لا يصبح هذا الشخص يعاني تحت الضغط. 

كان السؤال: هل كثرة الصدمات والعيش في أعماق الضغوط تجعل الشخص أفضل وأكثر هدوءاً تحت ضغوط العمل؟

حسناً، لنناقش تلك القصة، والد رياض محرز كان لاعب كرة قدم، توفي بمشاكل في القلب، بعدما هاجر رياض وعائلته لفرنسا محاولةً منهم لإنقاذه، وكونهم فقراء، استمرت والدته في المعاناة؛ تُعاني مع ولدها رياض في أوروبا، ولدها التي تحلم بأن يكون لاعباً لكرة القدم مثل والده. وصل لقمة المجد، حقق الدوري الإنجليزي الأشبه بالمعجزة مع ليستر سيتي، وكان أول لاعب عربي يفوز بأفضل لاعب في الدوري الإنجليزي.

يذهب لمانشستر سيتي، وإذ فجأةً، يتحول فخر الجزائر من نجم الدوري الإنجليزي الأول للاعب أصبح حبيساً على الدكة، وأصبح موضع سخرية الجميع، تحدث عنه مدربه بيب غوارديولا بنفسه وقال: "لي أسبابي الفنية، لكنه لا يقوم بالتقصير في أي جانب، هو أحد أمهر اللاعبين الذين دربتهم في حياتي، وسيأخذ فرصته".

عندما حصل عليها النجم الدولي الجزائري؛ أصبح محط أنظار الجميع، وورقة رئيسية من أوراق تحول بيب غوارديولا في موسمه، الذي تحول جذرياً بعد مباراة ليستر سيتي، التي خسر فيها مانشستر سيتي في عقر داره بخمسة أهداف لهدفين.

لذا، ها هي إجابة السؤال، إجابة عملية؛ رياض محرز وُلِدَ من رحم العناء، لذا لم ولن يفقد الأمل، تعود على ذلك، ولن تجده يتأثر من مواقف اليأس، هو يلعب بكل هدوء تحت الضغط، لأنه تعود على تلك الضغوط، لذا كان هو ورقة بيب غوارديولا الرابحة في مباراتي باريس سان جيرمان، اللاعب الوحيد الذي أخذ مطلق الحرية على الخط!

رياض لا يرضى بالفقر

كريستوف مارشاند، هو صحفي فرنسي في BBC، يحكي كريستوف ويقول إن والدة رياض محرز كانت عاملة نظافة في عيادة طبية، في 2009 تحديداً، أخذ رياض منها 173 دولاراً كي يقوم بشراء تذكرة القطار لشمال غرب فرنسا، كي يشق طريقه الكروي في اختبارات نادي كيمبار الفرنسي، الذي كان يتواجد في الدرجة الرابعة حينها، ووعدها أنه سيقوم بإعادة تلك النقود لها مرة أخرى، بعدما ذهب رياض وتم اختباره، قال له رئيس النادي: لا يوجد نقود كي نصنع لك عقداً معنا، تكلم رياض مع والدته في الهاتف المحمول وبكى بكاء شديداً، حينها رصد رئيس النادي الموقف وقام بالتعاقد معه فعلياً بعد 24 ساعة فقط.

تلك القصة حكاها رياض بنفسه على صفحته في إنستغرام منذ سنتين، قصة حياة رياض محرز من الأساس مليئة بكواليس صعبة؛ محرز كان شخصاً كسولاً بطبعه، وكان حلم والده أن يصبح لاعب كرة قدم، لكن محرز لم يجد الدافع للتغلب على كسله إلا بعد وفاة والده، كتحدّ ينشط خلاياه الحماسية النائمة، تحديداً حينما حدث نفسه بألا يخذل والده، بل وذهب رياض كتجارب مع فرق إسبانية ورومانية، وتم رفضه، وفي اسكتلندا أيضاً، ولم يكمل مشواره بسبب برودة الطقس وصعوبة اللغة.

يظن البعض أن رياض لم يجد صعوبة في صناعة المجد بسبب معيشته في فرنسا مع أهله، لكن الحقيقة والواقع لا يتفقان مع ذلك أبداً، بل يدلان أيضاً على بداية محرز من درجات الكفاح السفلية، وطريقه الكروي في البداية لم يكن سهلاً، بل واجه الكثير من الإحباطات، منها تهكم أحد رؤساء الأندية التي لعب فيها، لأنه كان ضعيف الجسد والبنية، لكن يُكافئ الآن، بل ويكافئ والده أيضاً، بتلك المستويات العظيمة التي وصل لها فردياً، ووصل لها مع فريقه مانشستر سيتي.

ليس عروسة ماريونيت

قرر بيب غوارديولا مغادرة نادي برشلونة في 2012، بعد الخسارة من تشيلسي في دور نصف نهائي دوري الأبطال، لسبب غريب ظاهرياً، لكنه يفسر مشكلته الأساسية في السنوات الماضية؛ أنه كان غير قادر على السيطرة على اللاعبين بشكل أكبر من ذلك، رغم أنهم اللاعبون الذين حصلوا مع بيب غوارديولا على سداسية، وكسر المدرب الإسباني معهم كل الأرقام القياسية في ذلك الوقت، جماعياً وفردياً أيضاً.

كان تفسير غوارديولا لمفهوم السيطرة على لاعبيه تفسيراً غريباً وفريداً من نوعه، وذلك لأنه كان يتعامل مع لاعبيه معاملة عامل السيرك لعرائس الماريونيت، بل وكان ذلك من أهم أسباب فشله الأوروبي في السنوات الأربع الماضية؛ يقومون بفعل ما يريده المدرب الإسباني فقط، كان ذلك بدون أدنى احترام للمفهوم الآدمي، وبدون أي نوع من الفوضى الفردية للاعبين المهاريين بالكرة، والتي من الممكن أن تساعده شخصياً في حسم مباريات لا تُحسَم إلا بفرديات هؤلاء اللاعبين، لأن التكتيك لم يكن كافياً يوماً.

منذ موسمين، عندما خسر مانشستر سيتي بهدفين لهدف على يد نيوكاسل يونايتد، ذكرت صحيفة Man City News Now عن تصريحات بيب غوارديولا بعد الخسارة نصاً: "بعد الخسارة اليوم، نحن فقدنا الآمال في الفوز بالدوري، انتهى كل شيء"، في حين أن الصحيفة ذاتها نشرت عن الاجتماع الذي عقده غوارديولا مع لاعبيه، ليسألهم عن أسباب الخسارة من وجهة نظرهم، وفعلاً شارك اللاعبون بالنقاش، وبعدها استطاع الفريق الفوز في الـ14 مباراة المتبقية بعد تلك المباراة!

ذكرت صحيفة "ديلي ميل" أنه في الموسم الماضي وبعد الخسارة أمام توتنهام، اجتمع بيب مع اللاعبين لما يُقارِب الساعة، لسماع سبب الخسارة والنتائج السلبية من اللاعبين، وكان السبب الذي اجتمع عليه أغلبيتهم هو التغيير المستمر تكتيكياً وخططياً بشكل عام، وطالبوه بالتوقف عن ذلك. يُذكَر أن الإسباني استخدم ما يقارب 76 شكلاً فنياً ما بين اختيارات لاعبين وتغيير مراكز في هذا الموسم حسب إحصائية شركة Opta.

كل ذلك يمثل تفسيراً واضحاً وصريحاً لإحصائية Opta في الموسم الماضي، عندما ذكرت أن مانشستر سيتي أكثر فريق في أوروبا خسر بنتيجة عريضة في آخر 5 مواسم، عندما يتقدم الخصم أمامه بهدف!

التفسير المنطقي هنا، هو إلغاء بيب غوارديولا حينها لشخصيات اللاعبين، وهذا عكس ما حدث هذا الموسم تماماً، لأنهم كانوا مثل الزجاج الذي ترميه بحجر؛ كل الأمور تتفكك عندما يتقدم الخصم بهدف، أو عندما يفشلون هم في تسجيل هدف في أول 15 دقيقة من اللقاء، لأنهم مثل الروبوت أو الإنسان الآلي الذي يدخل المهمة بهدف تنفيذ شيء برمته فقط، بدون أدنى حرية للاعبين واستخدامهم لفردياتهم وإمكانياتهم في بعض المواقف. أو لما بيفشلوا في تسجيل هدف أول ربع ساعة لأنهم عاملين زي الروبوت اللي داخل ينفذ شيء بعينه بس، بدون أدنى حرية للاعبين واستخدامهم لفردياتهم في بعض المواقف.

إعطاء اللاعبين بعض الحرية بأوامر تكتيكية، أفضل بكثير من الوجه العصبي لبيب غوارديولا على رحيم سترلينغ في الموسم قبل الماضي، كي يقوم بتسديد الكرة بقدمه بعد فرصة ضاعت، ولكن بعد تسجيله هاتريك من 6 أهداف سجلها الفريق في نهائي كأس إنجلترا!

بالربط بكل ذلك مع حالة رياض محرز مع بيب غوارديولا، بل وحالة كل الفريق مع المدرب الإسباني، سنجد أن بيب قام بتغيير تلك القناعة من رأسه وتلك الديناميكية في التعامل.

رانييري مدرب ليستر سيتي السابق على سبيل المثال، قال للاعبيه: "عندما نفقد الكرة استمع لي، وعندما نحصل عليها استمع لنفسك". اختصر بتلك الجملة نهجه مع الفريق؛ أثناء الحالة الدفاعية تحديداً، هناك أفكار ثابتة يجب على اللاعب الالتزام بها من أجل تماسك المنظومة، إنما أثناء الهجوم المرتد والتحول على مرمى الخصم، فرانييري كان يعطي كامل الحرية للاعبيه بالارتجال، وهذا هو سر ازدهار محرز مع المدرب الإيطالي، أن النجم الجزائري كان يملك المساحة الكافية من الحرية التي تمكنه من خدمة الفريق، لكن على طريقته الخاصة.

يعتمد بيب غوارديولا على محرز هذا الموسم في دور مختلف قليلاً عن الذي لعبه مع ليستر سيتي في عمق الملعب، وهو الدخول من خارجه الملعب على طرفه الأيمن لداخله في العمق، تلك الخطوة التي زادت عن دوره في ليستر سيتي جاءت بسبب الترحيل المستمر للمدرب الإسباني بهدف تشتيت الرقابة، هو يلعب من أجل تشتيت الرقابة في الأساس.

على سبيل المثال، يلعب برناردو سيلفا هذا الموسم في مبارياته المعدودة في دور شمولي أكثر مما مضى، يتحرك في وسط الملعب ثم يتحرك على الطرف بعد تحرك محرز للعمق، كي يملك مانشستر سيتي أفضلية عددية دائمة على الخصم، مع تشتيت رقابة المدافع الذي يراقب محرز في المباراة.

خلال مباراتي باريس سان جيرمان، رياض محرز لم يلعب هذا الدور، لكنه لعب بدور حر أكثر، لكن على الجناح فقط، لاعب يستخدم مهاراته في تجاوز الظهير ومن ثم تمرير الكرة للاعبي الوسط المتحركين بين الخطوط، من أجل التفوق النوعي وليس العددي هنا، تمرير من الخارج للداخل كما تم الشرح سابقاً.

بيب غوارديولا اقتنع أخيراً أن حرية اللاعب مطلوبة، لذلك تفوق هذا الموسم على الجميع طولاً وعرضاً، هو نفس المدرب الذي أخرج تيري هنري في إحدى المباريات بعد تسجيله هدفين لأنه أدرك أنه يلعب لنفسه، وهو نفس المدرب الذي أعطى رياض محرز كامل حريته في دوري الأبطال في الأدوار الإقصائية، فيقوم بتسجيل هدفين ذهاباً وإياباً، ويسجل 5 أهداف في آخر 5 مباريات.

محرز أم صلاح؟

لا تختلف المقارنة بين محمد صلاح ورياض محرز عن المقارنة بين كيفين دي بروين وهاري مجواير، من أجل أن تكون مقارنة عادلة، يجب توحيد كل الظروف أولاً، وذلك أشبه بالمستحيل، المقارنات بشكل عام ظالمة بين الأشخاص، لأنه من الصعب أن تتحد ظروف طرفي المقارنة.

حسناً، لنذهب للمفارقة الأخرى، اشتراك اللاعبين في المركز ذاته لا يعني بالضرورة اشتراك اللاعبين في نفس الأدوار، يصنف بيب غوارديولا اللاعبين لنوعين؛ نوع يصنع اللعب، ونوع آخر يهاجم المساحة، ورياض محرز من النوعية الأولى، نوعية صناعة اللعب سواء كان جناح خط أو جناحاً عكسياً يقوم بالانضمام للعمق، وهذا الدور ظهر بشكل مثالي في مباراتي باريس سان جيرمان، حينما كان يتم تحويل اللعب من أقصى الرواق الأيسر ناحية محرز القادر على فك التكتلات وتوصيل زملائه للمرمى.

أما محمد صلاح، فهو من النوع الثاني، مهاجم مساحة، أي أن رياض محرز يلعب كثيراً خلف الكرة، أما محمد صلاح يلعب فوقها، لذلك هيكل ليفربول أثناء فك التكتل يكون 2-3-5، ومانشستر سيتي أيضاً كذلك، ولكن، الخماسي الأمامي لليفربول يقومون عادةً بالتمركز على الخط وفي أنصاف المساحات، ظهيرين على أقصى الطرفين، مع ثلاثي هجومي في المقدمة.

أما خماسي مانشستر سيتي، فتقوم الأجنحة عادةً بفتح الملعب عرضياً على الخط، مع تواجد لاعبي الوسط في أنصاف المساحات مع المهاجم كي لا يتم عزله، Switching off عرضي من بيب غوارديولا يتكرر دائماً هذا الموسم، بجناحين يقومان بتشتيت رقابة الخصم لاستغلال الكرة الثانية للاعبي وسط مانشستر سيتي. كل ذلك يعني أن أماكن تمركز محمد صلاح ورياض محرز مختلفة هي الأخرى.

لا شك أن هناك مميزات لأحدهم تتواجد عند الآخر بدرجة أقل؛ محرز مفيد في مرحلة التقدم، أي المرحلة الثانية من الهجمة من أجل فك التكتلات، نتيجة لقدرته على المراوغة والتمويه الجسدي والتغلب على وضعية جسد المدافع، مع احتفاظ عالٍ بالكرة، ومقاومة الضغط وأخذ المخاطرة الدائمة في التمرير، أما محمد صلاح فهو مفيد في مرحلة الإنهاء، أي المرحلة الأخيرة في الهجمة، مع مشاركته في اللعب أيضاً لكن بجودة وفاعلية أقل في هذا الجانب، خصوصاً أن صلاح هو المحطة وزاوية التمرير لكل لاعب في ليفربول هذا الموسم، بعيداً عن أهدافه التي لم تتأثر بمستوى فريقه، لكنه لا يجيد هذا الجانب مثل محرز الذي يصنع هو الخطورة لزملائه.

لذا هذا هو التفسير لفشل عدد كبير من اللاعبين بمجرد انتقالهم من فريقهم القديم لفريقهم الحديث، حيث المنظومة غير المناسبة لهم، ولذلك منظومة منتخب الجزائر مناسبة جداً لرياض محرز مع جمال بلماضي، في حين عدم تواجد منظومة من الأساس للمنتخب المصري، ولذلك تستمر الجزائر بقيادة رياض محرز في تقديم مستويات مميزة ونتائج تعبر عن تفوقهم القاري بشكل ملحوظ عن البقية، في حين تقهقر واضح للمنتخب المصري الذي يلعب بلا ملامح ولا هوية ولا مشروع منظم بقيادة حسام البدري.

مستوى مميز للنجم العربي الجزائري، ازدهار مميز وواضح فردياً على مستوى التهديف والصناعة، وجماعياً لبلوغه بطولة الدوري الإنجليزي ونهائي دوري الأبطال، ونتمنى المواصلة، إن شاء الله.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد حبيب
كاتب رياضي
كاتب رياضي
تحميل المزيد